حسن نصر الله يلتحق بقافلة شهداء كربلاء العراق يرفــــض المســـــــاس بمكانــــة المرجعية الدينية العليا

51

وليد التميمي
غاضبة هي بغداد وحزينة، كما هو حال القدس وبيروت ودمشق وكل عواصم العز والمجد في العالم الحر، غاضبة هي حينما يكون الشهيد عظيماً وقائداً بطلاً من أبناء شهيد المحراب أمير المؤمنين علي (ع). هذا الغضب رافقه غضب آخر بعد نشر وسائل إعلام الكيان الصهيوني قائمة أهداف تضمنت صورة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله).

ففي لحظة فاصلة من تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، وبينما كانت الضمائر والعقول والأفئدة شاخصة تتنظر خطابات السيد حسن نصر الله وما تحمله من أبعاد سياسية وعسكرية واجتماعية، زفّت المقاومة الإسلامية في لبنان، متمثلة بحزب الله، يوم الثامن والعشرين من أيلول 2024، خبر استشهاد الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد حسن نصر الله، الذي انتقل إلى جوار ربه شهيداً، ملتحقًا بقافلة شهداء كربلاء النورانية الخالدة في المسيرة الإلهية الإيمانية على خطى الأنبياء والأئمة الشهداء في مواجهة العتاة والقتلة.
وحدة الساحات
لم تُترك غزة وحدها، بل فتحت عملية “طوفان الأقصى” الباب على مصراعيه أمام مقاومي الأمة الأحرار للالتحام بمقاومي فلسطين ومناضليها، فكان أوّل المنضمين إلى المعركة، المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، الذي أعلن رسميًا في 8 تشرين الأول 2023 دخوله معركة طوفان الأقصى كجبهة مساندة لفصائل المقاومة الفلسطينية، عبر استهداف مواقع وتحشدات الاحتلال الصهيوني في الأراضي اللبنانية المحتلة، ثم توسعت العمليات لتشمل المستوطنات الشمالية، ما أدى إلى فرار مئات آلاف المستوطنين، وتكبد الاحتلال خسائر فادحة.
تأثير الجبهة اللبنانية ضمن وحدة الساحات وفعاليتها، دفع الاحتلال إلى شن عدوان موسع على لبنان، طال الجنوب والبقاع والشمال وجبل لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، وبيروت أيضاً، قابله رد عنيف بإطلاق القذائف والصواريخ تجاه عدد من مواقع قوات العدو الصهيوني، ملحقاً خسائر مذلة بها.
لحظة مفصلية
بعد هذه الصدمة المهينة للاحتلال، دفعه جنونه، الى وضع أهداف واهية لحربه، مثل (القضاء على حزب الله)، أو الضغط عليه من أجل فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة. وتبريرا لفشله في مواجهة مقاومة حزب الله عمد الكيان الغاشم الى شن سلسلة غارات على قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، أدت الى استهداف مقر الحزب المركزي ليصدر حزب الله بيانا رسميا نعى فيه أمينه العام السيد حسن نصر الله، وجاء في البيان “سماحة السيد، سيد المقاومة، العبد الصالح، انتقل إلى جوار ربه ورضوانه شهيدًا عظيمًا قائدًا بطلًا مقدامًا شجاعًا حكيمًا مستبصرًا مؤمنًا، ملتحقًا بقافلة شهداء كربلاء النورانية الخالدة في المسيرة الإلهية الإيمانية على خطى الأنبياء.” مضيفا: لقد التحق سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحواً من ثلاثين عاماً، من نصر إلى نصر، مستخلفاً سيد شهداء المقاومة الإسلامية عام 1992 حتى تحرير لبنان 2000 وإلى النصر الإلهي المؤزر في 2006 وسائر معارك الشرف والفداء، وصولاً إلى معركة الإسناد والبطولة دعمًا لفلسطين وغزة والشعب الفلسطيني المظلوم”.
وبارك الحزب في بيانه “لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) نيله أرفع الأوسمة الإلهية، وسام الإمام الحسين عليه السلام، محقّقًا أغلى أمانيه وأسمى مراتب الإيمان والعقيدة الخالصة، شهيدًا على طريق القدس وفلسطين.
وباستشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ورفاقه من القادة البارزين في عدوان الاحتلال على لبنان، أوهم الاحتلال نفسه بأنه حقق نصراً، فباشر في عملية عسكرية جنوبي البلاد، ظناً منه أنّه بذلك سيقضي على المقاومة في لبنان، وسيضغط عليها من أجل فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة. لكن سرعان ما أتاه الجواب من الميدان، بمواصلة التصدي لتوغلات الاحتلال، وتوسيع نطاق نيران الصواريخ، التي وصلت في الذكرى السنوية الأولى للحرب إلى حيفا.
محاولات فاشلة
تسلم الشهيد حسن نصر الله منصب الأمين العام لحزب الله بعد اغتيال السيد عباس الموسوي إثر غارة جوية في 16 شباط 1992، وخلال تلك الفترة، نُفِّذَ العديد من العمليات ضد جيش الكيان الصهيوني، وأجبره على الانسحاب من الأراضي اللبنانية سنة 2000، ونُسب إليه الفضل في تحرير الجنوب من الاحتلال. وفي العام 2006 نَشِبَت حرب تموز التي أدت إلى تدمير أكثر من 70 دبابة ميركافا، ومقتل 121 جنديًا للكيان الصهيوني، ليقر الكيان الغاصب خلالها بالهزيمة العسكرية، في حين أعلن حزب الله النصر.
وخلال العام 1997 جرت محاولة اغتيال لاثنين من قياديي حزب الله كان أحدهما السيد حسن نصر الله، وفي 2006 أعلنت المخابرات اللبنانية عن إلقاء القبض على مجموعة إرهابية كانت تخطط لاغتيال نصر الله خلال توجهه لجلسة الحوار الوطني
وبعد نشوب حرب لبنان 2006، شن الكيان الصهيوني عددا من الغارات استهدفت منزله ومكتبه، إلا أنه لم يصب بأذى منها. وفي العام 2008 ظهرت مزاعم تُفيد بنجاة نصر الله من محاولة تسميمه، فيما خرج نصر الله بعد ذلك في إطلالة أكد فيها عدم صحة المعلومات وأنه بخير، وخلال تلك الفترة ظهرت مزاعم صهيونية كاذبة تحدثت عن استهداف نفق سري يُعتقد أن نصر الله كان في داخله.
حداد وتنديد بالجريمة
وإيماناً بالدور العظيم والشجاعة الكبيرة التي مثلها سماحة الشهيد السيد حسن نصرالله، سيد المقاومة، في مقارعة الاحتلال والعدوان الغاشم لاقى خبر استشهاده ردود أفعال كبيرة تمثلت ببيانات ومواقف صادرة عن لبنان والعراق وسوريا وفلسطين، والمغرب وسلطنة عمان وغيرها.
العراق
تعبيرا عن حزنه والأسى العميق باستشهاد السيد حسن نصر الله، قدم مكتب المرجع الأعلى السيد علي السيستاني التعازي باستشهاد الأمين العام لحزب الله اللبناني، وأكد أن الشهيد الكبير كان انموذجاً قيادياً قلّ نظيره في العقود الأخيرة.
وقال المكتب في بيان: “تلقّينا ببالغ الأسى والأسف نبأ استشهاد العلّامة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله وكوكبة من إخوانه في المقاومة اللبنانية الشريفة وعشرات المدنيين الأبرياء في المجزرة المفجعة التي اقترفها جيش العدو الصهيوني في ضاحية بيروت العزيزة”.
وأضاف “لقد كان الشهيد الكبير انموذجاً قيادياً قلّ نظيره في العقود الأخيرة، وقد قام بدور مميز في الانتصار على الاحتلال الصهيوني بتحرير الأراضي اللبنانية، وساند العراقيين بكل ما تيسر له في تحرير بلادهم من الإرهابيين الدواعش، كما اتخذ مواقف عظيمة في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم حتى دفع حياته الغالية ثمناً لذلك”.
العراق يرفض المساس بالمرجعية
على جانب آخر، أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أن “تجاوز الإعلام الصهيوني على شخص السيد السيستاني يمثل إساءة لمشاعر المسلمين.” مشدداً على ضرورة أن تتدخل الدول الكبرى والمؤسسات والمنظمات الأممية من أجل وقف العدوان المستمر على غزّة ولبنان. ووجوب كف يد الاحتلال عن عمليات القتل والتخريب الممنهجة، والعمل على إنهاء الحرب التي تهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم”.
وأشار خلال استقباله عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي، سيث مولتن، وسفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى العراق ألينا رومانسكي”. الى أن “الكيان الصهيوني قد تمادى في تجاوزاته من خلال الإساءة للرموز والشخصيات الاعتبارية، ومنها تجاوز الإعلام الصهيوني على شخص سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني (دام ظله)، لما يمثله هذا الأمر من إساءة لمشاعر المسلمين حول العالم، بجانب استهدافه المدنيين، وتخريب البنى التحتية في غزة ولبنان”.
فيما أعلنت الحكومة العراقية الحداد العام لمدة ثلاثة أيام حزنا على استشهاد السيد حسن نصر الله.
إيران
وفي إيران، أعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي الحداد خمسة أيام غداة اغتيال الأمين العام لحزب الله”.
وقال السيد خامنئي: “أقدم التعازي باستشهاد نصر الله ورفاقه الشهداء، وأعلن الحداد الوطني لمدة خمسة أيام في إيران”.
فلسطين
فيما وصفت حركة حماس عملية اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. بأنها “عمل إرهابي جبان”. وقالت: “إننا على ثقة ويقين بأن هذه الجريمة وكل جرائم الاحتلال واغتيالاته لن تزيد المقاومة في لبنان وفي فلسطين إلا إصراراً وتصميماً”.
وأشارت إلى أن “هذه الدماء التي سالت على أرض لبنان في معركة إسناد شعبنا ومقاومتنا… ستكون لعنة تطارد هذا العدو الصهيوني”.
من جهته، قدّم الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعازيه لحزب الله باستشهاد أمينه العام السيد حسن نصر الله كما قدم تعازيه الحارة للحكومة اللبنانية والشعب اللبناني الشقيق، باستشهاد الضحايا المدنيين الذين سقطوا نتيجة العدوان الغاشم.
سوريا
كما عدّت سوريا اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، “عدواناً دنيئاً”، وقالت إن “الكيان الصهيوني يؤكد من خلال هذا العدوان الدنيء – مرة أخرى – على سمات الغدر والجبن والإرهاب التي نشأ عليها”، مشيرةً إلى أن “الشعب السوري، لم ينس يوماً مواقف نصر الله الداعمة، الذي يقاتل حزبه منذ عام 2013 بشكل علني إلى جانب القوات الحكومية”.
اليمن
وبعيد إعلان استشهاد السيد نصر الله قالت جماعة أنصار الله الحوثيين إن استشهاد الأمين العام لحزب الله “سيزيد جذوة التضحية وشكيمة الاستمرارية”.
وأضافت الجماعة، التي تواصل إسناد غزة ضمن عمليات في البحر الأحمر وخليج عدن: “ستكون العاقبة المحتومة هي النصر وزوال العدو الإسرائيلي وكيانه المؤقت”. مؤكدة ان “المقاومة لن تُكسر والروح الجهادية للإخوة المجاهدين في لبنان وفي كل جبهات الإسناد ستقوى وستكبر”. فيما أعلنت الحداد 3 أيام على استشهاد نصر الله وتنكيس الأعلام .
عمان
واستنكارا لهذه الجريمة قال مفتي سلطنة عمان، الشيخ أحمد الخليلي: “ساءنا كثيرا نعي الأمين العام لحزب الله، بعدما كان شجىً في حلق المشروع الصهيوني مدةً تزيد على ثلاثة عقود”، داعيا إلى “تثبيت المقـاومة في لبنان وفلسطين، واتحاد المسلمين على كلمة سواء”.
روسيا
ونددت روسيا بقوة على لسان وزارة خارجيتها باغتيال السيد نصر الله، ودعت الكيان الصهيوني إلى وقف الأعمال القتالية في لبنان. مؤكدة ان “هذا الفعل العنيف ينذر بعواقب وخيمة أشد وطأة على لبنان والشرق الأوسط بأكمله”.
أميركا
فيما رفضت السفارة الأميركية في بغداد أي استهداف للمرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي السيستاني، مبينة أن “السيد السيستاني قامة دينية بارزة تحظى باحترام كبير في المجتمع الدولي”.
واشارت الى أن السيد السيستاني يمثل صوتاً حاسماً ومؤثراً في تعزيز منطقة أكثر سلاماً.

تركيا
بدوره، اتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الكيان الصهيوني بارتكاب “إبادة جماعية” في لبنان، وندد بـ “الهجمات الوحشية” التي استهدفت حزب الله وأودت بحياة أمينه العام ومئات المدنيين.
وأكد إردوغان ان “لبنان والشعب اللبناني هما الهدف الجديد لسياسة الإبادة والاحتلال والغزو التي نفذها الكيان الصهيوني منذ 7 (أكتوبر) تشرين الأول، داعياً إلى وقف محاولات الكيان الطائشة لتوسيع الصراع إلى أنحاء المنطقة.
شهادة مباركة
ونعت شخصيات مناضلة وأحزاب وتيارات مؤمنة بقضية فلسطين وقضية الاستقلال ومقاومة الإستعمار الصهيوني، السيد نصرالله، وأكدت مواصلة المسيرة واستكمال المسار والتمسك بالمبادئ ورفع راية المقاومة ضد العدو، معاهدة ايقونة المقاومة على البقاء والوفاء بالوعد والعهد باحتضان ونصرة المقاومة حتى تحقيق اهدافها ضد العدو الصهيوني وتحرير فلسطين، كل فلسطين، مباركة لسماحته رغم الحزن والغصة الظفر بإحدى الحسنيين وهو الذي كان دوماً يتمناها على طريق تحرير فلسطين من الكيان الصهيوني.
وجراء ضربات المقاومة الباسلة حتى لحظة كتابة هذا التقرير، وتَرنُح قوات الاحتلال الصهيوني، أصاب ساستهم وإعلامهم التخبط والسُعار اللذين تجليا بوضوح في نشر ما سمي بـ (قائمة جديدة) لأهداف يتصورون واهمين الوصول إليها واغتيالها، وكان المرجع الأعلى، السيد السيستاني (دام ظله)، من ضمنها، ما أثار موجة من الغضب عند العراقيين وعموم سائر المؤمنين، وهذا ما يشير لحماقة هذا الكيان ومستشاريه حين وضعوا السيد السيستاني، الرجل الذي عرف عالمياً برجل السلام، الذي زاره بابا الفاتيكان ببيته في النجف القديمة، وهو ما يدل على تخبط هذا الكيان وعجزه عن مواجهة المقاومين إلا بعمليات غدر واغتيال.
مقام المرجعية
بدورها، رفضت رئاسة الجمهورية العراقية المساس بمقام المرجعية الدينية العليا، داعيةً المجتمع الدولي إلى التحرك الفاعل وإبداء مواقف عاجلة في رفض أية دعوات للكراهية بين الشعوب. موكدةً سعي العراق إلى تعزيز الجهود من أجل إيقاف العدوان على فلسطين ولبنان. مشددةً على موقفها الثابت والمبدئي من قضية فلسطين العادلة، وحق شعبه في تقرير مصيره وإقامة دولته على كامل ترابه الوطني.
كما رفض رئيس البرلمان العراقي بالوكالة، محسن المندلاوي “أي تطاول على مقام المرجعية الدينية العليا في العراق والعالم، التي كان لها الدور الكبير والأساس طوال مسيرتها في ترسيخ قيم المحبة والتعايش السلمي بين الشعوب، وخلاص دول العالم من براثن التطرف والارهاب والتوحش”. معربا عن إدانته الشديدة لما نشرته وسائل إعلام صهيونية من إساءة لصورة المرجعية الدينية العليا في العراق، مؤكدا أن هذا العمل “يعكس حجم الخبث لهذا الكيان الشيطاني الساعي إلى النيل من مراجع ورموز وقادة الأمة”. معتبراً هذه الإساءة أنها “محاولة لدفع المنطقة إلى حافة صراع ديني، وعلى العالم ردعها”. مبينا أن “ذلك يأتي ضمن سلسلة جرائم الكيان الغاصب ومخططاته الدنيئة في استهداف حرمات المسلمين ومقدساتهم”.
وأكد أن “هذا الكيان العنصري والمسكوت عن جرائمه من غالبية دول العالم، يدفع المنطقة إلى حافة صراع ديني يخدم أجنداته وتوجهاته المتشددة، وأن على العالم ردعه وإيقاف شروره عن شعوب المنطقة”.