حزامُ الأمـــان في العراق قانونٌ شبـــه معطّل، وإهمالٌ قاتل

1٬052

آ. منصور /

لم يستوعب علي تورهان، وهو يتجه نحو منزله في أحد أزقة مدينته، أن شرطي المرور سيوقفه بينما كان يحاول أن يتحدث معه بلكنة “إنكليزية ركيكة” عن سبب قدومه هنا، يشعر علي بالاستغراب ويتحدث معه بلهجته البغدادية الطبيعية، ينصدم شرطي المرور، ويسأله: عراقي وترتدي حزام الأمان؟!
هذه الحكاية، وهذه الأسئلة وكل هذا الاستغراب، يحدث بشكل يومي للأقلية الذين يرتدون حزام الأمان. السؤال هنا: لمَ اصبحنا نعدّ ارتداء حزاء الأمان “الطبيعي” شيئاً غير طبيعي في عام 2019.
أزمة أم نظام؟
تخطّت أغلب الدول مشكلة ارتداء حزام الأمان، وأصبح استخدامه روتيناً يومياً واعتيادياً، لكنه في العراق ما زال مشكلة، على الرغم من أن قانون المرور العام في العراق يوجب على السائق ومن يجلس قربه ارتداء الحزام، إلا أن أغلب السواق يتعاملون مع الأمر وكأنه حبل خانق لرقابهم، بدلاً من أن يكون منقذاً.
استسهال القانون
يؤكد آمر قاطع الكرخ العقيد محمد الراوي أن توجيهات اللواء عامر العزاوي تشدد على تنفيذ القانون وتغريم كل من لا يرتدي حزام الأمان وحجز عجلته.
-القانون يحث على تغريمهم ما لا يقل عن 15 ألف دينار، هذا المبلغ البسيط جعلهم يتهاونون ويستسهلون خرق القانون. لهذا ليس من حل لدى الأجهزة المختصة سوى رفع مبلغ الغرامة والتعامل بصرامة أكبر معهم.
يذكر العقيد أن المواطن العراقي يتعامل مع الشارع دونما احترام، وذلك بتجاهله المفارز والسيطرات المرورية دائماً، ويضيف: أغلبهم لا يملكون ثقافة مرورية،
كم ضابطاً وشرطي مرور سنوزع في شوارعنا من أجل تنظيم السير وإجبارهم على الالتزام بارتداء حزام الأمان؟ هذه الخطوة، لوحدها تحديداً، تحتاج لمعاونة ومساعدة المواطنين لا غير.
وأعرب العقيد عن أسفه قائلاً: إن أغلب سائقي السيارات هم أشخاص غير مبالين، ذلك أن حزام الأمان يعد وسيلة مهمة لحمايتهم.
-حينما نوقفهم من أجل الحزام، يتساءلون بغرابة: ما الذي حدث؟ لم نفعل شيئاً! مشيراً الى أن مديرية المرور تمكنت من القضاء على “فقرة الرونغ سايد” وستعمل على إعادة إشاعة ارتداء حزام الأمان.
نصيحة خطرة
يضحك شرطي المرور بهاء ياسين عالياً حينما يخبرنا أن شرطي المرور قد يُقتل اذا نصحَ أحدهم!
– في أحد الأيام استوقفت سائقاً من أجل حزام الأمان، فأجابني ساخراً: هل تعلم لأي حزب أنا تابع؟ هل تحب أن أحضرهم لك؟
كان الموقف جنونياً، أن تحث أحدهم على حماية نفسه فيهددك بالقتل وبالحزب التابع له.
وعن عمل الأجهزة المرورية يقول الشرطي ياسين “إنها تعمل كل ما عليها عمله بكل جهودها، لكن تمادي المواطنين جعل اليأس يصيب بعض كوادر المرور.”
ويضيف: إن العراقيين يرتدون الحزام في دول العالم، وعند دخولهم حدود العراق يخلعونه.
-الموضوع لا يقتصر على القوانين وحسب، إنها قصة احترام المواطن لدولته وقوانينها.
الحزام المنقذ
تؤكد الإحصاءات التي تجريها إدارات المرور في مختلف أنحاء العالم أن لحزام الأمان دوراً في إنقاذ الكثير من الأرواح. وتعتمد الفكرة الأساسية لحزام الأمان على الحيلولة دون اصطدام السائق أو الراكب بمقود السيارة، أو الاندفاع خارجها خلال الزجاج الأمامي عندما تتوقف السيارة فجأة نتيجة لأي سبب، وذلك لأن جسم الراكب يكسب سرعة السيارة، ولكن ليست له القدرة على التوقف الفجائي، وهذا ما يعرف بمبدأ القصور الذاتي.
وعُرض حزام الأمان لأول مرة في السيارات الأميركية عام 1947م، وفي عام 1967م أصبح الحزام الأمامي إلزامياً، ويحاسب قانونياً من يتهاون في ارتدائه.
ويعدّ حزام الأمان من أهم الوسائل التي تقلل نسبة الوفيات والإصابات في الحوادث المرورية، فقد تبين أن استخدام حزام الأمان يقلل من نسبة الوفاة أثناء الحوادث بما يعادل 50% لركّاب المقعد الأمامي و60% لركّاب المقعد الخلفي.
كما أن ربط حزام الأمان يمنع اندفاع الراكب إلى خارج السيارة في حالة وقوع حادث.
ثلاثة أرباع الركّاب الذين يندفعون خارج السيارة أثناء الحوادث يموتون، وقد تبين أنه مع ربط الحزام فإن إمكانية الاندفاع خارج السيارة هي 1% بينما تتجاوز 20% لدى الذين لم يستخدموا حزام الأمان.
من كوكب آخر
محمد السراي (29 عاماَ)، وهو محام، يرتدي حزام الأمان دائماً، ويواجه تعليقات ساخرة من أصدقائه الذين يركبون معه، ويؤكد عدم قدرته –رغم كل شيء- على الخروج دون ارتدائه، يقول السراي:
-من أهمية حزام الأمان أنه يمنع خروج الركاب من النوافذ المفتوحة لحظة الاصطدام، وعند حدوث أي عارض قوي، قد تشعر بالأذى، لكنه على الأقل يحميك من الموت.
ويعمل السراي على حث أقاربه وأصدقائه على تعويد أنفسهم من أجل حماية أجسادهم ويقول: كأني من كوكب آخر، أتحدث مع نفسي، لا أحد يسمع، حتى أن أغلب شرطة المرور حينما يشاهدونني يبتسمون بوجهي ويضحكون لتصرفي الشاذ عن طبيعة المجتمع!
سامي صباح (33 عاماً)، يعمل سائق أجرة، وقد شاهدنا بوضوح كيف أن سيارته مغلفة مقاعدها بأفضل أنواع الجلود، والتي تخفي أحزمة الأمان الخلفية، سألته لماذا لاتستخدم حزام الأمان؟ أجاب ضاحكاً:
-أي حزام تقصدين؟ هي “خربانة يمعودة”!
صدمني هذا السائق، ولم أجد جواباً. عدت وأنا استقل سيارة أجرة أخرى، باحثة عن حزام أمان لارتدائه، في حين ظلّ سائق السيارة ينظر إليّ باستغراب!