حين يصبح الهاتف محور حياة

1٬052

تعتمد الشعوب في ذاكرتها الجمعية على أحداث بارزة او اختراعات صنعت فارقاً في عاداتها او أحدثت تغيراً مميزاً،

تخيل معي أن السومريين لم يخترعوا الكتابة.. كيف كنت ستقرأ مقالي هذا؟

او أنهم لم يجدوا العجلة.. كيف كنت ستصل لعملك اليوم في السيارة التي تسير على أربع عجلات!؟

تخيل أن البابليين لم يكتشفوا نظام العد الستيني، كيف كنت ستحصي راتبك الشهري؟

تخيل أن التقويم لم يجده الرومان ويجعلوا من ميلاد المسيح علامة فارقة لعد أعوام الحيوات على الأرض، كيف كنت ستحصي عدد أعوام عمرك وعمر ابنك؟

تخيل أننا بلا تقويم هجري، كيف كنت تعرف الأعياد وأيام رمضان؟

تخيل العالم بلا مصباح، كهرباء، بنزين، ثلاجة، تلفاز!!!

لكن هل يسعك أن تتخيل العالم بلا هاتفك المحمول؟؟

تهافت البشر على الجديد

شهد القرن العشرون أكبر وأضخم اختراعات غيرت وجه البشرية، وتعد الشبكة العنكبوتية أحد أهم وأضخم الاختراعات التي أحدثت ثورة في التغيرات في كل مفصل من مفاصل يوميات الشعوب، فاليوم توجد العديد من الدول التي تعتمد الاعتماد الكلي على هذه الشبكة في تسيير معاملات الأفراد وحمايتهم كذلك، فعلى سبيل المثال، الفرد الاسكندنافي لا يحمل مالاً في جيبه ويستعيض عنه ببطاقة الكترونية يدفع من خلالها للباص اينما يذهب وللمقهى حيث يشرب قهوته ويفتح بها باب بناية عمله، وعند زيارته للطبيب لا يحمل بيده وصفة ورقة بل يذهب مباشرة للصيدلية التي تحفظ سجله الالكتروني وتعرف ماذا كتب له الطبيب من دواء وتسلمه إياه، يدفع كافة رسوم حياته من ايجار وتسوق ونقل ومتعه كمتابعة تلفاز او الذهاب للسينما، كل هذه الأمور يستعاض عنها بطريقة دفع الكترونية تجعل منه كتابا مفتوحا للسلطات في حال حدوث شيء ، فهم يعرفون تاريخ ميلاده وامراضه وماذا أكل وشرب واي الأمراض اصابته ومتى تعالج وسافر وتنقل ومتى كانت سرعة سيارته اكثر من اللازم. وآخرها تم الاستيعاض عن كل ذلك بهاتف محمول يحمل برامج تمكنه من فعل كل شيء دون العودة للكارت الالكتروني.

ان الفوضى من حولك وتراجع بلداننا التي نعيش في داخلها تجعلك تشعر بأنك أكثر حرية من الاسكندنافي الذي تسجل حتى مكالماته الشخصية ويمكن للمدعي العام النظر الى صفحة الفيس بوك خاصتك والاستماع لمكالماتك المسجلة ان خرقت نظاماً ما.

الهاتف الذكي في بغداد

تقول لندا “للشبكة” وهي شابة في العشرينات من عمرها تعمل مدرسة رسم للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة “الصم والبكم”: لا أحب الهواتف المحمولة، لكن حين دخول الهاتف الذكي سارعت لاقتنائه لأنه مكّن أختي التي لا تسمع من اقتنائه وهي اليوم ترسل لنا رسائل نصيه تحمّلها زهورا ورسوما وتستطيع معرفة انني اتصل بها عن طريق الرجاج والضوء الذي ينتج عن وصول رسائلي لها للهاتف في حين انها لم تستخدم المحمول من قبل كونه كان لا يلبي حاجتها.

السيدة إسراء (أم ميس)، اربعينية ربة بيت قالت “للشبكة”: كان للهاتف المحمول دور مهم في حياتي اثناء أعوام الطائفية فكنت من خلاله اطمئن على زوجي الى حين عودته للمنزل، لكن بعد ظهور الهواتف الذكية لم يعد زوجي يتصل بي كثيرا وهو خارج المنزل بل يقوم برفض المكالمة وارسال صور تبين بانه مازال يعمل او في اجتماع، وحين عودته للمنزل يرافقه الهاتف حتى في حمامه. حدثت الكثير من المشاكل بسبب الهاتف، انا لا اشك بزوجي لكنني لم اعد احظى بنقاشات او احاديث واستعاض عنها بتعليقات الكترونية حتى انني حين اناديه للعشاء ارسل له رسالة نصية او صورة المائدة ليحضر لكن برفقة الهاتف طبعا. واولادي لهم طبع ابيهم، افتقد زوجي وعائلتي بسببه.

رغدة صبيح، شابة في بداية الثلاثين من عمرها، قالت “للشبكة “: الهاتف الذكي ساهم في تطور حياتي، لي من الأخوات ثلاث أصغر مني أكملنا تعليمنا الجامعي ولم نتمكن من الحصول على وظائف، واخي الكبير لا يقبل ان نعمل في مجال القطاع الخاص، كنت قد فقدت اختي الكبرى في أعوام الطائفية، قتلتها الميليشيات الإسلامية في حينها كونها عملت في شركة اتصالات كبرى. من يومها واخي يرفض ان نعمل في قطاع خاص، نشغل وقتنا بصناعة الحلي وخياطة الألعاب القطنية وقمت بإنشاء صفحة في موقع الانستغرام نبيع من خلالها اعمالنا من خلال الهاتف.

وأضافت: من خلال الانترنت تعلمت طرق التسويق بدورات الكترونية تقوم بها صفحات البعض منها مجاني والآخر مقابل مبالغ زهيدة، لذلك انا مدمنة على الهاتف واخواتي كذلك.

ثم اردفت تقول: ننظم اوقاتنا ونتقاسم المهام، اغلب اخواتي يصنعن الأشياء بأيدييهن وانا أقوم بالبيع والتصوير والتسويق لذلك انا الأكثر استخداما بينهن.
الشباب والوقت والتعليم

علي الشريفي، طالب كلية الإعلام مرحلة رابعة يقول: منذ دخول الهاتف اللوحي وانا اقتني دوما كل ما هو حديث من الأجهزة التي تعمل بنظام الاندرويد لأن له برامج كبيرة وموسعة تساعدني في تحضير موادي الدراسية، اليوم انا اقدم بحثاً عن صحافة المواطن والهواتف الذكية، دراستي تختص بفئة النساء الأربعينيات اللواتي يعشن في مناطق التوتر مثل المخيمات والمدن غير الآمنة، قمت بتدريب مجموعة نسوة في مخيم ديبكة في عامي ٢٠١٦ و٢٠١٧ وفوجئت بكم المعلومات التي قدمنها عن حياتهن هناك وكيف عبرن عن طريق الصور والتسجيل الصوتي عن المحن التي مررن بها.
الطالب محمد سيف كان رأيه مغايراً حيث يقول: اجد متعة كبيرة في البوب جي ولا اجد أن الهاتف سيعوض يوما عن مهنة احدهم فانا ادرس الصحافة واعلم انني سأنقل الحدث افضل من المواطن والهاتف للاتصال والألعاب الالكترونية للعب فقط في الهاتف.

مدرس اللغة العربية الأستاذ حسين محمود يقول: اثر الهاتف الذكي على لغتنا العربية الجميلة، اغلب طلابي لديهم أخطاء املائية رهيبة سببها انهم يعتمدون في الكتابة على هواتفهم المحمولة يكتبون اللكن بالف إضافية ويحركون بالواو بدلا عن الضمة، بالإضافة الى ان تركيزهم قليل جدا اثناء المحاضرة بسبب ادمانهم على الهواتف.

علم الاجتماع واللوح الذكي

الباحثة هدى مزعل تقول: من خلال عملي كنت متيقنة من ان هذه الهواتف الذكية ستكون اضرارها أكبر من فوائدها في مجتمعاتنا، ان المجتمع العراقي يعاني مشاكل اجتماعية جمة نتيجة الحروب والنزوح وعدم الاستقرار. ان تطبيق القوانين في البلدان المستقرة هو الذي يقلل المشاكل الحالية والقادمة لأنه متمكن من ادواته.

إلا أن العراق لا يطبق جميع فقرات القانون بسبب الفساد الاداري. فعلى سبيل المثال يوجد قانون يمنع استخدام

استخدام الـ الهورن (المنبه الصوتي) للسيارة في الأحياء السكنية او قرب المستشفى ويغرم من يفعل ذلك حسب القانون، لكن التطبيق لم يحصل ولم تحض ملفات القضاء العراقي بغرامات او دعوات قضائية بسبب ارتفاع الصوت علما ان السيارات والمذياع هي أجهزة مستخدمة منذ عقود قديمة في العراق، فما بالك بمنتج جديد لم تتسنَّ لنا دراسته بعد لسن قوانين تخصه، من المؤمل العمل بها والعمل بقوانين لم تطبق بعد في العراق.

السيدة لميعة سامي باحثة اجتماعية في محكمة الأحوال الشخصية تقول: الهاتف المحمول الذكي يقف وراء ٩٠٠ حالة طلاق حدثت بين عامي ٢٠١٦-٢٠١٨، اغلب الخصوم الفرقاء من اعمار بين العشرين والخامسة والأربعين ومن بيئات مختلفة قاسمهم المشترك الخيانة الزوجية عبر الهواتف المحمولة.

الطب النفسي واللوح الذكي

في عام ٢٠١٣ ظهر مصطلح جديد وهو (السيلفي) والكل تعلم كيف يلتقط لنفسه صورة ذاتية من الكاميرا الأمامية في الهاتف المحمول الذكي، واعتبر اول المصابين بمرض السيلفي هو الرئيس الأميركي السابق أوباما بعد ان وجد الوقت ليأخذ مجموعة صور (سيلفي) له ولرئيسي وزراء بريطانيا والدنمارك اثناء حفل توديع جنازة مانديلا رئيس جنوب افريقيا السابق. أصيب بمرض سيلفي أوباما العديد من الشخصيات السياسية التي اثر السيلفي على اجتماعات ومؤتمرات كبيرة وضخمة جدا.

يقول الدكتور حيدر طيف وهو المختص بالطب النفسي: توجد العديد من الامراض النفسية حول العالم التي اضافها استخدام الهاتف الذكي بشكل مبالغ فيه. وأضاف ان مرض النوموفوبيا، وهو الشعور بالخوف من قضاء يوم دون هاتف، وان الهاتف هو من يعطي الإحساس بالأمان.

الهاتف المحمول زاد من بعض الأمراض النفسية حدة وخطورة مثل مرض الكآبة اذ يبدء المصاب من شعوره بعدم الرضى عن نفسه بعد متابعته لصور وصفحات ناس ربما حسب اعتقاده نجحوا وهو لم ينجح.

الهيجان العصبي، الحساسية من الترددات الكهرومغناطيسية، بالإضافة لاصابة اغلب المدمنين على الهواتف الذكية باوجاع في الراس والرقبة والعمود الفقري والكوع.

الحل برأيي صعب جدا لأن خفة وزنه وسهولة حمله وإمكانية إعادة شحنه ولتعدد استخداماته وبرامجه يحول دون الإدمان عليه لذا انصح بان لا تفتح هاتفك المحمول الا ان كنت وحيدا حقا، اعر الانتباه لكل ما حولك وفقدته بدخول الهاتف مثل التمتع بالخروج مع الاهل والأصدقاء دون الهاتف، ان تقسم يومك بشكل يمنح الاخرين من حولك الوقت والشعور بالرضى عنك وعن من حولك.

أشياء فقدناها بظهور الهاتف

ساعة اليد والساعة المنضدية ذات المنبه،

الكاميرا الفوتوغرافية والفديوية

جهاز الراديو وجهاز التسجيل

اللايت اليدوي المحمول

التقويم السنوي الذي نعلقه على الحائط او نضعه على المكتب

دفتر الملاحظات

البوم الصور المطبوعة

صندوق البريد

تجمع العائلة في صالة المنزل حول التلفزيون

الاستعاضة بالالعاب الالكترونية عن ممارسة اللعبة نفسها مثل كرة القدم، الشطرنج، الطاولي، والألعاب الورقية.

كلمة اخيرة

الكلام سهل لكن التطبيق صعب فانت من الممكن أن تكون قد قرات كلماتي هذه من هاتفك المحمول واحتمال كبير اني جمعت المعلومات وسألت الناس عن طريق الهاتف المحمول ومن المحتمل انني أرسلت مقالي هذا لمدير التحرير عن طريق الهاتف.

اذن علينا ان نقر جميعا بأننا مدمنون على استخدام الهاتف الذكي.