دور الأيتام الخيرية.. أبواب مشرعة لحياة كريمة

1٬105

آمنة السلامي/

ايتامنا بحاجة الينا في النهوض بهم تربويا وعلميا وثقافيا، فاليتم الحقيقي هو الحرمان من نعمة التعليم والتربية السليمة، قبل الحرمان من الطعام والشراب، ولكي لا يبقى اليتيم يعيش في ظلام دامس، ويفقد التمييز بين الخير والشر ويصبح فريسة سهلة للاستغلال، فإن كفالة اليتيم ورعايته والسعي الى حل مشاكله هي حلول لجزء كبير من مشاكل المجتمع، وتوفير بيئة مناسبة له تقيه العزلة وخطر الانطواء على الذات، والاندفاع الى امور قد لاتحمد عقباها. من هنا أخذ عدد من الجمعيات الخيرية على عاتقه الوقوف الى جانب اليتيم والتخفيف من معاناته النفسية،والارتقاء به الى منصات تجعله انسانا فاعلا له دوره الكبير في خدمة المجتمع.

في تحقيقنا هذا نحاول ان نتعرف على دور الجمعيات ودور الإيواء الخيرية التي تسعى الى تقديم مشروع انساني يحتضن الأيتام ويقدم لهم كل سبل الحياة الكريمة بعيدا عن العوز والحرمان.

مشاريع انسانية

أولى محطاتنا كانت الجميعة التعاونية الخيرية التي حدثنا عن أبرز نشاطاتها ومشاريعها مدير اعلامها زيد زاهد حيث قال: الجمعية التعاونية الخيرية هي مشروع انساني يقدم خدماته الى شريحة الأيتام الفقراء والمعدمين، ممن قست عليهم الظروف نتيجة الوضع الراهن الذي يمر به البلد، تأسست الجمعية عام 2004 في بغداد، وتتكون من عدة مؤسسات لكل منها دور معين، فمكتب الخدمات يتكفل حاليا بإعالة 6500 عائلة أيتام في جميع انحاء العراق، عدا اقليم كردستان. وتتضمن الكفالة توفير مبلغ شهري الى عائلة اليتيم لكي يستمر في تعليمه، كما يتكفل أيضا بانشاء مشاريع لتشغيل الأرامل والمعاقين، وتوجد في الجمعية مدرسة الإمامين الجوادين التي يدرَّس فيها المنهاج الوزاري لوزارة التربية العراقية، فضلا عن منهج متقدم يدرس باساليب حديثة مع وسائل ايضاح متطورة.

هوايات ونشاطات ترفيهية

وعن النشاطات الترفيهية وتنمية قابليات وهوايات الطلبة يقول زاهد: نهتم كثيرا بهوايات الطلبة الى جانب اهتمامنا بمستواهم العلمي، ونسعى الى اكتشاف مواهب الطلبة في الرسم والتمثيل والرياضة وغيرها، ولدينا ايضا قاعات رياضية للأولاد وأخرى للبنات، ومن وسائل تشجيعنا للطلبة، نقوم مثلا بعرض بعض رسوماتهم للبيع تشجيعا لهم على تنمية مواهبهم وتطويرها وصقلها ولا نقصد الكسب المادي من ذلك، وفي نيتنا بالقريب العاجل الاتفاق مع أساتذة كلية الفنون الجميلة لزيارة المدرسة واكتشاف المواهب وتشكيل فرق فنية، وحاليا نعمل بجد على فكرة توفير منح دراسية الى اوروبا وامريكا وهولندا للطلاب الايتام المتفوقين دراسيا. فاليتيم لا يعني من يفتقد الطعام والشراب فقط، إنما حاله حال الآخرين لديه مهارات ومواهب وطاقات ابداعية كبيرة.
*ماذا عن العلاج والعناية الطبية للحالات المرضية لدى الأيتام، خاصة ممن يحتاجون الى تداخل جراحي؟

ـ هناك حالات مرضية في العوائل الفقيرة، نقوم بعلاجها ومتابعتها من خلال التنسيق مع أطباء معروفين داخل العراق، وحتى من خارجه، ونتعامل مع مستشفيات في الهند تكون أجور العلاج فيها اقل تكلفة من مستشفيات تركيا ولبنان، لا بل حتى اقل كلفة من بعض المستشفيات العراقية. ونحن بهذا نحمي الفقراء من بعض الأطباء من ضعاف النفوس الذين يستغلون مرض الفقير ويطلبون مبالغ خيالية لاجراء بعض العمليات او يقومون بصرف دواء لا علاقة لها بالمرض. ومن أعمالنا الخيرية ايضا، لا يفوتني هنا ان اذكر اننا الوحيدون الذين فكرنا بعد تحرير مدينة الموصل بحفر آبار للمياه الجوفية بغية توفير الماء الصالح للشرب او المستعمل للغسيل والتنظيف لبعض المناطق البعيدة وتم انجاز 85 بئرا وبتكلفته 85 الف دولار.

جيل متسلح بالعلم

نترك مبنى الجمعية التعاونية ونتجه الى محطة انسانية أخرى هي دار الطفل العراقي للأيتام.. التقينا مديرها السيد قحطان السوداني فقال لنا: دارنا هو مشروع انساني تطوعي لاحتضان اليتيم يشارك فيه اعضاء هيئة ادارية ثلاثة، فضلا عن المدير ويقدم خدماته الى خمسين طفلا يتيما من النواحي التعليمية والغذائية والتثقيفية والترفيهية والصحية، ويستقبل دارنا الأطفال الأيتام من اعمار الابتدائية والمتوسطة ولكلا الجنسين ويفتح ابوابه من الصباح الى المساء ويوفر وجبات الطعام ويشرف على الواجبات المدرسية بمتابعة ملاك تربوي متمكن من اربع معلمات.

*كيف توفرون التمويل المادي للدار، وما ابرز نشاطاتكم؟

صرفيات الدار من طعام وايجار ورواتب المعلمات وغيرها تتوزع على أعضاء الهيئة الإدارية والمدير.. ولنا نشاطات كثيرة تبدأ من المشاركات في المهرجان الوطنية والدينية والبرامج الثقافية من خلال الزيارات التي نقوم بها لكليات الطب والهندسة وغيرها لزرع الطموح لدى اليتيم، ولنا تعاون مستمر ايضا مع الفرق التطوعية من خلال السفرات الترفيهية والعلمية والاثارية. في الدار خمسة عشر يتيما من شهداء الحشد الشعبي وخمسون يتيما آخرون من ابناء شهداء الارهاب والأجهزة الأمنية. كل هؤلاء نحتضنهم آملين انشاء جيل متسلح بالعلم والمعرفة، قادر على الابداع في جميع الميادين.

تعليم الأيتام

وتكثر العناية باليتيم من أجل احتضانه ورعايته في دور إيوائية وتأهيلية عدة في بغداد ومنها دار النور لرعاية وتأهيل الأيتام والأرامل، التي تحدثت مديرتها السيدة لقاء العبودي قائلة: تأسست هذه الدار عام 2009 في مدينة الصدر قطاع سبعة. والمستفيدون منها ثلاثمئة وثلاثون يتيما، يبدأ الدوام في الدار من الساعة الثانية بعد الظهر لغاية السابعة مساء يوميا، عدا يوم الجمعة. وتتكفل الدار بتدريس الايتام بجميع المراحل لغاية السادس العلمي او الأدبي، وتقدم للطلبة وجبات طعام خفيفة، والى جانب العملية التعليمية نقوم بنشاطات ترفيهية كثيرة من قبيل القيام بسفرات الى أماكن دينية وترفيهية، كما نوفر في بداية كل عام دراسي الملابس اللائقة للطلبة، فضلا عن القرطاسية ودورات التقوية في العطلة الصيفية.

*هل تحصلون على دعم من الحكومة ؟

نفقات الدار المالية تقع على عاتقي وبعض الخيرين الذين نناشدهم بمد يد العون لهذه الدار التي تعاني من وضع صعب، ففي هذه الدار تسع مدرسات وعاملان وابنتي التي تقدم المساعدة لي، واغلب الايتام في الدار هم لشهداء الحشد الشعبي وشهداء الارهاب، نتمنى ان نوفق بايصالهم الى بر الأمان.

وللدين كلمة

ولابد لنا ان نقف على نظرة الاسلام الى اليتيم وضرورة الاهتمام به، يقول الباحث الاسلامي نعمة الحصناوي: لقد اهتم الإسلام بشريحة الايتام ووضعها نصب عينيه من خلال ممارسة أهل البيت الأطهار والاهتمام الكبير بهم ورعايتهم والسعي لقضاء حوائجهم، وخير دليل على ذلك ابو الأيتام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي كان يصل الليل بالنهار لتعويض الايتام عن آبائهم الذي استشهدوا لنصرة الدين. واليوم ونحن نعيش هذه الحرب الضروس بيننا وبين الارهاب وما سال بها من دماء لشهداء أبرار ماكان العراق لينتصر لولاهم، فأكيد ان هذه الحرب خلفت ايتاما وأرامل، واجب علينا الاهتمام بهم ورعايتهم والأخذ بايديهم من خلال الحكومة والمنظمات الإنسانية وكل من استطاع سبيلا لذلك.

أمانة الله

من جانبه يؤكد رجل الدين الشيخ علي السوداني: ان الله سبحانه وتعالى أوصى بالايتام في كتابه العزيز قائلا (وأما اليتيم فلا تقهر) فيجب ان يكون اليتيم أمانة الله في الأرض وعلينا جميعا ان نقدم لهم الدعم والمساعدة والمعونة، من أجل رفع مستواهم العلمي والاخلاقي والنفسي، خاصة ممن قدم آباؤهم الغالي والنفيس لاجلنا، فكل ما نقدم لهم هو قليل ونتمنى ان تكون هناك التفاتة من قبل الحكومة لهؤلاء الأيتام حتى يكونوا قادة المستقبل مثلما كان آباؤهم شهداء بررة نبقى دائما بحاجة الى وفائهم للوطن والى ابناء الوطن.

مجتمع سليم

وأخيرا لم يكن بوسعنا الا ان نقف على رأي علم الاجتماع بضرورة الاهتمام باليتيم واعادة دمجه عنصرا فعالا بالمجتمع، عن ذلك تقول لنا الباحثة الاجتماعية سعاد صالح الاعرجي: ان الاهتمام بالجانب النفسي لليتيم مهم جدا من أجل خلق انسان خال من الأمراض النفسية الهدامة وقادر على مواجهة الحياة، فحرمان اليتيم من الحب والاهتمام يحوله الى قنبلة موقوتة معرضة للانفجار في أي وقت، لا قدر الله، يجب علينا ان نوفر له كل الاحتياجات العاطفية والنفسية والمادية والعلمية والثقافية، لنخلق بذلك مجتمعا سليما معافى.