حينما يُختزل انتماؤك للوطن ببطاقة سكن!

1٬625

إيفان حكمت /

بطاقة سكن ومجموعة أوراق أخرى يطلق عليها (مستمسكات) تحدد انتماء المواطن وجذوره، ونساء أمهات يكافحن لأجل فلذات أكبادهن أمام إهمال بعض الآباء ممن لا يستفز دواخلهم الشعور بمسؤولية ضمان مستقبل اولادهم فيعمدون الى عدم منحنهن الوثائق الرسمية او بعضها لما يثبت انتماء الأولاد لوطنهم.

في مدينة (آخن) الالمانية، حيث يقيم كلاجئ، تقدم العراقي محمد جواد للزواج من حبيبته اللبنانية المقيمة في ذات المدينة، ولإتمام معاملة الزواج رسميا، طلبت سلطات الولاية صور قيد الخطيب والخطيبة للتأكد من أن أيا منهما لم يكن متزوجا في بلده الأم.

الحاج جواد محسن المضني أمضى رحلة طويلة ومعقدة في الحصول على صورة قيد لابنه.

يشرح الحاج جواد تلك الرحلة الطويلة لـ”الشبكة” ويقول: “طلب ضابط دائرة الأحوال المدنية الأوراق التي تثبت انني أبو محمد مع المستمسكات الأربعة لي ولابني وكذلك وكالة من ابني تخولني طلب صورة قيد باسمه، لم أكن أملك وكالة من ابني، كما ان بطاقة سكني مفقودة وامتلك نسخة مصورة عنها”. يضيف الحاج جواد: “ضابط دائرة الأحوال المدنية نظر الى حالي بعطف حيث اني رجل مسن وأسير على عكاز، أخبرني انه سيسهل أمري، لكن عليّ أن أقنع شؤون الجنسية في منطقة السنك بحالتي، وفعلا بدأ مشوار المعاناة، حيث لم توافق موظفة في شؤون الجنسية على اعتماد النسخة المصورة من بطاقة السكن، إضافة الى المطالبة بتوكيل رسمي من ابني، المشكلة الأكبر هي في صعوبة صعودي ونزولي متنقلا من قسم لآخر، في اليوم التالي ذهبت لاستخراج بدل ضائع عن بطاقة السكن المفقودة، وهنا أيضا كانت الطلبات التي لا تنتهي، تأييد المختار المؤيد من المجلس البلدي والمجلس المحلي وصور شخصية، وحين أبديت اعتراضي على اعتبار ان هذه الأوراق موجودة في ملفي الخاص ببطاقة السكن، اعتذر الضابط المختص مني قائلا انها التعليمات ونحن لا نستطيع تجاوزها، في اليوم التالي وتحت ضغط ابني الذي اخبرني ان اوراق خطيبته وصلت من لبنان في اليوم التالي من مطالبة البلدية الالمانية بها، عدت الى دائرة شؤون الجنسية وقابلت الضابط المسؤول، وجزاه الله خيرا تفهم حالتي وطلب من الموظفة المختصة تسهيل معاملتي التي انتقلت من الموظفة الى الملفات ثم الى الترجمة والطابعة وبعدها الصادرة لتحول الى تصديقات الداخلية وهي دائرة أخرى في منطقة زيونة، مهمتها ختم الأوراق ومن ثم مطالبة المراجع بنسخها في مكتب خارجي واعادة المستنسخ وتسليم المعاملة الى المراجع”. ويختتم الحاج جواد حديثه لـ”الشبكة” بالقول:”ماذا لو كانت هذه الدوائر الثلاثة التابعة لوزارة الداخلية في مبنى واحد من أجل راحة المواطن وراحة عكازي..أيضا.”

لا عزاء للمطلقات

حالات تعثر معاملات المواطنين بسبب تعدد المستمسكات المطلوبة من قبل الدوائر والمؤسسات الحكومية تكاد تكون ظاهرة يعاني منها أي عراقي يروم مراجعة تلك الدوائر لأي أمر يعنيه.

خنساء فارس، موظفة مطلقة وأم لثلاث بنات، تشرح معاناتها لـ”الشبكة” بمرارة، وتقول، “ابنتي البكر بلغت سن الدخول الدراسة الابتدائية، وفرحت كثيرا حين طرقت احدى المعلمات باب داري متسائلة ان كان فيها اطفال من المواليد الذين سيسجلون في المدرسة، وحين راجعت المدرسة المعنية طلبت مني بطاقة السكن، ولانني أعيش مع والدي فقد قدمت بطاقة سكنه، لكن مديرة المدرسة رفضتها مطالبة ببطاقة سكن والد الطفلة، ولأننا مطلقان وبهدف إذلالي، رفض الاب إعطائي بطاقة السكن لتسجيل ابنتي في المدرسة، تدخل الكثيرون من معارفنا لإقناعه، لكنه رفض وبشدة، وخيرني بين الرجوع اليه أو ضياع مستقبل بناتي، راجعت مختار المحلة، وحاول هو الآخر مع طليقي دون جدوى، عندها تعاطف معي الرجل وزودني بتأييد سكن صدقته من المجلس البلدي وأعتمد من قبل المدرسة بشكل مؤقت لحين جلب بطاقة السكن.” تضيف خنساء انها راجعت دائرة الجوازات لاستصدار جوازات لها ولبناتها، “لكن الدائرة رفضت اصدار جوازات لبناتي الا في حال حضور وموافقة الاب، ولك ان تتصوري كيف سيكون موقفه الآن بناء على موقفه من بطاقة السكن”، وتؤكد خنساء، ان “القوانين المعمول بها ذكورية بامتياز ولا عزاء للمطلقات.”

وطن في بطاقة سكن!

قضية (سيف علي) تفند رواية خنساء، وتؤكد ان المعاناة مشتركة ولا تقتصر على النساء أو المطلقات منهن حصرا. يقول سيف إن أباه مفقود وان أمه هاجرت العراق منذ سنين، وانه يعيش لوحده. ويضيف سيف، في حديثه لـ”الشبكة”، انه “راجع دائرة الجوازات للحصول على جواز السفر، واصطدم طلبه بعدم حصوله على بطاقة سكن، وحين مراجعته للدوائر المختصة باصدار بطاقات السكن في منطقته فوجئ بانه لا يمتلك حق الحصول على تلك البطاقة وان هذا الحق للاب أو الأم على وجه التحديد طالما كان غير متزوج، ويؤكد سيف انه يمتلك منزلا قدم أوراق ملكيته الى تلك الدوائر، ولكن دون جدوى، فترك أمر الجواز الى أجل غير مسمى”. لكن مشكلة سيف تمتد الى مفاصل أخرى من حياته، وهذه المرة وصلت الى مصدر رزقه، يقول سيف، بحسرة، انه “قدم طلبا للحصول على قرض من مصرف الرافدين لتحسين تجارته بضمان الدار التي يملكها، لكنه اصطدم مجددا بعدم حصوله على بطاقة السكن التي أصبحت كابوسا وعثرة في طريقه”، عديدون نصحوا سيف بالحصول على تلك البطاقة من سوق مريدي، لكنه رفض وبشدة، لكونه يسكن في دار ملكه، وحقه الطبيعي ان يحصل على بطاقة تؤكد سكنه في تلك الدار، وبدلا من ذلك يفكر سيف جديا بالزواج رغما عنه، بالرغم من ان هذا الموضوع غير مدرج على خطط سيف الحياتية، وهنا ثمة مشكلة أخرى، فسيف يفكر بمغادرة العراق بمجرد حصوله على جواز السفر، لأن “وطنا يختزل في بطاقة سكن لا يستحق العيش فيه” على حد تعبيره.