ختم أسطواني نادر وجرّة عمرها خمسة آلاف سنة مواطنون يسلمون متحف الناصرية قطعاً آثارية نادرة

161

الناصرية : نجلاء الخالدي
بين مدة وأخرى يسلم أهالي محافظة ذي قار قطعاً آثارية نادرة لا تقدر بثمن الى الجهات المعنية في متحف الناصرية الحضاري. وقبل أيام، تسلم المتحف ختماً أسطوانيا من أحد مواطني المحافظة يعود الى عصر ما قبل الكتابة، فيما سلمت فتاة قروية المتحف ذاته جرّة فخارية أثرية تعود إلى عصر فجر السلالات (العصر السومري القديم).
والحق أن العديد من المواطنين الذين كانوا يحتفظون بقطع آثارية نادرة، قاموا بتسليمها إلى لجنة مختصة بتسلم الآثار.
وتوصف محافظة ذي قار بأنها عبارة عن منجم أثري، ومن المعتاد أن يعثر المواطنون على قطع آثارية، ولاسيما أثناء الأمطار والسيول، لكن المدهش أن ثقافة تسليم الآثار باتت تسود مختلف الشرائح الاجتماعية، التي تدرك أن هذه القطع لا تقدر بثمن وتعكس قيمة وأهمية الحضارة الإنسانية التي شيدت على هذه الأرض قبل سبعة آلاف عام قبل الميلاد.
على هذه البقعة من أرض العراق نشأت أقدم الحضارات البشرية، حيث لا تكاد تخلو منطقة أو قرية في هذه المحافظة من الآثار، ما جعلها مطمعاً لتجار ومهربي الآثار الذين اعتادوا على شراء قطع آثارية من الناس بثمن بخس، ولاسيما إبان فترة الحصار في تسعينيات القرن الفائت، حين أصبح الناس يكافحون للحصول على لقمة العيش بشتى السبل، ولاسيما أن الآثار المهربة تنتهي من أيدي الناس والمهربين الصغار إلى مهربين كبار.
ختم أسطواني
يقول الباحث الآثاري والمدير السابق لمتحف الناصرية (سجاد عبد الحسن) إن لجنة مختصة تسلمت ختماً أسطوانياً من أحد الشباب، وأكد أن الختم يعد من القطع النادرة جداً التي جرى ضمنها إلى خزائن المتحف.
وأشار إلى أن أحد مواطني المحافظة احتفظ بهذه القطعة النادرة لحين جرى إرشاده إلى الجهة التي تسلم فيها التحف الآثارية. مشيداً بثقافة حماية الإرث الوطني المنتشرة بين المواطنين.
وتلقى الحملات الوطنية لاستعادة الآثار وتسليمها إلى المتحف تجاوباً واسعاً من قبل مواطني محافظة ذي قار الذين سبق وأن أعادوا مئات القطع الأثرية النادرة التي تعود لحقب زمنية مختلفة.
وتعد الأختام هي الهوية التعريفية الشخصية التي اكتشفها واستخدمها لأول مرة سكان بلاد الرافدين قبل الكتابة، وكانت لإثبات الملكية إذا طبعت على الطين عن طريق دحرجتها.
أما بعد اكتشاف الكتابة، فقد أضيفت للختم تفاصيل صاحب الختم مثل الاسم والوظيفة والمدينة وسنة الصناعة، إضافة إلى تطور أسلوب صناعتها وتنوع رسم المشاهد عليها والمواد المصنوعة منها.
عصر فجر السلالات
وكان متحف الناصرية الحضاري قد تسلم من فتاة في إحدى قرى المحافظة (رفضت الكشف عن اسمها) جرّة فخارية أثرية تعود إلى عصر فجر السلالات (العصر السومري القديم).
ويقدر عمر الجرة بنحو خمسة آلاف عام، وتعد من القطع الأثرية المتفردة والنادرة التي جرى العثور عليها في المحافظة، مشيراً إلى أنها المرة الأولى التي يتسلم فيها المتحف قطعة أثرية نادرة من شابة في مقتبل العمر، ما يعكس وعي المواطن بأهمية الكنوز الأثرية التي يصفها المنقبون بأنها أقدم منجم أثري في العالم.
ويقول عبد الحسين إن الفتاة عثرت على الجرة الفخارية بالقرب من منزلها في إحدى قرى المحافظة، ويبدو أن السيول والأمطار جرفتها إلى القرية.
ولفت إلى أنها احتفظت بالجرة لعدة أيام، قبل أن تسلمها إلى الجهات المسؤولة في المحافظة، بعد أن ساعدها أحد معارفها في الحصول على معلومات مكنتها من الوصول إلى المتحف واللقاء بالمسؤولين الذين عرفوا على الفور قيمة التحفة الأثرية، مبيناً أن الفتاة شعرت بالفخر والفرح وهي تعيد التحفة إلى المكان الذي يجب أن تكون فيه.
وأشار إلى أن عشرات المواطنين أعادوا، أو بلغوا، السلطات عن محاولات لنهب الآثار في المناطق القريبة منهم، مبيناً أن ليس بوسع أجهزة الدولة حماية كل المناطق الآثارية الشاسعة، ولهذا فإن هذه الثقافة وهذا الحرص لدى سكان المحافظة أسهما بشكل كبير في الحد من التجاوز على الآثار وسرقتها، ولاسيما أن المحافظة تستقبل سنوياً بعثات تنقيب عالمية من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وأمريكا والعديد من البعثات التي توزعت على امتداد المحافظة، وأسهمت في الكشف عن العديد من الآثار التي ساعدت في التعرف على حقائق تاريخية جديدة، ولاسيما في قصة الطوفان وغرق سفينة نوح واكتشاف سواحل الخليج العربي القديمة، ناهيك عن القطع الآثارية التي تنقل إلى المتحف الوطني.