رمضان يُبهج قلوب مستقبليه في العراق

381

ضحى مجيد  /

في هذه الأيام يحلُّ شهر رمضان المبارك ضيفاً عزيزاً على قلوب العراقيين وعلى قلوب المسلمين في سائر بلاد المعمورة، مستصحباً معه كل الخيرات والبركات، فهو شهر الرحمة والمغفرة للمسلمين عامة ولمن أعد العدّة لاستقباله خاصة.
ربما يكون يوم الاستقبال الأول ثقيلاً على بعض الصائمين، لكن بمرور أيام الشهر يتحول إلى جزء من الحياة اليومية، لعل بعضكم يسأل عن هوية هذا الضيف! إنه ببساطة شهر رمضان الفضيل.
لهذا الشهر خصوصية في العراق، فقد اعتادت العائلات العراقية على استقباله والتهيؤ له بجملة أمور باتت جزءاً من ثقافة المجتمع وتراثه، لعل منها تسوّق لوازم رمضان، إذ من المعروف أن الشهر الفضيل له خصوصية من حيث تنوع المائدة الرمضانية وما تشتمل عليه من أكلات عراقية مشهورة فضلاً عن الحلويات المتنوعة.
وللتعرف على ما تجهزه العائلات العراقية لهذا الشهر والاستعدادات الروحانية، فضلاً عن الطقوس والعبادات في هذا الشهر الفضيل، استطلعنا آراء بعض المواطنين:
السيدة (أم أحمد، ربة بيت، 50 عاماً) توجهنا إليها بالسؤال عن استعدادات أسرتها لشهر رمضان فأجابت قائلة: الاستعدادات لشهر رمضان كثيرة، منها ما يتعلق بالمائدة الرمضانية، فمن المعروف أن المطبخ العراقي متميز بأكلاته الشهيرة، ونحن نبدأ بالتسوق والتبضع لتجهيز موائد الإفطار، التي عادة ما يتميز فيها طبق الحساء (الشوربة)، فضلاً عن التمر واللبن والعصائر والأكلات الأخرى كالدولمة والمسكوف والبرياني.
وفي ما يتعلق بالذكريات في شهر رمضان حدثتنا السيدة (جنار مجيد، موظفة في محكمة أربيل) قائلة: إن أجمل ما في أيام رمضان هو اجتماع الأسرة على مائدة واحدة، حيث يحرص الجميع على أن يكونوا معاً قبل مدفع الإفطار. تضيف جنار: كنا نراقب الأكبر منا من أهلنا كيف يمارسون طقوس رمضان، بدءاً من الإفطار مروراً بالعبادات والصلوات، وصولاً إلى السحور وانتهاء بصلاة الفجر الجماعية داخل البيت، كانت أجواء رائعة أحاول الآن أن أكررها داخل أسرتي الجديدة للحفاظ على طقوس هذا الشهر الفضيل المبارك .
وعن ذكريات رمضان وطقوسه اليوم تحدثنا إلى السيدة (نازدار فتاح، معلمة ابتدائية، 40 عاماً) التي قالت: كنت أعيش في بغداد وقتذاك وأتذكر عندما كان الصغار يجوبون الأزقة في ليالي رمضان ويهتفون (ماجينا يا ماجينا حلّي الجيس وانطينا)، وكان أهل البيوت يعطونهم بعض النقود، وأتذكر أيضاً (أبو السحور)، وكان صوت الطبل يخيفني في البدء لكن سرعان ما اعتدنا عليه، وكان والدي يصحبنا إلى خارج المنزل لنراه وهو ينبّه الأهالي إلى موعد السحور، إنها ذكريات جميلة ورائعة جداً، نتمنى أن تحافظ كل الأجيال على طقوسها في شهر رمضان .
(أبو نوزاد، صاحب مخبز في منطقة شورش) يسترجع ذكرياته عن طقوس رمضان فيقول: تتسابق الأسر على شراء الخبز الحار قبل الإفطار بوقت قصير، وهذا الأمر يسبب زحاماً علينا، لكننا كنا نحاول أن نلبي كل حاجتهم من الخبز، ولاسيما أنهم صائمون.
وعن الطقوس الرمضانية في أربيل يقول أبو نوزاد: الزيارات المتبادلة بين الأسر كانت من أهم الطقوس، فضلاً عن الصلوات الجماعية في المسجد، ويردف بالقول: كانت بعض العائلات تخرج إلى المطاعم وقت الإفطار، ولاسيما تلك المطاعم الجوّالة المتخصصة بالمشاوي المتنوعة كـ (التكّة والكباب) في منطقة القلعة ومناطق تيراوة والإسكان، وكانت هناك أيضاً أمسيات رمضانية تحضرها العائلات في المطاعم، لكن اليوم في ظل جائحة كورونا لا يمكن، مع الأسف، ممارسة تلك الرفاهيات.
وعن واقع المطاعم في شهر رمضان توجهنا بالسؤال إلى السيد (فرست سعيد، صاحب مطعم في أربيل) الذي قال: إن إقبال الأهالي على المطاعم أثناء ليالي رمضان كان أكبر مما هو الآن، ويمتد من وقت الإفطار حتى وقت السحور. أضاف قائلاً: كنا نقيم برامج وأمسيات ومسابقات رمضانية داخل المطعم بهدف الترويح عن العائلات التي ترتاد مطعمنا، لكننا اليوم ملتزمون بالقيود الوقائية التي فرضتها علينا جائحة كورونا، لقد تأثر عملنا على نحو كبير ولا نعتقد أننا قادرون على توفير تلك الأجواء السابقة لأن الإقبال أصبح قليلاً في ظل الإجراءات الوقائية.
كما التقينا السيد (أبو تسنيم، متقاعد، 60 عاماً) وسألناه عن رمضان في ظل جائحة كورونا، فأجاب: كنا في الماضي طوال أيام رمضان نتبادل الزيارات ونتناول الإفطار مع الأهل والأقارب على نحو يومي تقريباً، لكننا اليوم لا نستطيع تكرار تلك العادات الأصيلة، بل إننا لا نستطيع الذهاب إلى المسجد بشكل جماعي حتماً، لقد فقدنا كثيراً من سعادات رمضان التي كنا ننتظرها بلهفة، لكن في كل الأحوال ما باليد حيلة، علينا أن نلتزم بالإجراءات الوقائية تحسباً لتفشي الوباء.
وفي سؤال عن أسعار البضائع وأحوال السوق يقول أبو تسنيم: صار معتاداً لدينا في الأيام التي تسبق شهر رمضان أن يرفع التجار أسعار السلع، ولاسيما تلك المتعلقة بأكلات رمضان، نتمنى أن تكون هناك مراقبة على أسعار السوق، لكن بعض التجار يتذرع اليوم بانخفاض سعر صرف الدينار أمام الدولار.
وفي سؤال عن ذكرياته في شهر رمضان يقول أبو تسنيم: لعبة (المحيبس) تكاد تكون أيقونة شهر رمضان، لكنّ هذه اللعبة اليوم ليست رائجة في محافظات الإقليم، كما في المحافظات المجاورة كالموصل وكركوك، إذ كانت حاضرة وكنا عندما نتزاور مع الأصدقاء أتذكر كيف كان الشباب من كل منطقة يتبارون مع منطقة أخرى وتكون الهدايا توزيع الحلويات على الحضور في آخر المباريات.
لعل أمنيات العراقيين، من أقصى شمال الوطن إلى أقصى جنوبه، تشابهت والتقت كلها في التضرِّع إلى الباري عزّ وجلّ أن يحفظ بلادنا وشعبنا من كل سوء وأن ينعم علينا بالأمن والسلام والازدهار.