حوار مع الأطفال والأهل يفتح باباً للأمل والكتب
#خليك_بالبيت
رجاء الشجيري /
الطفل، وقد غزاه غول التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية دون أي تمهيد، بدأ يفقد رغبته بالقراءة والمعرفة الكتبية، بل إنه انعزل عن الجميع في توحش مع عالم افتراضي وفّر له كل ما ينمّي خياله وشغفه وتطلعاته، فما هو دور الأهل في عزلتهم وانقيادهم هذا؟ وما طرق النجاة باستعادة حب القراءة والتعلم سواء في الكتب المنهجية أو الخارجية لتنمية مهاراتهم وعقليتهم دون الاعتماد كلياً على حواسيبهم وأجهزتهم الإلكترونية؟ أسئلة تطرحها “الشبكة” في اشتباك لم يسلم منه أحد…
الطفل وهيكَلَة خياله..
في الوقت الذي أكدت فيه الدراسات على أهمية التبكير في تثقيف وإثراء خبرات الأطفال بالكتب والقصص قبل المرحلة الابتدائية، كي يكون استعدادهم للتعلم والقراءة والكتابة أفضل، فإنه بالمقابل يشير تقرير لليونسكو إلى أن معدل قراءة الأطفال في العالم العربي خارج المنهاج الدراسي 6% في السنة، فيما يقرأ كل عشرين طفلاً عربياً كتاباً واحداً سنوياً. وهو مؤشر خطير.
يقول دكتور حميد يونس، اختصاص علم نفس، عند سؤاله عن إشكالية أزمة ابتعاد الأطفال عن الكتب نحو أجهزتهم الإلكترونية: كتبت ذات يومٍ عن تحول دماغ الطفل من الدماغ الخلاق المنفتح للخيال والتخيل إلى دماغ منظم يعشق التكرار والهيكلة، كما ذكر عن ذلك طبيب التوحد دكتور سيمون كوهين إذ يقول: إن الطفل المعاصر يمتاز بذاتية التنظيم computarized brain، أي أنه لا يحاول التفكير بطريقة تختلف عن الحواسيب، هكذا تراه ينجذب أكثر للتكنولوجيا منه إلى الكتب والمجلات كما كنا في سابق الأيام.
ويضيف الشاعر وصاحب (مكتبة مصابيح) لكتاب الطفل قاسم سعودي: مسكين هو الطفل العربي الذي عاش ويعيش زمن القفزات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، ولاسيما الطفل العراقي ومجموعة الظروف المحيطة به، بسبب قفزة التكنلوجيا والنظم المعلوماتية والتكنلوجية التي دخلت إلى حياتنا مثل الهواء فأصبح الفرد لا يستطيع التخلى عنها سواء أكان كبيراً أم صغيراً. وبالتأكيد فإن المسافات الإبداعية الحرة التي توفرها التقنيات الحديثة تمثل عنصر جذب كبير للأطفال وتجعلهم يميلون شيئاً فشيئاً إلى العزلة والتطرف الفردي وغيرهما من أمراض العولمة النفسية، إضافة إلى ما توفره من عناصر المتعة والتشويق. فنحن في منشورات (مصابيح) لكتاب الطفل، في بغداد شارع المتنبي، نسمي الطفل روح الأرض، لأن الطفل هو مفتاح قلب العالم وقارب الأمل الوحيد رغم قسوة هذا الكوكب. لذلك نعمل جاهدين لإنتاج الحكايات التي تجعل الطفل فخوراً بنفسه ومحباً لعائلته ومجتمعه. قد نفشل في ذلك وقد ننجح، المهم هي المحاولة لتقديم بعض الفاكهة السردية المناسبة لهذه الأوقات الحرجة والغامضة التي تثقل جسد العائلة والفرد والمجتمع في كل مكان في العالم.
آراء الأطفال وذويهم
(رؤيا لبيد – أربع سنوات) كانت البداية معها ومع صدمة جوابها الذي يؤشر الكثير.. فعند سؤالنا لها: لو أعطيناك مجلة أطفال أو تابلتاً فماذا ستختارين؟ قالت: “وماذا تعني مجلة!!؟” وبعد شرح معنى المجلة ومحتوياتها برسومها وألوانها وقصصها اختارت وبفرحة وإصرار: “نعم إذن سأختار المجلة وبعدها آخذ التابلت…”
(غسق فاضل)، والدة كل من ملاك ٨ سنوات ويوسف ٦ سنوات، أكدت طواعية واستعداد البنات للقراءة والتوازن أكثر من الصبيان. تقول: مع ملاك لا أعاني أبداً، بل بالعكس، فهي بدأت تتعلم العزف والرسم وأكملت قراءة سلسلة (أروع المغامرات) ومجموعة قصص أطفال إنكليزية، كذلك جلبت لها كتاب (كليلة ودمنة) لتقرأه وبعدها تخصص لها وقتاً للاندماج مع جهازها الخاص، أما يوسف فالأمر معه أصعب بكثير، إذ أن لعبة (البوبجي) مسيطرة عليه، لكنني مع والده بدأنا بخلق بيئة بديلة مقنعة لسحبه من الألعاب تدريجياً فبدأ بقراءة قصص أطفال مع هدايا وثواب عند إكمالها تشجيعاً له…
(زينب هيثم الزبيدي – ١٣ سنة) تقول: أنا أعمل موازنة بينهما، إذ أحتاج كليهما، فمثلاً شغفي بقراءة الروايات العالمية وكتب الشعر جعلتني أوظف التكنولوجيا في تعلم اللغة الإنجليزية والفرنسية ودخول دورات لأضبط اللغة، فحالياً مثلاً أقرأ كتاب
American File: Oxford Books level 1 أما والد زينب، الدكتور هيثم، فقد تحدث عن أهمية دور الأهل في انتشال الأولاد من التوحش التكنلوجي وعزلتهم تماماً معه، ذاكراً أنه يخرج ابنه من هذا الاستمرار بمساعدته في أعمال حديقة المنزل أو القراءة أو حتى بعد ذلك حفظ أبيات من الشعر عن طريق حاسوبه مقابل تشجيع ومكافأة، وهكذا يجب عدم استسهال الأهل لانعزال أولادهم الخطير هذا وكسره والتحكم به شيئاً فشيئاً.
(أحمد منير- ١٤ سنة) يعترف بتعلقه بالمجال الإلكتروني، لكنه يصرح بالكتب التي تجذبه أيضاً: الكتب التي تجذبني وأحبها هي كتب (The digital photography أو فن التصوير الرقمي) لأنّها تتعلق بالمجال الذي أحبه، أو كتب القصص، فلو أعطيتني كتاباً لا أحبه لن أقرأه وسألجأ إلى عالمي الإلكتروني.
مضيفاً: من وجهة نظري يجب على الإنسان أن يقرأ عدداً جيداً من الكتب من أجل أن يتوسّع في المجال الذي يقرأ عنه حتى لو كان يحب التكنلوجيا والألعاب الإلكترونية مثلي..
فيما يذكر والده منير عبد الملك: مهما كان انشغال ومسؤوليات الوالدين فالأمر يعود لهما وما يوفرانه من أجواء الولع والشغف والاهتمام بالكتب..
فيما يقول (يزن وليد – ١٣ سنة) “إن الأمر بالنسبة لي نصف هنا ونصف هناك، فأنا أحب قراءة الكتب كرواية ما أو قصة فيلم أو قصص الأنبياء، كتب الحروب القديمة وكيف كان يعيش الإنسان القديم، لكني لا أحب كتب التاريخ..” فيما تردف أخته (طيب) بالقول فتذكر: “الكتب عبارة عن أوراق تحمل معاني خلابة، لكن في مجتمعنا انتشرت الإلكترونيات التي أدت إلى انشغال الناس والأطفال بها.”
لكن هل ابتعدنا عنها تماماً؟
لو كان هذا صحيحاً لما كانت هناك مكتبات…