جامع (مالئ الأباريقي)… سبعــة قـــرون مـــــن الوهـــج الروحــي
بغداد – ملاذ الأمين
تصوير: حسين طالب/
رغم عمليات الحفر قربه، ومرور عربات الحمل الثقيلة بجانبه، إلا أن بناية جامع الأباريقي مازالت محافظة على ألقها، ولاسيما بعد أن نالتها يد التجديد من قبل ديوان الوقف السني. يعد جامع الأباريقي من مساجد العراق التراثية القديمة، يقع في جانب الرصافة من بغداد -الباب الشرقي في محلة (الفناهرة)، شيد في نهاية عهد الدولة العباسية عام 647هـ/1250م، أي قبل أكثر من 750 سنة، ولقد واصلت مديرية الأوقاف العامة عملية تجديده وصيانته على مدار العقود السابقة.
يتميز الجامع بصلابة جدرانه، إذ إنه لم يتأثر من جراء عمليات الحفر التي نفذتها الآليات الثقيلة المكلفة بحفر نفق الباب الشرقي الذي يبعد عنه بمسافة تقل عن 10 أمتار، كما أنه صمد منذ مئات السنين أمام الظواهر الجوية والمياه الجوفية، وبقيت جدرانه وسقوفه تحتضن المصلين الوافدين إلى الجامع في جميع أوقات الصلاة.
الى الشرق من الجامع تقع محلة (البتاويين) في منطقة الباب الشرقي من رصافة بغداد، التي كانت منطقه زراعية حتى ثلاثينيات القرن الماضي، حين كانت تقع خارج المدينة، لكنها حالياً في قلب بغداد. يعود سبب تسميتها بالبتاويين نسبة إلى العائلات التي جاءت من لواء الحلة، وبالذات من قرية (البتة) القريبة من جسر (بتة) الحالي في الحلة، إذ سكنوا هذه المنطقة في بداية القرن التاسع عشر، لذا سميت باسمهم: البتاويين.
وفي رواية أخرى أن سبب تسميتها يعود إلى كونها منطقة زراعية هاجر إليها مزارعون نزحوا من قرية (البت) الواقعة في منطقة النهروان شمالي ديالى، وأقاموا فيها إبان القرن التاسع عشر، وسُمّيت كذلك باسم (كرّادة البتّاويين).
مالئ الأباريقي
وبحسب الكاتب الباحث في التراث (باسم عبد الحميد حمودي)، فإن جامع الأباريقي سمي بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ (محمد الأباريقي)، الذي كان خادماً في مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني ومن تلاميذه، إذ كان الشيخ محمد يملأ العشرات من أباريق الماء في المسجد لغرض الوضوء قبل كل صلاة مفروضة، كي يتوضأ بها المصلون، إذ كان يجتهد بحمل قِرَب المياه من نهر دجلة القريب من الجامع ليملأ الأباريق منها كي يتوضأ المصلون بها قبل أداء الصلاة.
قبر الأباريقي
ويؤكد عبد الحميد أن مساحة مبنى الجامع تبلغ أكثر من 800م2، ويتسع الحرم إلى أكثر من 300 مصلٍّ، وفيهِ مصلى صيفي يتسع إلى أكثر من 400 مصلّ، ويقع قبر الشيخ الأباريقي تحت النافذة الأولى إلى يمين باب مصلى الحرم، وأخفيت معالم القبر أثناء التعمير لأجل توسعة الحرم آنذاك. وتشير الدلائل إلى أن القبر لم يرفع من موقعهِ، وإنما أخفي، أو درس تحت جدار الحرم، ثم جددت عمارة المسجد مرات عديدة كانت أخراها في عام 1433 هـ/2012م، من قبل ديوان الوقف السني في العراق.
بستان الخس
يقول السيد (حامد عزيز 66 عاماً)، وهو من سكان حي البتاويين القدماء، إن “المنطقة قبل أن تكون تجارية وسكنية كانت في بداية القرن الماضي عبارة عن بساتين ومزارع وبيوت طينية متناثرة يسكنها الفلاحون الذين يمتهنون الزراعة، الذين كانوا يزودون مدينة بغداد بالخضراوات والفواكه ومنتجات الألبان عبر بوابة باب الشيخ القريبة.”
وأضاف أن “هذه المنطقة كانت تسمى (بستان الخس)، وهي مملوكة لعوائل يهودية ومسيحية، وكذلك المسلمين من عائلة الكيلاني.”
وتابع عزيز أن “المنطقة سميت ببستان الخس لأنها كانت أرضاً زراعية يزرع فيها الخس بكثرة، وهي تمتد من شاطئ دجله إلى ساحة النصر في شارع السعدون، وتصل الى موقعي وزارتي التربية والتعليم العالي حالياً، وسابقاً كانت هناك مدارس الشرطة.”
ومن معالم هذه المحلة (مقهى الأورفلي) الذي أنشئت على أرضه سينما السندباد وساحة النصر، التي سميت بهذا الاسم تخليداً لذكرى انتصار الحلفاء على رومل في معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية، كما بني في هذه المحلة (القصر الأبيض)، وهو البيت الذي اختبأ فيه نوري سعيد عام 1958م خلال ثورة تموز بعد مقتل العائلة المالكة.