صناعة السجاد اليدوي يتراجع في اربيل

757

ضحى مجيد سعيد /

المدة التي يستغرقها إنجاز السجاد اليدوي وكلف إنتاجه العالية، أديا الى ارتفاع أسعاره، وضعف الإقبال عليه، ولاسيما مع توفر السجاد الصناعي المستورد بأسعار مغرية. لكن صناعة السجاد اليدوي في أربيل تمثل موروثاً شعبياً تعود جذوره التاريخية الى آلاف السنين، ولهذا فثمة مساعٍ للحفاظ عليها عبر توارثها بين العوائل وتعليم النساء خاصة على ممارستها.

تؤكد المصادر أن النساء اشتهرن بغزل السجاد من صوف الحيوانات والمواشي في محافظات إقليم كردستان، وهو المادة الأساسية لصناعة السجاد اليدوي التي ماتزال تصارع الحداثة، على الرغم من وجود المعامل المختلفة التي تختص بصناعة السجاد بأشكاله.
تاريخ وجذور
يقول همام حسين عبد الله (يعمل صانعاً حرفياً ومهتماً بصناعة النسيج والغزل، يبلغ من العمر ٤٥ عاماً) إن “هذه المهنة تعود جذورها إلى آلاف السنين وكانت تعتمدها العائلات كمصدر رزق وحيد لكسب لقمة العيش للرحَّل من الأكراد في ذلك الوقت إذ كانوا يعتمدون على الخامة الطبيعة (صوف الحيوانات)، التي كانت تمثل ثاني أهم المهن -بعد الزراعة- التي تنشط في الإقليم.”
وأشار حسين الى تطور معامل صناعة النسيج بألوانه وأشكاله المختلفة من السجاد، ولاسيما بعدما أدخل الحرفيون عليها إضافات معاصرة باستخدام آلات بسيطة تساعد في تحسين نوعية العمل، مبيناً أن هذه المعامل كانت منتشرة في عموم الإقليم، ولا يزال قسم منها يعمل لغاية الان.
ويبين حسين أن هناك أماكن مختصة ببيع وغزل السجاد اليدوي في عموم محافظات الإقليم، أهمها يقع في منطقة قضاء حرير -إحدى نواحي شقلاوة- على بعد ٦٦ كيلو متراً عن محافظة أربيل، وفي هذه المعامل يُصنع السجاد بأنواعه المختلفة، كتلك التي تستخدم للجلوس على الأرض وبأشكال جميلة تنقش عليها لوحات جميلة جداً.
ويعود تاريخ بناء أهم مصنع للسجاد بمنطقة حرير إلى عام ١٩٨٣ أي منذ ما يقارب الـ 4٠ عاماً، ومازال مستمراً في إنتاج السجاد بأنواعه المختلفة، واللافت أن معظم العاملين في المعمل هن من النساء اللاتي يتقنَّ المهنة ويبدعن في حياكة نقشاتها.
يقول عبد الله: أعمل في هذه المهنة منذ ما يقارب الـ ٣٠ عاماً منذ كنت صغيراً، وقد ورثت تفاصيل الصنعة عن والدي، وأنا الأن –أيضاً- أحاول نقلها إلى أولادي، ونحاول قدر الإمكان أن نتوارث هذه المهنة لأنها عنوان للفلكلور والتراث الكرديين، مضيفاً أن هذه المهنة تعبر عن تاريخ وتراث كردستان، تناقلتها الأجيال منذ آلاف الأعوام.
ويؤكد عبد الله أن هذه الحرفة تحتاج الى مهارات خاصة. أما عن عدد المعامل الموجودة في الإقليم فقد أجاب: أن عدد المعامل في عموم الإقليم هو ثمانية معامل فقط بعد أن كان عددها عشرين معملاً أنشأتها الحكومة منذ عام 1970.
واستدرك قائلاً: إن ما يميز السجاد المحلي القديم عن المستورد هو الخامة الطبيعية، وتحديداً (صوف الغنم)، مشيراً الى أن السيّاح يقصدون الأسواق لشراء بعض أنواع السجاد كقطع فنيه تراثية تعبر عن حضارة وشعب كردستان.
وقال إن هناك متحفاً مختصاً بالنسيج الكردي، أو (متحف الغزل) كما يُسمّى، وهذا المتحف أنشئ في مطلع عام ٢٠٠٤ وهو مختص بعرض السجاد اليدوي المصنَّع محلياً، ويعود الى حقب زمنية مختلفة ويقع وسط قلعة أربيل، اذ يصل عمر القطعة الواحدة المعروضة الى ١٠٠ سنه وبعضها الى ٢٠٠ سنة، كل قطعة منها تروي تاريخ وأسلوب الحياة في أربيل آنذاك.
كما يضم هذا المتحف معملاً مختصاً بصناعة السجاد المحلي تعمل فيه مجموعة من النساء اللاتي دُربن على صناعة السجاد اليدوي، لكنه توقف عن العمل منذ سنوات بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في الإقليم خلال السنوات الأخيرة.

مهنة لا تخلو من الصعوبات
ولتسليط الضوء أكثر على أحد المراكز المختصة بصناعة السجاد اليدوي في حرير، التابع إلى وزارة العمل والشباب، تحدثنا الى ياسمين عبد الله الصالح، التي تعمل حرفية في معمل السجاد اليدوي، وهي من أهالي مدينة حرير تقول: إن العمل في صناعة السجاد اليدوي ليس سهلاً ولا يخلو من الصعوبات.
وتوضح: “قبل أن نبدأ بتصميم اللوحة (الطلبية) نسأل الشخص عن شكل اللوحة وقياسها وطريقة تصميمها، إن ما يميز هذا المركز عن مراكز صناعة السجاد اليدوي هو تنوع الأشكال والتصاميم وكيفية صناعة اللوحات الفنية في المعمل، مشيرة الى أن جولة واحدة في أروقة المعمل -بالنسبة للسائح- ستكشف العديد من الصور والشخصيات الكردية والعالمية كلها مستوحاة من حياة الناس، وكلها نسجت وغزلت بأيدينا، إن أهم ما يميز صناعة السجاد اليدوي هي المواد الخام التي يصنع منها، وعلى ما تحويه من جودة عالية، وهذا ما يميزها عن السجاد الصناعي.

مراحل العمل
توضح ياسمين أن هناك (دبوساً خاصاً) يستخدم في نقش اللوحات الفنية والرسمات على السجاد، وهو من المعدات الرئيسة للعمل في ربط الخيوط بعضها ببعض عن طريق هذا الدبوس، فضلاً عن المطرقة والمشط لتعديل وتمشيط السجاد. تضيف الصالح أن هناك مراحل تمر بها اللوحة الفنية بدءاً من التصميم مروراً بصناعة وغزل خيوط الصوف، في المرحلة الأولى من العمل نقوم بربط الخيوط بعضها ببعض بطريقة (الزيك زاك) والحبل، وينجز هذا العمل بين عاملتين او أكثر لكي نتجنب أي خطأ، وهذه الخطوة هي أساس العمل حسب الخيوط ومحتوى السجاد، يوضع قياسها حسب وضع خيوط الطول والعرض، ويجب أن توضع الخيوط بدقة لغزل السجاد بشكلٍ منضبط وبدون أية زيادة أو نقصان، لأن الزيادة والنقصان من الممكن أن يتسببا في تلف المشروع بالكامل، كما يجب أن تحسب الخيوط بدقه على جهاز الغزل، مع العمل على ضبط عدد الخيوط.
أما المرحلة الثانية فتتضمن الغزل والضبط الدقيق، وهي مرحلة التصنيع، وهذه المرحلة تتسم بالدقة والحساسية والإنجاز البطيء، وتحتاج الى وقت طويل لتنتهي، وعادة ما تحتاج من اثنتين الى ثلاث عاملات إحداهن تعمل على غزل محتوى السجادة حسب الألوان التي رسمت في ورقة التصميم، بعدها يتم وضع الخيوط الحريرية والصوف حسب التصميم، وأخرى تعمل على مساعداتها في ضرب -أو طَرق- السجادة، ثم تسير الخطوات تباعاً لتتداخل الخيوط بعضها ببعض وتظهر اللوحة على حقيقتها. أما المرحلة الأخيرة فتتضمن قطع الخيوط الزائدة بالمقص، مضيفة: نحن النساء هنا نعمل بروح الفريق الواحد وبجدية، وهذا مطلب مهم لرسم وتصميم لوحة معينة على السجادة، مشيرة الى أن طبيعة هذا العمل تمزج بين الفن والحرفة.
وتؤكد الصالح أن العاملين يسعون أيضاً الى منع اندثار هذه الحرفة من خلال تعليمها ونشرها بين النساء خاصة، والتأكيد على توارثها بين العوائل.
وأشارت الى أن فترة صناعة سجادة كبيرة على شكل لوحة فنية قد تستغرق عاماً كاملاً، لكن في الغالب نحن نركز على صناعة السجادة الصغيرة التي تستغرق عشرة أيام لإنجازها.

الدعم الحكومي
فيما يقول هوشيار رعد حيدر “35عاماً” ويعمل تاجر سجاد :”نستورد سنوياً بملايين الدولارات أنواعاً مختلفة من السجاد التركي والإيراني والصيني، وهذا هو المستهلك كثيراً في أربيل، ونبيع ما يقارب الـ ٥٠٠ قطعة تقريباً يومياً، ولاسيما مع اقتراب فصل الشتاء من كل عام، مشيراً الى أن الجودة والأصالة تبقى في السجاد المحلي لما يحتويه من خامة أصلية، وهو بالطبع أغلى من المستورد بأضعاف، باعتبار أن السجاد المصنع يدوياً جزء من التراث.
ويبين أن تراجع الإقبال على السجاد اليدوي يعود الى ارتفاع أسعاره بسبب طول الوقت المستغرق في إنجاز السجادة، فضلاً عن غياب الدعم الحكومي لهذه الصناعة بما يسهم في انتعاش الصناعة المحلية اليدوية، وهذا تسبب في عجز الصناعة المحلية عن تلبية متطلبات السوق واحتياجات الناس، كما أن المحال المختصة بصناعة السجاد يدوياً قليلة جداً، كما تتركز في زوايا قلعة أربيل محال يقصدها السيّاح يتوفر فيها السجاد اليدوي بكل أنواعه وأشكاله.