سفراء النظافة..حملة لتنظيف ضفاف نهر دجلة

390

آية البهادلي /

لم يكن مرتضى التميمي يعلم أنه، بعد أن يلف العالم، ويعيش لحظاته المفضلة (الغروب) في كل البلدان العالم، بسكينة وهدوء، لم يكن يعلم أنه سيصاب بالخيبة والخذلان، حينما يكون المشهد في بلاده تعيساً مؤذياً.
مرتضى، المغترب في كندا، حيث يعمل كمهندس برمجيات، توجه في زيارة اعتيادية الى مدينته بغداد، التي عاش فيها فترات طويلة من حياته.
يقول لمجلة “الشبكة العراقية”: “أردت قضاء إجازتي في بلدي، ومشاهدة الغروب مع والدتي على ضفاف نهر دجلة، إذ أني أحبه جداً، وأحب التواجد معه لكونه أهم شريان في البلد، لكن ما صدمني وأحزنني جداً كان منظر النفايات في الأماكن القريبة من شاطئ النهر.”
التنظيف قرب دجلة
فكر مرتضى في كيفية إعادة الروح الى هذا النهر الذي بدأ يموت تدريجياً بسبب الإهمال والنفايات، يقول لمجلة “الشبكة العراقية” إن “فكرة تنظيف الشواطئ المحاذية للنهر أمر ليس بالهيّن، بل يحتاج إلى جهود كبيرة ليست فردية أبداً.” لكنه، مع هذا، لم يستسلم، ولم يمنع نفسه من المحاولة، فقرر التوجه وتنظيف هذه الجهات بنفسه، ولوحده.. نعم لوحده!
يقول: إني “شعرت بالحزن فعلاً، فقررت تنظيف ضفاف النهر بنفسي، وقد قمت بتوثيق كل ما فعلته في فيديو صغير من أجل نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي اليوم الأول ذكرت أني سأفعل ذلك بشكل مستمر وسأفرح بمساعدة الآخرين، فوجدت أمي هي أول الداعمين لي، مع عشرين شخصاً تقريباً.”
مفاجأة سارة
بعد الفيديو الأول الذي أطلقه مرتضى في حملته، عن قيامهم بتنظيف كامل وتغيير جذري للمكان، فوجئ بدعم ومساندة من أشخاص مؤثرين في السوشيال ميديا، إذ قدموا وقدم معهم محبوهم ومتابعوهم، ليصبح عدد المتطوعين في الأسبوع الذي بعده، ما يقرب من ٥٠٠ شخص!
“أطلقت على هؤلاء الأشخاص اسم (سفراء النظافة)، لأنهم فعلاً سفراء، قدموا من محافظات وأماكن بعيدة لتقديم النظافة لبلدهم ولنهر دجلة بالذات، كنت مأخوذاً بسحر التعاون الكبير بين الجميع وكيف جرى تقسيم الأدوار بينهم.”
سفراء النظافة
يكملون الحملة التي ينظمها مرتضى كل يوم جمعة في مكان معين يتم تحديده في تجمعهم الإلكتروني الخاص، ثم ينطلق الشباب والشابات، الذين وضعوا خطة قسموا من خلالها ضفاف دجلة إلى مناطق ومدن عديدة، لكي ينظفوا كل جزء على حدة دون تخبط، وأيضاً لمعرفة الأماكن الأكثر حاجة للتنظيف، فهم كانوا لا ينظفون وحسب، بل يجعلون المكان جديداً، حتى أن أهالي المناطق التي تقع على ضفاف النهر، صرحوا بأن هذه الأجزاء القريبة من دجلة لم تنظف منذ أكثر من ١٥ عاماً، فتراكمت النفايات حولها بحيث صارت جزءاً منها.
“تمكنا -حتى اليوم- من جمع أكثر من 20 ألف كيس من النفايات، إذ استعمل كل تجمع من تجمعاتنا يوم الجمعة 3 آلاف كيس، وقمنا بتوزيع (باجات) شخصية للمتطوعين المواظبين على التنظيف بشكل أسبوعي، لتحفيزهم على الاستمرار.”
من بغداد إلى مدن أخرى
وانتقلت الحملة الأسبوعية لسفراء النظافة من بغداد لتشمل أكثر من خمس عشرة محافظة استطاعت، خلال أسابيع عدة، كري وحرث الأرض الموازية للنهر وجعلها نظيفة جداً. لا يستطيع مرتضى تقدير العدد الحقيقي للمتطوعين، لكنه يذكر أنهم آلاف الشباب وحسب، آلاف المحبين لبلادهم، الطامحين ببيئة أفضل وأجمل. يؤكد مرتضى أن ما يطمح إليه في حملته ليس الاستمرار بالتنظيف فقط، بل المداومة على تنظيف ربوع البلاد وعدم إهمالها كما حصل لهذه الزوايا، حتى صارت سيئة لا يستطيع المارة السير عليها. يوضح أكثر في حديثه لـ “مجلة الشبكة”:
“نحن لا نريد أن ننظف المكان لمرة واحدة ثم ينتهي الأمر وكأن لا نفايات ستجتمع مجدداً حوله، نحن نحتاج إلى التوعية، توعية المواطنين بضرورة الحفاظ على البيئة بجعلها صالحة أكثر، والاستمرار في تنظيف كل شيء، أولاها حواف النهر.”
الحملة أسبوعية ومستمرة
وسوف تستمر حملة سفراء النظافة، وبشكل دوري، حتى بعد سفر مرتضى، الذي يشعر بأن المسؤولية باتت عامة وجماعية بوجود مئات المتطوعين، الذين يحضرون كل يوم جمعة، ويستمرون بالتنظيف لأكثر من ست ساعات متواصلة. يحتاج مرتضى للتبرعات الخاصة بأدوات التنظيف لأنها كثيرة، ويجب أن تكون بحجم العمليات التنظيفية، إذ أنهم، ورغم اكتفاء السفراء بالتنظيف بأيديهم، إلا أن الكثير من النفايات تكون قاسية وتحتاج الى أدوات ضخمة وعديدة لجرف النفايات.
“بعد انتهاء كل حملة تنظيف يقدم لنا أصحاب المطاعم القريبة والبعيدة وجبات مجانية كجزء من الشكر لما فعلنا، فنستمتع بتناول وجباتنا جميعنا قرب النهر، لكن بصورة نظيفة وجديدة، فيكون الغروب اجمل!” يقول مرتضى التميمي ذلك بفخر لـ “مجلة الشبكة” ويطمح باستمرار الحملات.
نحن بحاجة إلى التوعية
من ناحيته، يوضح أحمد الدراجي، وهو أحد المتطوعين المواظبين على التنظيف كل يوم جمعة في حملة سفراء النظافة، إن “الحملة تهدف إلى توعية الآخرين، ذلك أن هناك الكثير من المواطنين لا يرمون النفايات في أماكنها المخصصة لها، بل يعمدون إلى رمي النفايات قرب النهر للسهولة .”
يضيف: “إكثارنا من هذه الحملات ستجعل المواطنين المهملين في حالة تساؤل عن طريقة تصرفاتهم وتعاملهم مع مدينتهم ونهرهم الذي هو أساس الحياة، إذ ينبغي تحذيرهم من مخاطر التلوث المنتشر في العراق دون أن ينتبهوا.”
الجميع يريدون بيئة نظيفة
ويبين الدراجي أن الجيل الجديد يمتلك كماً عالياً من المسؤولية وحب البلد والتطوع لخدمته في كثير من الأمور، من أهمها الحملات التوعوية التطوعية المعنية بالنظافة، فبالرغم من أنها ليست مسؤوليتهم، لكنهم لا ينتظرون شيئاً سوى رؤية بلادهم نظيفة.
يوضح بقوله “كنت أرى دائماً هذه النفايات وأتساءل: كم علينا الانتظار لتنظيفها؟ كم من الوقت ستحتمل قبل أن تنفجر بنا؟ وما إن انطلقت الحملة في السوشيال ميديا حتى كنت وأصحابي من أوائل المتوجهين للتنظيف، ولم أكن اتخيل رؤية هذا العدد الهائل من الشباب، وكم هم الذين يرغبون في رؤية بلادهم نظيفة؟ إذ في حملة واحدة تقدم أكثر من ٥٠٠ شخص للتطوع، جميعهم يرغبون ببيئة راقية، لكنهم بحاجة لـ (دفعة) بسيطة وتحفيز صغير، ومرتضى تمكن ببراعة من تحفيزنا.”