خليك في البيت

932

#خليك_بالبيت

ريا عاصي/

شعوب العالم بين الحين والآخر تجدهاتهتم بشأن معين وتطرح قضية إنسانية محددة على طاولة الأحداث،الا أن حملة #خليك_بالبيت تعد الأكبر والأولى من نوعها، فالخطر هذه المرة ليس لشريحة محدّدة أو طرف أو عرق واحد كما كان يحصل سابقاً في حملات تهتم بالبيئة والانسان وخطر الاحتباس الحراري وقضايا التحرش الجنسي وعمالة الاطفال وغيرها من القضايا التي شهدها العالم في فترات زمنية مختلفة،الا أن حملة #خليك بالبيت لا تتكرر في حياة الانسان مرتين لأننا لأول مرة نشهد خطرأ عالمياً غزا الجميع ليوحد بقسوته الصفوف كما قالت ميركل رئيسة وزراء المانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن كيف استقبل المواطن العراقي هذه الحملة؟وكيف تصرف إزاء خطر هذا الوباء؟،هذا المواطن الذي انتهى نصف قرن من الزمان وهو يصارع ثلاث حروب وديكتاتور وإرهاب وتفخيخ وحصار وفساد حكومات وما إلى ذلك من مخاطر مرت ومازالت تمر وتدوِّن في يومياته؟
حظر التجوال وغلق الحدود
في الثالث عشر من آذار 2020 أعلنت الصين حظر التجوال في جميع مدنها وأعلنت حربها ضد فايروس كورونا واستعدت للحرب ضد هذا الوباء ببناء مستشفيات وأماكن حجر صحي للمصابين وقادت أكبر عملية تعفير وتعقيم لمدنها كافة،وما إن انتقل الفايروس إلى الجارة إيران حتىأعلنت مجاميع من العراقيين مطالبة الحكومة عبر حملات في مواقع التواصل الاجتماعي بغلق الحدود وإعلان الحظر.وفور استجابتها لتلك المطالب والنداءات وإعلانها الحظر وملازمة البيوت الذي صادف إعلانه مع زيارة الامام الكاظم (ع) بمناسبة استشهاده، انقسم العراقيون إلى فريقين؛ فريق يصر على أداء مناسك الزيارة وفريق يفضل أن تؤجل وأن تؤدى طقوسها من المنزل. وفور إعلان القنوات العراقية بدء الحظر خلال أيام سارع العراقيون للأسواق وتبضعوا بانسابية ودون تدافع ومرد فعلهم هذا يعودإلى خبرة العراقيين في الأزمات والحظر، لكونه ليس الأول في حياة أي عراقي،لذلك لم نلحظ تدافعا وتهافتا كما حصل في الدول الاوروبية وأميركا وأستراليا، إذ شهدت هذه البلدان معارك بالأيدي من أجل الحصول على ورق الحمامات وتدافع بشكل مريع عليها، حتى أنهم لم يتركوا لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة أي منتوج يساعدهم على قضاء أيام الحظر.
كما نشرت إحدى صديقاتي من المغتربات منشورا بالانكليزية تطالب الغرب باستخدام الماء بدل ورق الحمامات الذي تقاتل من أجله العديد من الناس ورأينا تلك المشاهد عبر شاشات الفضائيات وفي مواقع التواصل الاجتماعي.
صور من الترابط العائلي
سارعت العديد من العوائل العراقية لصناعة الكمامات داخل منازلهم وتوزيعها بين الناس او بشراء كميات وتوزيعها في الطرقات بين المارة، كما سارع العديد من الشباب لصنع الكحول الطبي الخاص بالتعقيم وتوزيعه بين الناس.
خرجت للتسوق مع والدتي حقيقة فرحت جداً لتلاحم العراقيين،دخلت متجراً لبيع لوازم منزلية فوجدت قطعة كبيرة مكتوب عليها تبرّع مما اشتريت لمن لا يمكنه و(ضعه هنا)في إشارة لمكان تجمع التبرعات.
عند محال الخضار وجدت قطعة أخرى تقول:اترك من كل صنف ثلاث قطع هنا لمن لا يمكنه التبضع. أسعدني شعور الانتماء لبعضنا البعض.
التواصل الاجتماعي
صلاح جاهين الشاعر ورسام الكاريكتور،قال في إحدى لقاءاته في التلفزيون العراقي يوما: (إن النكتة صانعها ابن الألم والمصيبة،من كثر المصايب صرنا نضحك) وهو ما حصل ويحصل فقدتندر العراقيون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت جسراً لتواصلهم مع العالم ولكسر رتابة الحجر في المنازل،فانتشرت الطرائف والاغاني والفيديوهات المبنية على الطرفة من وضع العراقي داخل المنزل.
رصدنا حالات كثيرة مثل المحامي محمد جمعة الذي نشر عبر تويتر والفيس بوك منشوراً يقول فيه: “عيش عيشة خواتك وبناتك وابقى بالبيت، الحجر الصحي هو الحياة الطبيعية لنساء بيتك،لاحظ قساوة المشهد وحياتهم الطبيعية بمثابةالحجر عليهم، واليوم تدرك وبسبب هذا الفايروسأنك كنت فايروس حياتهم،من تخلص الازمة حاول تتحوّل (من فايروس لإنسان)”،وهناك من ثم ذيّل منشوره #اكعد_بالبيت #حظر_تجوال” ، وتناقلت العديد من الصفحات هذا المنشور وأخذوا يناقشون موضوعة التحرش ومضايقات الرجال للنساء في الشارع وكان من الجميل والمؤثر أن تتحدث العديد من الفتيات كيف أن هذا المنشور قد أثلج صدورهن.
الشباب والفراغ
عمر العزاوي نشر عبر تكتوك والفيس بوك منشوراً يقول فيه: “اني استفاديت من قعدة البيت،اكتشفت ببيتنا 1800 كاشية،وباكيت الكلينكس مكتوب عليه 300 قطعة، جذابين بي بس 297 قطعة”.
بدأ العديد بنشر المنشور التالي والحديث عن عدم استغلال الشباب لأوقات فراغهم بشكل مفيد. تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورة تندر بها العراقيون وهي لمجموعة من الجوازات العالمية وذكروا فيها أنه لأول مرة كل الجوازات تتساوى فلا أحد يعطي أحداً تأشيرة.
نشر أحد الشباب أن كل البيوت العراقية اليوم عملت كيكة وكليجة ونشروا الصور كناية عن تجمع العوائل مع بعضها البعض والوقت الإضافي الممنوح وفي الجد لم يقتصر الأمر على الضحك والتحشيش كما يقول العراقيون،بل ذهب الأمر لأبعد من ذلك، فبعض الاشخاص أخذ علىعاتقه كيفية تحذير الناس من مخاطر فايروس كورونا وبدؤوا بعمل فيديوهات ووسائل توضح كيفية غسل اليدين وعملية التعقيم،وأي المواد التي يبقى عليها الفايروس مدة أطول. مثلا موقع “لعراق جديد” نشر مجموعة فيديوهات توعية تحت عنوان سالوفة. الصحفي حيدر الحمداني نشر مجموعة فيديوهات عن كيفية الاستعانة بالاجهزة الصحية والمؤسسات الصحية. برهان المفتي راح ينحت اللغة ويسهم في صنع مصطلح جديد للتوعية وهو مصطلح “كوغبي” إذ كتب يقول: “إشارة – كوغبي ………… للذين لا يسمعون التعليمات الطبية نقول لهم: كوغبي للذين يخالفون البقاء في البيت نقول لهم: كوغبي للذين يقولون إن كوفيد -١٩ لا يصيب العراق نقول لهم: كوغبي” وذيّل منشوره بالتالي: “كوغبي نحت لغوي لكلمتين (كوفيد) و(غبي) سنستخدمها في منشوراتنا ومسجاتنا وواتساباتنا للإشارة إلى كل أولئك كما بدأت الدول الأخرى تفعل ذلك وأدخلها الانكليز في قاموسهم. بهذه الطريقة سيتفادىالجميع صفة كوغبي أن تلازمهم. شارك #كوغبي.
حقوق وأغان ومصطلحات
أما الناشطة رسل مدحت فدعت المحامية تقى محمد لعمل لايف عن طريق الانستغرام يناقشون فيه “حقوق المرأة العاملة في الحصول على إجازة الامومة في القانون العراقي” وتفاعل معهم العديد من الصديقات والاصدقاء وطرحوا أفكارا وأساليب جديدة لتوعية الفرد،علماً أنهم يومياً يقومون بطرح مشكلة ويستضيفون أحد المختصين.

الناشط قيصر الورد يعلن يومياً عن حفل موسيقي أو غنائي لأحد الشباب الهواة من على موقعه اون لاين لتشجيع الشباب ولقضاء وقت مشترك مع الاصدقاء والاستمتاع بالموسيقى
“أمسية اليوم على ساعة ١٠ مساء
مع المغني مرتضى الناصر
(برنامج الأمسية وحسابه بالتعليقات أو الستوري)
لمتنا حتكون بحساب العازف على الانستكرام
نتمنى تقضون وقت حلو ويانة “

#خليك_بالبيت
#استجن
#كوغبي
#لاتطلع
#اهلك_اهم
كلها حملات قام ويقوم بها العراقيون دفاعاً عن أنفسهم ضد خطر كورونا، بالعادة لا أفعل لاضمّن رأيي في مقال لكن اسمحوا لي اليوم أن أفعل ذلك،هذه المصيبة رغم خطرها ورغم أننا خسرنا أرواحاً عزيزة علينا،الا أنها أشعرتني بالفخر كوني عراقية. العالم كان يحتاج لوقفة كي يراجع نفسه وينظر للبيئة ولعظمة الارض التي ربما من أفعالنا انتفضت وأرادت أن ترينا كيف ستنتقم منا إن لم نحب الارض وبعضنا الآخر.

النسخة الألكترونية من العدد  356 

“أون لآين -1-”