حفــلات التخــرج الجامعيــــة من الرّوب الرسمي.. إلى “الردح” العلني!
مجلة الشبكة /
وأنا أتصفحُ مناوشات الفضيحة التعليمية الطاشّة على صفحات السوشيال ميديا، الخاصة بحفلة تعارف طلبة إحدى الكليات الأهلية الـ “فايخة”، حيث تظهر إحدى طالباتها وهي “تردح” مثل غجريات الليل يقابلها “بالهزّ” مجموعة طلبة شباب محترفين برِعاش الرقبة والكتف والكذلة المايلة.
المفارقة، حينما علق شخص، يبدو أنه تدريسي، في هذه الكلية بكلمة (استهتار)، لك أن تتخيل هنا كمية الردود غير المؤدبة لمن يبدو أنهم طلاب وطالبات لهذا الأستاذ بالتحديد، وهو ما يعطي انطباعاً وشبه اتفاق على أن هذا السلوك هو “حرية” و “خل يتونسون”، متهمين الاستاذ الجامعي بالتعصب والعقلية “العنچوقية”، بل إن إحدى الطالبات “المتحررات” اعترضت على قرار الوزارة وموقف الوزير الرافض لهتك الحرم الجامعي باعتبار أنهُ لم يكن وزيراً (كيوتاً) ومنفتحاً –بنظرها- علماً أنني متأكدة من أن الوزير لو اتخذ إجراءً مباشراً بفصل “الدمبكچية” الظاهرين في الفيديو-وهو استحقاق- لشُنتّ عليه هجمة (فيسبوكية) مسعورة من هؤلاء الطلبة الفوضويين، باعتبار أن القانون قيّد حريات الردح والرصانة الأكاديمية!
الطشة دمرت البيوت
“لا غرابة أبداً، إذ أن الأبوين منشغلان بالطشَّة، لذلك لا يمكن وضع سبب واحد لأية ظاهرة اجتماعية غير لائقة، لأن في ذلك تحجيماً مخزياً للمنطق.. طالما أن انفلات الميديا بات لاعباً أساسياً في الأخلاق”..
بهذا التشخيص الممتعض، بدأ طالب الماجستير (مهدي الفريجي) اعتراضه على (الأرضة الميدياوية) التي تنخر في البيوت، قائلاً:
“النت ومنظومة السوشيال ميديا يضعانِ قيماً جديدة، والثقافات تعددت ودخلت المنازل، والحديث طويل، النظام الأبوي هو الذي كان يتحكم في تصدير قيم ورفض أخرى، ولم يكن قبول الناس بها قبولاً ذاتياً (أي القيم والأعراف) وإنما القبول نابع ومفروض ومتعايش معه من قبل النظام الأبوي البطرياركي، لكن مع ما حصل بعد ٢٠٠٣ من دخول النت ومواقع التواصل والحريات والقدرة على السفر، انفرط جزء من عقد هذا النظام الأبوي، لذلك انهارت القيم المحكومة سابقاً من هذا النظام.”
فوضى تسعينية ممتدة
تراتب الفوضى والفكرة العابثة التي تأسست منذ أيام التسعينيات، حين تخلخلت المكانة التعليمية، لكن بفارق عدم وجود الكاميرا الموثقة والموديل العبثي، الذي استذكره لنا الدكتور في الهندسة (وسام جبار).. بشواهد الإثبات:
“كنت طالباً في الكلية بسنوات التسعينيات التي تخرجت فيها أيضاً وقت الحصار.. من الصف الأول كلية كانت حفلات التخرج مشابهة لما يحدث الآن، الفرق هو دخول أجهزة الصوت المتطورة، وسابقا كانت بدلاً عنها فرق موسيقية (المزيقة). إذن القضية متراتبة حتى من الأجيال قبلنا. كان لدينا دكتور خريج بداية السبعينيات يحدثنا باستمرار عن حفلات التخرج وكيف أفهم استعانوا بتابوت وهي (خدعة تشييع) وكيف انقطعت الطرق، الخلط هنا هو بين أنواع الحفلات ونوعيتها، لكن الفكرة واحدة تبدأ من حفلة التعارف في نادي الجامعة وكل مرحلة أو شعبة بدون موسيقى، حتى يوم التقاط صورة التخرج بحفلة بسيطة يتخللها التصفيق والهتافات الشبابية فقط، أما حفلة التخرج، وهي احتفالية يقوم بيها طلاب ويتخللها الرقص وأغاني الـ Dj والحفلة الرسمية بروب التخرج بحضور عائلات الخريجين بدون رقص، بل هو احتفال رسمي بحضور الوزير ورئيس الجامعة، بعد نهاية التسعينيات أصبحت الحفلات من نوع آخر (يوم الجامعة، سلامة الأستاذ، يوم تحرير الفاو.. عيد ميلاد الريس …الخ ) حيث يستغلها الطلاب للتخلص من أيام الدراسة لتتحول إلى حفلات جماعية، أما بعد 2003، ولاسيما بعد 2010 (استقرار أمني نسبي) فقد دخلت حفلات من نوع آخر ثم جرى منعها (الحفلة التنكرية)..أصبح هناك خلط بين أخذ الصورة الجماعية والحفلة ودخول الفرق الموسيقية أو بالأصح المطربين أو (DJ عيوش) باعتباره أشهر منظم حفلات في بغداد، أصبح لدينا خلط بين تنظيم الحفلات والهرج والمرج.”
منع صارم وفوري
مقطع الفيديو الفاضح الذي انتشر لحفل طلابي راقص بمجون في كلية أهلية ببغداد، وبعد إثارته لانتقادات بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أصدر على إثره السيد وزير التعليم العالي (د.نعيم العبودي).. بياناً عاجلاً وصارماً حمّل فيه رؤساء الجامعات وعمداء الكليات المسؤولية عن أية مخالفة تسيء إلى سمعة الحرم الجامعي.
من جانبه، عميد كلية القانون والعلوم السياسية (أ.م.د.محمد حميد عبد) عقّب لنا في حوار مسبق حول المبالغة في حفلات التخرج بالآونة الاخيرة وما يرافقها من مظاهر خارجه عن العرف المهنيّ، قائلاً:
“هنالك إعمام منهجي من الوزارة بضرورة ان تكون الحفلات ضمن تقنين منهجي لا يشتمل على فقرات تخل بالذوق العام وتسيء الى الجامعة ومكانتها، ففي قانون الخدمة الجامعية لدينا تأكيد على الاهتمام بحفلات التخرج ورصانتها من خلال منهجها في استعراض سيرة الطالب خلال سنوات الدراسة ودور الأساتذة وكيف وصل الى هذه المرحلة، وما الذي حصل عليه، اضافة الى مستواه الثقافي، وما اكتسبهُ من خبرات، لكن مع ذلك لاحظنا –للأسف- بعض المظاهر بدأت تطفو على الواقع ومواقع السوشيال ميديا في حفلات التخرج (التهريجية)، وهي مرفوضة تماماً، علماً أن ما نراهُ من فوضى في حفلات التخرج لا وجود له في الجامعات الرسمية، ليس في درجة ضبط مئة بالمئة، لكنها غالباً محافظة على عرفها المهني، بيد أن الامر موجود ومنفلت في بعض الكليات الأهلية، وأنا أدعوهم وآمل أن يعيدوا النظر بهذه التصرفات لأن فيها إساءة للطالب نفسه وللكوادر التدريسية.”