سدة الهندية.. تبرع بأرضها هندي.. وبناها عثماني

372

علي لفتة سعيد /

حين فكّر العثمانيون، الذين احتلوا العراق، بعملية تنظيم المياه في نهري دجلة والفرات من أجل السيطرة على الفيضانات من جهة، وتنظيم عمليات الري والإرواء من جهة أخرى، كانت فكرة السدود والنواظم هي الحل الأمثل، ومنها إنشاء سدة الهندية جنوبي بغداد شمالي مدينة الحلة.
وكانت البداية عملية شق نهر أطلق عليه (نهر الهندية) نسبة الى ثري هندي حين رأى أن ثمة أراضي شاسعة تقع بين ثلاث محافظات هي بابل والنجف وكربلاء، يتفرع بمرور الزمن من نهر الفرات الحالي.. وهو الأمر الذي قرر فيه السلطان العثماني في القرن التاسع بناء سدة من تراب وخشب، فجرى استدعاء مهندس فرنسي ليصمم السدة، فيما أسهم أبناء العشائر في العمل بتنفيذ المشروع.
يقول الباحث (حسن الوزني) إن “سدة الهندية تعتبر واحدة من أهم وأقدم مشاريع الري في العراق، إذ يرجع تاريخ بنائها الى 1886 م.. ويضيف أن من قام بتصميمها هو المهندس الفرنسي (شون ديرفر) بطلب من الحكومة العثمانية، وأن سبب تسميتها يعود الى رجل هندي اسمة (محمد شاه الهندي) الذي تبرّع بالمال لحفر نهر يوصل الماء الى مدينة النجف ابتغاء الثواب والأجر.” يضيف الوزني أن “الأمر حدث مصادفة، إذ تحوّل الماء الى هذا النهر بسبب انخفاضه عن الأرض التي يمر فيها الفرات الى مدينتي الحلة والديوانية، فانقطع الماء عنهما لمدة عام إلّا في حالة الفيضان، ولما كان لواءا الحلة والديوانية يقعان على النهر الأصلي، فإن معظم واردات الدولة كانت منهما، لذا قررت الحكومة إقامة سدة على نهر الهندية ليستقيم مجرى الماء. ولتنفيذ هذا السد اقترح الفرنسي (شون ديرفر) جلب مليون طابوقة من آثار بابل، وأعد وثيقة رسمية لكل الجوانب المتعلّقة بسدّة الهندية وما تحتاجه من إجراءات فنية ومالية، فضلاً عما تحتاجه من أمور مادية كالأحجار والطابوق وضرورة نقلها بصورة كافية من هيت أو من خرائب بابل لإنشاء السدة.” ولفت الوزني الى أن المادة المستخدمة في البناء هي خليط من النورة والطابوق والرماد.
انهيارات وتشييد جديد
وذكر الباحث الوزني أنه “بعد أكثر من خمس سنوات بقليل، أي في1891م، انهارت السدة وجفت أراضي بابل وعادت ثورات الفلاحين، ما جعل الحكومة العثمانية تأمر ببنائها من جديد واختارت مهندس الري الإنكليزي (وليم ويلكوكس) لتصميم السدة من جديد، ونفذتها شركة (جون جاكسون) البريطانية بين عامي 1910 – 1912م، وكانت مواد بنائها الطابوق والآجر والنورة.” ويشرح الباحث أن “التصميم يقوم على قسمين، الأول هو السدة الرئيسة، والقسم الثاني هو السدة نفسها، مضاف إليها سد غاطس في نهايتها، ويذكر أن السدة تعرضت عام 1903 الى الانهيار، ما أدى الى جفاف فرع الحلة وتحول معظم مياه الفرات الى فرع الهندية مرة أخرى، لذا استدعت الحكومة العثمانية المهندس الإنكليزي وليم ويلكوكس، الذي كان يعمل آنذاك في مصر، الى العراق لإعداد دراسة حول طرق استغلال مياه نهري دجلة والفرات بالشكل الامثل. والى جانب ذلك، فقد كلفت الحكومة العثمانية عام 1906 المسيو (لوتي كوونيه)، وهو أحد خبراء الري في أوربا بالنظر في إمكانية بناء السدة مرة ثالثة. وقد وصل السير وليم وليكوكس أواخر 1908 بصحبة عدد من المهندسين، وبعد ثلاث سنوات بدأ العمل من جديد ليستغرق ما يقرب من سنتين وتسعة أشهر، إذ انتهى العمل فيها عام 1913.”
شعر وحجر أساس
لكن الباحث (عباس محسن الجبوري) يذكر أنه “في عام 1836 قام واليا بغداد علي رضا باشا، وبعده محمد نجيب باشا عام 1842، بإنشاء سدّ على فرع الهندية بغية تحويل مياه الفرات الى الحلة. لكن عبد الكريم نادر باشا الذي أصبح والياً بعدهما سنة 1849 أنشأ سدّاً بواسطة نقل كميات كبيرة من الآجر من آثار بابل.”
وأضاف: “في عهد السلطان عبد الحميد الثاني اكتمل بناء سد من الآجر على صدر نهر الهندية. وهناك أطلال تسمى (القوالب) في وسط النهر مقابل مدرسة سدة الهندية، إذ جرى وضع حجر الأساس لهذا السد الجديد، وهو شاخص حتى يومنا هذا ويسمى بـ (المنارة) وقد كتب عليه:
(لما تحول نهر الفرات عن مجراه وعدل الى غير جهته كما تراه، أمرنا بإنشاء هذا السد السديد المحكم، وشق هذا الخليج على الوجه الأتم، من كان أمره المطاع جارياً على وجه الأرض جريان الماء في الفرات، عميم الخيرات عظيم الميزات، سيد سادات السلاطين، مولانا أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين، فخر سلاطين آل عثمان، السلطان الغازي عبد الحميد خان، ابن السلطان الغازي عبد المجيد خان، كان الله تعالى متكفلاً بنصره، وقرن التوفيق بمطاع أمره لإحياء الأرض بعد موتها، وري أرض الحلة الفيحاء وما يليها من الأنحاء، وقد وافق الفراغ من ذلك في السنة الثامنة بعد الثلاثمائة وألف…)”
وتابع الجبوري أنه “على الرغم من التدابير، فقد أصبح السد عام 1905 في حالة أشبه بحالة المحتضر حين انقطع الماء عن نهر الحلة، وعلى إثر ذلك أبرق السيد محمد القزويني بن السيد مهدي، أحد اشراف المنطقة الى والي بغداد ناظم باشا بيتين من الشعر:
قل لوالي الأمر قد مات الفرات
ومضت عنه أهاليه شتات
أفترضى أن يموتوا عطشاً
وبكفيك جرى ماء الحياة
وهو ما أدى الى بناء السدة الحالية في شهر شباط من عام 1911 في عهد السلطان العثماني محمد رشاد الخامس، وافتتحت رسمياً بعد اكثر من سنتين وبكلفة قدرها 187 ألفاً و119 باوناً إسترلينياً..