خانْ المدَّلل.. تأريخ وطنٍ ترويهِ متاحفٌ عالميةٌ صغيرة
حسين محمد عبد فيحان /
في ساحة الميدان وسط بغداد، يقع خان المدلل الذي يقتصر عمله اليوم على بيع المقتنيات النادرة والمواد الثمينة عبر دكاكينه المعدودة ورواقه الضيق الذي ما زال فيه العم (عمر أبو عبد الله) يبيع الشاي برغم تجاوزه العقد السابع من العمر، ويقطع كثير من سكان بغداد مسافات طوال للوصول إليه وشرب الشاي الذي يصنعه على الفحم.
كما يقصد هواة جمع الطوابع ومقتنو السلع القديمة سوق خان المدلل وسط العاصمة بغداد بحثاً عن الأشياء التي تستأثر باهتمامهم. وقد أضحى السوق الذي يمتد عمره إلى أكثر من مئة عام، أقرب إلى متحف يوفر للزائرين إطلالة سريعة على تاريخ البلاد.
المقتنيات الأثرية
إسطوانات نحاسية وأرائك خشبية وتحف فنية نادرة، هي بعض مما يزخر به سوق المدلل من مقتنيات ذات قيمة يقبل عليها عشاق شراء المقتنيات الأثرية والقديمة.. بعد أن كان السوق أحد الخانات البغدادية العتيقة منذ أن تأسس في عام 1700 للميلاد..
والخان كلمة عثمانية ما زال العراقيون يستخدمونها حتى يومنا هذا، وهو بناء يشبه الفندق في عصرنا الحالي، يستخدم لاستراحة المسافرين وتقديم الطعام لهم، وفي نفس الوقت بيع وشراء الحاجيات الضرورية للمسافرين، وبدأ أول عهده في الموصل بالقرن الحادي عشر للميلاد ثم جاءت خانات حلب ودمشق والقاهرة والقدس.
هنا غنّت أم كلثوم
البائع محمود أفندي، من عائلة فنية تهتم بجمع اللوحات والتحفيات من مناطق العراق المختلفة والعالم, هاوٍ لبيع وجمع الأنتيكات، يقول لـ”الشبكة” إن أغلب ما موجود لديه جُمع من عوائل عراقية عريقة بعضها باعت ما لديها قبل أن تهاجر البلاد.
ويقول أحد باعة هذا الخان باسم الشمري، (60) عاماً، لـ (الشبكة) هنا غنت أم كلثوم لبغداد وازدحم الخان بالجمهور ترحيباً بزيارة كوكب الشرق، التي غنت أيضاً أغنية (قلبك صخر جلمود) للراحلة سليمة مراد و ألحان الفنان العراقي صالح الكويتي.
وتزدحم المعروضات في هذه المحال المتهالكة البنيان منها ما يصل عمره الى أربعين عاماً، وبعض المعروض يصل عمره الى مئتي عام.. بائع الأنتيكات سامر العراقي يقول: إن أعمار الأنتيكات مختلفة هنا في سوق خان المدلل حسب الدولة التي تأتي منها، فلكل دولة خصوصية حسب نوع الأنتيكة..
أغلب رواد السوق هم من الزبائن الدائمين، إذ يتوجه له الفنانون من الرسامين والنحاتين والتشكيليين وهواة جمع المقتنيات العتيقة الأصلية.. يقول حليم الدراجي، وهو من أحد مرتادي خان المدلل، إنّ روح بغداد هنا نأتي كلما تضيق بنا الشوارع.
الفنانة ربيع العبايجي إحدى رائدات السوق تقول لـ “الشبكة”: اختار الأشياء التي تحمل طابعاً خاصاً كالنحاسيات والزجاجيات وما تراه عيني مناسباً..
الى يسار سوق المدلل يقع مبنى وزارة الدفاع القديمة الذي هو اليوم ملحقات لوزارة الدفاع الحالية، حيث ظل الشارع الرابط بين السوق و وزارة الدفاع مغلقاً لسنين عديدة بسبب الوضع الأمني ما أثر على حركة السوق ووضعه التجاري إلى أن تم فتحه قبل سنتين من الآن..
كما تقع أمامه إحدى أهم ساحات ومآرب العاصمة بغداد هي ساحة الميدان التي كانت تلتقي عندها جميع الباصات ذات الطابقين لوزارة النقل و منها تتوزع الى انحاء وأحياء بغداد المختلفة طوال النهار..
عائلة المدلل
يوضح أستاذ تاريخ العراق الحديث الدكتور صالح الطائي لـ “الشبكة”: أن تسمية الخان بـ (المدلل) نسبة إلى أصحاب الخان (عائلة المدلل)، وقد بني عام 1906 والآن يعد من أهم المراكز لبيع (الأنتيكات).
ويؤكد أن الحقب التي مر بها العراق كالحقبة العثمانية والملكية ثم الجمهورية، تعد تأريخاً مختلفاً من حيث المقتنيات التي تعرض اليوم بمحاله كقيمة غنية بتأريخها، من حيث جودة الصناعة والقيمة التاريخية”، لافتاً إلى أن الأسعار تختلف حسب القيمة التاريخية والنوع.
ويتابع: تمثل الأنتيكات هوية بلد كقيمةٍ وطنية ومحال الخان اليوم تُعد متاحف عالمية مصغرة، لأنها تحتوي على بضائع من حضارات مختلفةٍ وبلدان عديدة، منها ما يعود إلى الحضارة الصينية أو الرومانية أو الشرقية والسورية والتركية العثمانية.