خرافات وأوهام عاشت معنا سنين طويلة عادات بغدادية سادت ثم بادت

244

سعد محسن خليل/
سادت المجتمع العراقي، وعلى مدى عقود من الزمن، عادات قديمة اعتبرها بعض الناس أنها سبب السعادة والرزق الوفير، فيما اعتبر بعض آخر تلك العادات بأنها خرافات عفا عليها الزمن، وهي في كل الأحوال آمال خائبة وأحلام ضائعة لا تخدم المجتمع، تجلب الشر والحياة التعيسة. بعض من هذه الخرافات غادر عالمنا منذ عقود طويلة، فيما بقي بعضها الآخر وما يزال مستمراً حتى وقتنا الحاضر.هذه الخرافات تربطها بالمجتمع العراقي امتدادات تاريخية طويلة، ومن هذه العادات -أو الخرافات- أن كثيراً من المواطنين يعتقدون ان وضع قطعة نقدية معدنية في (التنكة) وكسرها على عتبة باب الدار يرفع البلاء عن العائلة، كما يعتقد بعضهم أن (حكّة) اليد اليمنى تعني أن صاحبها سيحصل على دعم مالي، أما (حكة) اليد اليسرى فهي تعني أن ذلك الشخص سيدفع مبلغاً من المال، كما أن (حكة) الخد تدل على أن ضيفاً عزيزاً سيحل اليوم حتماً، وأن زقزقة العصافير بكثرة تعني أن ضيوفاً سيحلون على العائلة، وأن (حكة) الأنف (الخشم) تبشر بأكلة سمك، وأن (حكة) القدم اليمنى تدل على أن أحد الأشخاص ذكرنا بشر، فيما (حكة) القدم اليسرى تشير أيضاً الى أن أحد الاشخاص ذكرنا بشر، وأن (رجفة) الكتف تدل على لباس جديد، وان وجود (شعراية) على اللسان ينبئ بوجود هدية او (صوغة) في الطريق.
الطعن بالشرف
لكن أشد المعتقدات تخلفاً هي أن تقوم بإشعال سيكارتك من (أركيلة) شخص لا تعرفه، فهي الطامة الكبرى، إذ إنها تلميحة -بحسب المعتقد البغدادي الدارج- للطعن بشرف الشخص الشارب (الأركيلة)، في إشارة الى أنه ملوث او بلا شرف، وهو اعتقاد كثيراً ما قاد الى مصادمات أدت الى ارتكاب جنحة القتل، ومن الأحداث التي مازلت أذكرها وحدثت في مقهى (البلدية) الكائن سابقاً في منطقة الميدان، حيث كنت أجلس مع بعض الأصدقاء نحتسي الشاي، وكان بقربنا رجل مسن من سكان بغداد القدماء يشرب (الأركيلة) وفجأة قام أحد الأصدقاء بإشعال سيكارته من (أركيلة) ذلك الشخص المسن، دون معرفة بعواقبها، فإذا بالرجل المسن يضربه ضربة قوية على يده، وبدأ يرتجف والشرر يتطاير من عينيه، ووقفنا نحن في حيرة من أمرنا لحراجة الموقف، لكن لطف صاحب المقهى الذي فهم الموضوع عالج المشكلة، بعد أن همس في أذن ذلك الرجل، وربما أفهمه، بأن هذا الشاب لا يفهم العادات البغدادية، وأن تصرفه غير عدائي، فطلب منه المسامحة، وانتهى الموضوع بالاعتذار وتقبيل أحدهما الآخر.
حذاء على عتبة البيت
ومن العادات الغريبة تعليق فردة حذاء على الباب، أو حدوة حصان، ومنهم من يضع (أم سبع عيون) لإبعاد شر الحسد، أو سكب الماء وراء الشخص المسافر، كدليل على منحه الأمان والعودة بسلام. ومن العادات المحمودة التي تدلل على الطيبة أنه إذا سكنت عائلة غريبة المنطقة، فمن واجب الجار القديم تكريم الجار الجديد بتقديم غداء فخم للعائلة، وهي من العادات الحميمة التي تسهم في تعزيز العلاقة بين الجيران. لكن هناك مشاعر إنسانية مغلوطة منها أن نعيق الغراب يعني أن هناك خبراً مشؤوماً سيرد العائلة، لذلك فإن النساء يصحن عند سماعهن النعيق (خير خير خير إن شاء الله خير).
عجائب وجود الملح في الدار
إن انتشار هذه الظواهر هو بسبب طيبة الناس وبساطتهم، فهي امتداد تاريخي متوارث من الآباء والأجداد، وليس بدعة. لكنها كلها تصب في منحى الجهل والأمية، وتصديقها مرهون بثقافة المواطن، فـ (كنس) او تنظيف المنزل ليلاً يجلب الشؤم والفاقة، بحسب اعتقاد كثير من الناس، والغريب أن هناك معتقداً آخر هو أن عدم وجود الملح في الدار يجلب النحس والفقر الى ذلك المنزل، كما ان عدم توفره يشعر صاحبه بأنه جائع، ومن يأخذ الملح من الدار فإن في ذلك إشارة الى ابتعاد الرزق عن المنزل. لكنها تبقى كلها معتقدات دون دليل مادي، سادت المجتمع ثم بادت بفضل تنوع الثقافات ورقيّها ووصولها الى الحس الموضوعي، بدلاً من حس الخرافة والشعوذة.