حلوى من السما.. فاكهة الطبيعة ذات المذاق الفريد

133

أربيل / ضحى مجيد سعيد/
يتجول المصطافون في قيصرية أسواق قلعة أربيل وهم يتبضعون الهدايا من المكسرات والحلويات والأكسسوارات، ولعل أبرز ما يُقبلون على شرائه هو حلوى (من السما). وهذا الإقبال ليس حديثاً، بل إنه يمتد الى زمن بعيد، إذ إن هذه الحلوى منتج محلي مشهور، بالإضافة إلى أن مكوناتها تستخرج من الطبيعة.

يقول (سوران حمه أمين – صاحب محل في قلعة أربيل – البالغ من العمر 50 عاماً): “حلوى من السما تصنع من المادة الخام التي تُجمع من على أوراق وأغصان الشجر في الجبال الممتدة مع إيران قرب مدينة السليمانية، وتحديداً منطقة بنجوين، ولا توجد معلومات دقيقة عن تأريخ نشأة هذه الحلوى، لكنها جاءت في كتب قديمة تشير الى أنها تعود الى عقود قبل الميلاد.”
وأضاف: “يُرجح أنها الوحيدة في العالم، التي تنزل من السماء على الأرض الواقعة قرب السليمانية. هذه المعلومات والمعطيات كانت من الأسباب التي جعلت من حلوى من السما منتجاً وطنياً. وتمتاز مدينة السليمانية عن المدن العراقية الأخرى بكونها تشتهر بصناعة هذه الحلوى، وتجارتها اليوم تتربع على عرش أسواق الحلويات والمكسرات في سوق القيصرية وسط أربيل وخارجها.”
منتج مفضل
تشير المصادرُ إلى أن كمية المبيعات السنوية لحلوى من السما تصل إلى عشرات الأطنان، كونها مادة خالصة وتتمتع بمذاق فريد، وربما هذا كان السبب الذي جعلها الأفضل في الأسواق، إذ إنها تلاقي إقبالاً واسعاً من قبل السياح.
وللتعرف أكثر على (المن والسلوى) التقينا السيد (جعفر حسن السيد- يعمل في مصنع حلوى المن والسلوى – يبلغ من العمر 56 عاماً) الذي قال إن “هذه الحلوى من إنتاج الطبيعة، تنزل مادتها مثل المطر على الأشجار والأغصان، ولاسيما شجر البلوط والمازو، مثل الدقيق أو الطحين، وتحديداً في مدينة بنجوين قرب محافظة السليمانية. لذلك فإن المدينة هي الأشهر في صناعة حلوى من السما العراقية. هذه المادة الخام تكون على شكل كتل متحجرة نُكسّرها حتى تُصبح تراباً، وعادة يكون طعمها مُراً، بالإضافة إلى ذلك هي مادة صمغيه لزجة تميلُ إلى اللون الأخضر قبل تصنيعها، وهذه هي المادة الأساسية في صناعة حلوى من السما.” مشيراً إلى أن هنالك خطوات وجُهد يُبذل لمعالجتها وتحويلها إلى حلوى لذيذة جداً. ويكمل السيد: “نقوم بشراء المادة الخام بعد أن يجمعها الفلاحون من على الشجر على شكل كتل تزن مابين 4 إلى 10 كيلوغرامات.”
وفي سؤال عن المدة التي تستغرقها صناعة هذه الحلوى أجاب السيد جعفر: “تستغرق أياماً، لكي تكتمل مراحل صناعتها، بعد إضافة المكونات الأساسية لعمل من السما، التي تتضمن المن والمكسرات والنكهات حسب الأذواق.”
وأردف قائلاً: “انفرد العراقيون بصناعتها منذ عقود بسبب اقتصار هذه المادة الطبيعية الخام وإحدى المكونات الأساسية لهذه الحلوى على مدينة السليمانية، علماً بأن صناعة هذه الحلوى في الماضي كانت تتخللها صعوبات إلى حد ما، لكن اليوم وبفعل المصانع الحديث باتت عملية صنعها أكثر سهولة قياساً بما كانت سابقاً.”
تصفية وتنقية
أما بخصوص الخطوات الفعلية لصناعتها فقد أجاب السيد أن “أولى خطوات تصنيع حلوى المن تبدأ بغربلة وتصفية المادة الخام من الشوائب، وذلك بعد وضعها يوماً كاملاً في الماء من أجل تنقيتها، لتتحول بعد ذلك إلى مادة سائلة (شيرة كما يطلق عليها)، وبعدها تأتي عملية غلي المادة في قدرٍ كبير لفصل الشوائب، وتستغرق هذه المرحلة نحو ثماني ساعات إلى أن يخسر السائل نصف كميته ويتحول إلى حلو المذاق بصورة طبيعية دون إضافة أي سكر، وهذا ما يُميز المادة الخام الأصلية عن غيرها، ثم تجري بعد ذلك عملية تبييض المادة بواسطة بياض البيض، وهي عملية طبخ سائل الحلوى لمدة ثلاث ساعات تليها إضافة المكسرات من جوز ولوز ولب الفستق لإعطائها مذاقاً لذيذً، فضلاً عن إضافة نكهات ومواد أخرى، كالهيل أو ماء الورد، لإضفاء طعم مميز وحسب الأذواق، وقد يختلف طعم الحلوى من معمل إلى آخر، لكن في النهاية فإن المادة الأساسية هي ربانية طبيعية.”
وعن الكمية التي يتم طهوها أو غليها في كل مرة أضاف السيد: “يجري طهو ما يقارب الخمسين إلى ستين كيلو غراماً من الحلوى، أما بالنسبة للب الفستق المضاف إليها فإنه يقارب الأربعين كيلو غراماً، وبهذه الخطوة نصل إلى المرحلة النهائية، وهذا الخليط يترك يوماً أو يومين ثم يُقطع وفق الأشكال المطلوبة، وبعدها توضع كميات من الدقيق كعازل يحول دون التصاق الحلوى بعضها ببعض، وتجري لاحقاً تعبئتها في علب خشبية مع الطحين للحفاظ عليها من الرطوبة والتعفن.