سويديون يوصون بحرق جثثهم !

949

آمنة عبد النبي /

تراجيديا نارية هائلة بطلتها جثّة سويدية شابة، تقطعّ جسدها العشريني المغدور بفوبيا إجراميّة مخططة على يدِ سفاح مهووس بسلخ الأعضاء، لكن المفاجأة حينمّا اجبرت “ايڤا هون” بوصيتها الجميع بطحنِ جثتها داخل محرقة بشرية عملاقة وكأنّ القدر اللعين يتبادل مع أشلائها ادوار التعذيب، اعتقاداً منها بأنّ النار ستحرس بقاياها الطريّة من مخالب الديدان، وباعتبارِ ان صهر العظام البشرية وطحنها ميكانيكياً داخل كهف ناريّ يُذوّب طبقات اللحم المتفحم حدّ الانسحاق، وبعدها يتم تفريغ هذا المسحوق بقارورة، ربّما تُدفن بقبرٍ معنون، او ثُنثر بأحضان البحر للذكرى، او تُخفى ببقعةٍ وهمية، كطريقة رحيمة لخلود الأرواح!

ترى لماذا تزايدت الحاجة في وصايا السويديين بحرق جثثهم وطحنها باللهيب، هل هناك فكرة عقائدية تقف خلف الرغبة، او ربمّا طبيعة البيئة جيولوجياً لها علاقة بتفاعل معادن الجسد بعد الحرق، ام انّ العامل الاقتصادي المشروط بقلّة التكاليف هو لاعب اساس في الموضوع؟

طحن وتسخين

“بيتر اوستلاند” مدير محارق مقاطعة ستوكهولم، الذي فتح لمجلتنا فكوك المحارق الرحيمة وألسنتها اللاهبّة، وبالتفصيل المُخيف:

الرغبة بالحرق شأن خاص بوصية المتوفى او ذويه حصراً، وآلياتنا تتلخص بوضع الميت داخل التابوت مع ملابسه الشخصية احياناً او بملابس المستشفى، لاضير، لأن الاختيار هنا تابع لذويه فقط، وبعد استكمال تجهيزه داخل النعش يتم ادخالهِ الى المحرقة حيث تستخدم درجات حرارة مرتفعة تصل الى 1.100 درجة سيليزية بهدف تسخين الجثة في عملية كيميائية حرارية تُسمى التكليس، حيث تحرق الجثة ويتم التأكد من نثارها بين فترة واخرى بالتقليب وبنهاية العملية فلايبقى من الجثة سوى بقايا من عظم الركبتين والوركين والرماد الذي يتم وضعه داخل قارورة صغيرة.

جدير بالذكر هنا، ووفقاً للقانون، فلايسمح للعائلة الاحتفاظ بالقارورة في المنزل ولايسمح بنثرها في الطبيعه بل لابد من دفنها، اما قضية نثر الرماد في الطبيعة فلابد من استحصال موافقات قيادة المقاطعة لنثر الرماد والذي ينحصر نثره فقط في البحر، ولايسمح نثره في بحيره أو نهر، ولابد أن يكون النثر بعيداً عن الساحل بعددٍ من الكيلومترات حتى لايتأثر السكان به بصورةٍ ما، علماً ان هذا الشيء لايحدث إلاّ نادراً حينما يوصي المتوفى بنثر رماده.

قبور روحيّة

وحول التمييز بين القبر المحروق والمدفون كاملاً وآخر لاقبر له اصلاً وانما فقط مساحة روحية محاطة بالورود والشموع، تحدث لنا القس “بار سلندر”:
الكنيسة داخل المقبرة تخصص مكان معيناً يُشير للقارورات ومكان آخر للمدفونين، وايضاً يوجد هنالك مكان في غالبية مقابرنا للذين لايرغبون بوضع اي أثر لهم والذي يكون عبارة عن مساحة داخل المقبرة محاطة بالورود فقط وايضاً تُضاء من ذويهم بالشموع ليلاً كي لايستوحشوا، وكأنما بقعة مخصصة لاجتماع الارواح الرحيمة فقط، وفي احصاءات نسبِ الرغبة المتزايدة بالحرق، نجد انّ ستوكهولم ٩٠% حيث تقف في المقدمة وهذا تابع ربما كونهم غير مؤمنين بحيوات اخرى، ويرون أن الحرق افضل وأرخص ولاياخذ مكانا، اما في خارج استوكهولم اي في المحافظات الاخرى فالنسبة ٨٢% اي اقل.

تفسخ عضوي

قوانين التفسخ العضوي وتدويراتها بتأثيث الجسد مرة اخرى وضمن حياة اخرى، كانّ رأي المدون والمهتم بالشأن العلمي”احمد الحسني” مضيفاً :
بالاضافة الى الوعي البيئي والاقتصادي الموجودين في دول العالم الاول، هناك وعي علمي مترسخ عند هذه الأمم، وعي ناتج عن معرفة الشعوب بالقوانين العلمية للتفسخ العضوي، وتحول المادة، فلذلك يعمد الكثير هناك الى اختيار الطريقة التي (تجانسه مع الكون) بصورة أسرع لأعتقاده بأنه سيكون جزءا من حياة ثانية، في كائن ثاني، وهذا ما يقوله قانون حفظ الطاقة، بأن: الطاقة لاتُفنى ولاتُستحدث.

بيئات تأريخية

حرق الميت هو معتقد قديم جداً، بقدمِ حضارات بابل وبلاد فارس، ويعتقد أنه مأخوذ من كهوف الديانة اليهوديّة، هو العرق التأريخي الذي نبض بذاكرة الكاتبة العراقية المغتربة” ثناء السام”عند منتصف الحديث قائلة:

ولكنه مُنع بعد ذلك في بلاد مابين النهرين وصارالناس يدفنون الموتى، بعد ذلك انتقلت هذه الظاهرة إلى روما ومن ثم انتشرت في أوروبا كلها وعندما جاء المدّ المسيحي بدأت هذه الظاهرة بالاضمحلال لان الاعتقاد المسيحي يؤمن بعودة روح الميت لذلك كانوا يتركونه داخل النعش لمدة ثلاثة أيام كما عاد السيد المسيح بعد صلبه. اضيفي الى ذلك لاننسى تأثر الشعوب الأوروبية بالآسيوية كالهندوسية والبوذية، ومن المعروف أن الفاينكنغ كانوا يدفنون الموتى ولا يحرقون جثثهم إلا في حالة الاوبئة، اما قضية لماذا انتشرت تلك المحارق والرغبة الجارفة الآن في السويد، فأعتقد ان للقضية سببين الأول والأشهر اقتصادي بحت ومشروط بغلاء تكاليف الدفن وملحقاته، امّا السبب الثاني فعلاقته مرتبطة بفكرة بيئية حسب الاعتقاد السائد من انّ حرق الميت له تأثير اقل ضرراً على التربة وبيئتها.

Sent from my iPad