تواجه التلاميذ في كل عام.. مشكلة نفسية اسمها (الكتب المسترجعة)

217

علي غني /

استبشرت العائلات العراقية بالدوام الحضوري وعودة الروح العلمية الى المناهج المقررة من دون بتر أو الغاء، لتحضر المدرسة العراقية، التي كنا ومازلنا نتغنى بها بكامل أناقتها، للعام الدراسي (2022 – 2023) الذي بدأ بنكهة الإعفاء والتسريع، وليتنافس المتنافسون في ساحات العلم، لكن انتكاسة الكتب الجديدة، والعودة للمسترجعة منها ومشاكلها النفسية على التلاميذ والطلبة ستلقي بظلالها على هذا العام حتى تحل المشكلة، فهل سيحصل ذلك بعد هذا التحقيق؟
ممزقة وناقصة
توسلت (أم شيماء)، إحدى أمهات الطالبات، بمديرة المدرسة أن تستبدل كتب ابنتها في الثاني المتوسط لكونها ليست مستعملة فقط، بل انها ممزقة وناقصة، وأن ابنتها تشعر بالحزن لأنها تعودت على تسلم الكتب الجديدة في السنوات الماضية، لكن المديرة رفضت بشدة وقالت: “ابنتك ليست هي الوحيدة التي تسلمت كتباً مسترجعة، بل إن الأمر يشمل الجميع، وهذا هو حال مدارس العراق كلها!” فعدت الى بيتي (والكلام لأم شيماء)، وقررت مع نفسي أن الجأ الى المكتبات التي تروج لبيع الكتب المنهجية.
تتكرر كل سنة
“مثل معاناة أم شيماء الكثير، بل سوف تشتد المحنة أكثر حين تنفد الكتب المسترجعة.” هذا ما قاله الأستاذ (إياد الهاشمي-أحد أولياء الأمور): “لأن العديد من التلاميذ والطلبة يمزقون الكتب ويقومون برميها بعد الانتهاء من الامتحانات، وقد يؤدي تساهل بعض الإدارات في المطالبة بها والاتكال على الوزارة بطباعتها، الى نقص كبير يوقع المديريات العامة للتربية في مطبات لا تحسد عليها، ومثلما يحدث هذا العام (2022-2023)، إذ اعتمدت المديريات العامة للتربية في عموم العراق على الوزارة في طبع الكتب الجديدة، لكن الأمور جرت على نقيض ما كانت تتصوره تلك المديريات، ومن هنا بدأت الانتكاسة.”
أعمار صغيرة
لم أكن أتصور أن المشكلة سوف تمتد الى المعلمات والمدرسات، فهذه الست (أسيل كمال / معلمة الرياضيات في مدرسة ابن الأرقم الابتدائية)، تقول: “أنا معلمة الرياضيات، وتسلمت كتاباً ممزقاً، فكيف سيكون حال التلميذات، وابنتي تلميذة معي أيضاً تسلمت كتاباً قديماً، والحق يقال فإن هذه القضية تتكرر كل سنة، ولاسيما في السنوات الأخيرة، لكن الأهالي يوفرون لأبنائهم كتباً جديدة (يشترونها من المكتبات)، بسبب إلحاح أبنائهم على اقتناء الجديد، كما أن غالبية الإدارات المدرسية لاتحاسب التلاميذ على نظافة الكتب، لأنهم في أعمار صغيرة.”
قانون الغرامة
“هذه المعاناة تتكرر كل عام دراسي جديد.” هذا ما قالته مديرة متوسطة الحوراء للبنات الست (لينا رشيد عباس)، وعزت السبب لعدم تجهيز المدارس بالحصة المقررة لكل طالب، وعدم طباعتها على الرغم من تغيير المناهج وإلغاء نظام الكورسات، “سجل على لساني (والكلام للست لينا)، نحن نواجه انتقادات من الأهالي الذين يتهموننا بالتقصير والإهمال، فيقوم بعض الأهالي (أصحاب الدخل العالي ) بشراء الكتب من مكتبات معينة او التوجه الى سوق السرايبينما أولياء الامور(الفقراء)، الذين لا يملكون سوى قوت يومهم يضطرون الى انتظار الفرج ، وهذه المشكلة نعاني منها منذ ثلاث سنوات، لذلك أطالب بطباعة الكتب للعام الدراسي الجديد، وتفعيل قانون الغرامة على الطالب الذي يقوم بتمزيق الكتب أو عدم تسليمها الى الإدارة في نهاية السنة.”
أولويات الوزارة
وعدّ معاون مدرسة الأخوة للبنين الأستاذ (هاني عطية هاشم) طباعة المناهج المدرسية بأنها “يجب أن تكون من أولويات وزارة التربية، بتسخير إمكانياتها من أجل إتمام هذه المهمة التي أصبحت قضية كل موسم دراسي، وبالتالي يعاني منها المدرس والطالب على حد سواء، في عدم الانتظام في متابعة المناهج المقررة، لذلك يفترض أن توزع الكتب على وفق جدول زمني محدد ومعد مسبقاً من قبل الخيرين المخلصين والمسؤولين عن هذا الأمر وعدم التلكؤ والتأخير.”
وتابع عطية : “يجب أن تشمل طباعة الكتب كل المواد، وأن توزع بشكل كامل، لأن غالبية المدارس تعاني من النقص في المناهج المدرسية بسبب إهمال الطلاب وعدم متابعة الأهالي لأولادهم بخصوص الكتب، فتارة ترجع الكتب المستعملة ممزقه، وتارة أخرى يفقدها الطالب او يتركها عند باب المراكز الامتحانية دون الاهتمام بها ولا بفقدانها.”
توفر الكتب
فيما أوضح مدير الإشراف التربوي في تربية محافظة ديالى (الأستاذ حسن نامق) أن “إدارات المدارس في المديرية العامة للتربية شرعت بتوزيع الكتب المدرسية المسترجعة الى أبنائنا التلاميذ مع المستلم الجديد من قسم الإدارة والتجهيزات وفق جدول مُنظم للمراجعة لِإدارات المدارس الى المخازن العائدة لديوان المديرية العامة وفي الأقضية والنواحي، وقد وجد المشرفون لدى زياراتهم للمدارس توفر الكتب المدرسية المسترجعة بشكل جيد وبنسبة كبيرة مع المستلم الجديد للصفوف الاولية.”
وأوضح أنه “في حال تسلم كتب جديدة من المخازن العائدة للتربية فسوف يجري توزيعها مباشرةً بين أبنائنا التلاميذ، طبعاً كانت هناك ردود أفعال إيجابية تارة وسلبية تارةً أخرى، ولاسيما أن هناك فروقاً فردية في الأفكار والرؤى، لكن الغالبية تسلموا الكتب المدرسية وأكدوا المُضي في التعاون مع المدرسة في مثل هذه الظروف.”
سوء التخطيط
وعزا المشرف الإداري في تربية الكرخ الثانية الأستاذ فيصل مدلول أزمة الكتب المنهجية الى “سوء التخطيط وضعف الأداء الحكومي وقصور قاعدة البيانات لدى إصحاب القرار، فبعدما كانت الدولة توزع على طلبة المدارس الكتب والقرطاسية التي تسد ما يقارب ٨٠٪ من احتياجاتهم في كل المراحل الدراسية، ولاسيما الابتدائية والمتوسطة، أصبحنا اليوم نعاني من فقدان الكتب المدرسية وبنسبة توزيع لا تساوي او تعادل او تناظر الزيادة المضطردة بأعداد الطلبة في كل المراحل الدراسية، قد تصل أحياناً الى نسبة ٢٠٪ مما يحتاجه الطالب في دراسته، ماعدا الكتب التي حدث فيها تغيير في المنهج الدراسي مثل كتاب اللغة العربية للصف السادس الإعدادي الذي لا نعلم لماذا طبع بجزءين؟
حجة للطلبة
“ويبدو أننا سوف نظل في دوامة أزمات متلاحقة (والكلام للأستاذ فيصل)، لعل أقربها إلينا مشكلة سوء التخطيط في وضع تقويم عام دراسي كامل، إذ تبقى كل القرارات خاضعة لمزاج الأزمات الآنية، فعندما نتكلم عن موضوع الكتب المدرسية وطريقة الاعتماد على المسترجع منها، ننسى أن التعليمات السابقة لا تسمح لمديري المدارس بالاحتفاظ بخزين من الكتب لا تتجاوز نسبته ١٠٪ في مخازنه، وهو ما يعرف بـ ( المدور). وعلى فرض أن نسبة الاسترجاع الصالحة للعمل من الطلبة هي ٨٠٪ للمرحلتين المتوسطة والاعدادية، وهي نسبة مبالغ فيها طبعاً لأسباب عدة، إذ أن الكثير من طلبتنا الأعزاء لا يعيرون أي أهمية للكتاب ولا يحتفظون به الى نهاية السنة، فهي إما أن تفقد أو تمزق أو تتلف من قبل الغالبية من الطلبة.”
هذا هو الحل
وما الحل الذي يرضي جميع الأطراف؟ سألنا الأستاذ فيصل، فأجاب: “علينا الاتفاق مع أصحاب المطابع المحلية بالقيام بطبع الكتب في تلك المطابع لقاء منحهم نسبه لا تتجاوز ربع المبالغ المستحقة لهم مع ضمانات حقيقية بتسديد مستحقاتهم كافة لاحقاً، بعدما تتوفر تلك الأموال اللازمة (بالرغم من أن التصريحات الحكومية تؤكد وجود مبالغ طائلة كخزين من العملة الصعبة – من دون فائدة أو أثر ينعكس على الواقع)، والسؤال: إذا كانت نسبة الكتب المسترجعة وبنسبه ٨٠% وهي للمجاملة ليس إلا، فما هي نسبة الكتب المسترجعة من طلبة المراحل الابتدائية الأولية وهم أطفال لا يدركون أهمية الكتاب ولماذا يجب المحافظة عليه؟”