حكايات عن طقوس رمضان في النجف الأشرف والكوفة

158

صادق العزاوي /

يتميز شهر رمضان المبارك بنكهة إيمانية وعبير الخير والبركة، لأن في هذا الشهر إشراقات خاصة يمارسها أهالي المحافظة قبل عشرات السنين، حيث يترجم الناس بعضاً من عاداتهم وتقاليدهم الى عمل حيوي وممارسة فعلية وطقوس جميلة مازالت عالقة في أذهاننا ونتمنى أن تعود لأن فيها بساطة ومسحة فطرية رائعة، لكن –للأسف- انقرض الكثير من هذه التقاليد والعادات.
رمضان، هذا الشهر الفضيل الذي وقعت فيه أحداث كثيرة، من أهمها نزول القرآن الكريم على الرسول الأعظم محمد (ص)، ومعركة بدر، واستشهاد الإمام على بن أبي طالب (ع)..
هلال رمضان
ولتسليط الضوء أكثر نلتقي الكاتب والإعلامي (مزهر الخالدي) الذي تحدث قائلاً:
قبل أن يبزغ هلال رمضان، يبدأ الناس، رغم فقر بعضهم، بشراء المواد الخاصة بهذا الشهر الفضيل، ومنها: العدس والماش والتمن العنبر والزيوت والطرشانة والخل والدبس لعمل شراب السكنجبيل الذي يخفف وطأة العطش عند الصائم، وكذلك بعض المواد التي تعد منها الأكلات النجفية كـ (الفسنجون)، التي تتكون من الدجاج وحب الرمان والراشي، ولب الجوز.
وفي ليلة مراقبة الهلال يصعدون على الربوات العالية لرؤية الهلال انطلاقاً من الآية الكريمة (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، ورغم ذلك ينتظرون رأي المرجع الديني وما يقرره.. بعدها يبدأ التهليل والترحيب مرددين بمكبرات الصوت من الجوامع والمساجد (مرحباً مرحباً شهر رمضان شهر الطاعة والغفران)، وفي الليل يبدأون بقراءة دعاء الافتتاح والقرآن الكريم، وفي منتصفه يردد من في الجوامع ( اشرب الماي وعجّل) قبل أن يأتي الصباح، ثم يليه الإمساك: إمساك، إمساك، إمساك..
الماجينة وعادات رمضان
يستمر مزهر الخالدي في حديثه قائلاً: وفي أول يوم منه وقبيل أذان المغرب تبدأ حركة (الصواني) التي تفوح بالعطر والروائح الجميلة من التمن العنبر واللوز والجوز والهيل واللحوم والشوربة بأنواعها ( شوربة العدس، شوربة الماش والسلق، والشوربة أم الكبة)، وبالأكلات الطيبة التي توزع في الشوارع على الفقراء والمحتاجين والجيران والأصدقاء، وهنالك عادات مازالت باقيه نوعاً ما ومنها طقس (الماجينة)، الذي يمارس في الأيام ١3،١4،١5من رمضان حين يقوم الأطفال على شكل مجموعات بطرق الأبواب بعد الإفطار مرددين (ماجينة ياماجينة حلي الچيس وانطينيه، الله ايخلي الزغيرون آمين). والماجينة هي عباره عن (ملبّس) وزبيب وحلقوم وزلابية وبعض النقود (الخردة) ابتهاجاً بميلاد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) الذي يصادف في يوم ١٥ رمضان.
كذلك تقام جلسات وسهرات رمضانية رائعة في بعض البيوتات النجفية والكوفية، تتناول الشعر والقصة والأدب والمطاردات الشعرية، فيما يهيئ صاحب البيت الشاي والحامض والسكنجبيل والزلابية وبعض الحلويات التي تعد داخل البيوت، كـ (المحلبي) وحلاوة الحنطة والحلاوة الشعرية والدهين، وتستمر السهرة حتى يأتي (أبو الدمام المسحرچي) الذي يوقظ الناس للسحور.
في ليالي الشتاء، يأكل الناس في السحور أكلة (الخوشابة) المكونة من (الدهن الحر والروبة)، أما في الصيف، فإن أكثر الناس يذهبون إلى شط الكوفة للسباحة، وذلك للتخفيف من شدة الحر لعدم وجود مبردات ووسائل تبريد وقلة الثلج، الذي كانت بعض العوائل تشتريه وتضعه في ثلاجة مصنوعة من الخشب فيها خزان ماء صغير من الصفيح . وتستمر الموروثات الشعبية مثل لعبة المحيبس والمجالس الحسينية التي كان يشار إليها بالبنان آنذاك، إذ يعد شهر رمضان (الضيف العزيز) لأنه شهر الله، فكل الناس ينفقون فيه كي يتقربوا إلى الله.
جرح الإمام علي (ع)
أما من الناحية الدينية فهنالك استعدادات لاستقبال ليلة التاسع عشر من رمضان لاستذكار مناسبة جرح الإمام علي( ع) على يد المجرم عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وتسمى ليلة (الطبرة)، حيث تقام في مسجد الكوفة وبيت الإمام علي مراسم تمثيل ومجالس عزاء للنساء والرجال، ويحضر التجمع في المسجد آلاف البشر الذين يتوافدون على المحراب من المحافظات المجاورة، تليها ليلة العشرين وتسمى(المشتهاية)، إذ تعد غالبية العائلات التمن والماش و(الروبة) تقليداً لرواية أن في هذه اللية اشتهى الإمام علي (عليه السلام) هذه الأكلة، وفي نفس الليلة تقام مراسم وفاة الإمام (ع) وتوزيع الطعام ثواباً. أما ليله الحادي والعشرين فهي ليلة القدر ويحييها الناس، إما في مرقد الإمام علي (ع) او في مسجد الكوفة او مسجد السهلة حتى أذان الفجر.
تعد ليلة العيد اسماً على مسمى، إذ ينتظرها الناس بفارغ الصبر، ولاسيما الأطفال، فكل منهم يضع ملابسه تحت رأسه كي يلبسها يوم العيد، وفي أول أيامه تبدأ مراسم العيد للأطفال والكبار، وذلك بلبس الجديد وإجراء الزيارات للعائلات، وعلى صاحب العائلة أن يحضر (الخردة) لتوزيع العيدية، التي لا تقتصر على الأطفال، فللشباب والبنات حصصهم أيضاً. وفي يوم العيد هنالك (هوسة) جميلة يرددها الشباب (اجه العيد ونعيد، وناكل مرگة سعيد، وسعيد گرابتنه، نذبحله دجاجتنه، دجاجتنه البياضة)، ويذهب الناس لمعايدة شيخ العشيرة الذي عليه لزاماً تقديم (الكليچة)، وتسمى في الريف (الكاكول) والشاى صباحاً، وذبح الذبائح لعمل غداء فاخر للضيوف المهنئين وأفراد العشيرة، وتطلق العيارات النارية وتقام الأهازيج والدبكات والهوسات التي تمجد شيخ العشيرة والوطن.
يقول الدكتور (حمودي جلاب السعدي)، وهو باحث ومؤرخ: لم تختلف طقوس رمضان عن السنوات السابقة إلا في تفاصيل العادات التي غيبتها الحضارة، لكنها لم تغير شيئاً من المضمون، فقبل رمضان كان الناس يترقبون هلال الشهر ويتباركون فيه، وتقدم الأيدي السخية العون والمساعدة للفقراء والمعوزين، ليبدأ يوم رمضان بضرب الطبول، وتلك مجموعة من الشباب تأخذ على عاتقها إيقاظ الناس للسحور، وينتظر الصائم صوت المؤذن (اشرب الماء وعجّل)، وكان أهم مؤذن آنذلك هو المرحوم (سيد جاسم) مؤذن مقام النبي يونس ومؤمن جامع الكوفة… وعند الفطور ينتظر الصائمون نداء الله بأذان المغرب ليسرعوا بشرب الماء وتناول بعض حبات التمر، ثم يؤدون الصلاة وإحضار الطعام للجيران برغم علمهم بأنهم قد لا يحتاجونها….
وفي الليل يبدأ الصائمون بتلاوة القرآن وختمه في هذه الليالي وإهدائه إلى موتاهم، ويذهب أكثرهم إلى مسجد الكوفة للصلاة وقراءة القرآن، كما تقام في ليالي رمضان المجالس التي تستقطب الصائمين، حيث توزع الحلويات (الزلابية والبقلاوة)، وفي ليلة التاسع عشر منه تقام المآتم بمناسبة جرح الإمام علي (ع) التي تستمر حتى نهاية ليلة الواحد والعشرين منه يوم استشهاد الإمام. .
كذلك كانت مجموعة من المؤمنين تقوم بإحضار الحطب واشعاله على قبر (ابن ملجم) طيلة الأيام الثلاثة.