“طرف العباسية”.. عُرف بردّاته السياسية المناهضة لجور السلطات

1٬061

 حسين محمد الفيحان/

ينطلق موكب “طرف العباسية” في الليالي العشر الأولى من شهر محرم الحرام مع عشرات المواكب في مدينة كربلاء مُحيياً ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف, وهو ثامن طرف من أطراف كربلاء. أُنشئ عام 1888م، وقد عرف منذ أكثر من مئة عام بردّاته وهتافاته السياسية المناهضة لجور الحكومات وسلطات الاحتلال المتأثرة بالواقع الذي يعيشه الشعب العراقي, فهو منبر يصدح بجميع قضايا البلد,

لا سيما ما يمر به اليوم من ظروف سياسية واجتماعية وأمنية, حيث اعتاد شعراء الموكب على توظيف الوضع السياسي كمادة أساسية في الردّات التي تعبر عن الواقع الذي يعانيه المواطن على مدى حقب متعاقبة منذ أيام الدولة العثمانية وصولاً الى هذا العام.

الحاج حامد كاظم الوزني, كفيل موكب طرف العباسية، قال لمجلة “الشبكة”: إن ردات الموكب هذا العام ركزت على جهود القوات الأمنية والحشد الشعبي في تحرير مناطق البلاد من تنظيم داعش, وأدانت الاستفتاء والخطوة الانفصالية التي يسعى لها مسعود برزاني في إقليم كردستان, و كذلك تردي واقع الخدمات في البلاد وضياع حقوق المواطن فيه بسبب مبدأ المحاصصة الحزبية.
ومن ردّات هذا العام:

للحشد الشعبي والجيش موقف بطولي صامد إيد بإيد ومتحزمين ضد كل تكفيري وحاقد ..

لبوا نداء الجهاد .. وانطوا درس للأوغاد

يحسين اتظل قدوتنا .. باسمك نرفع رايتنا

المشاركة في جبهات القتال

وأكد الحاج الوزني أن الموكب، الذي أخذ على عاتقه وضع كل ما هو جديد من القضايا في ردّات العزاء الليلي, لم يقتصر منذ الثلاث سنوات الماضيات على الخدمة الحسينية للزائرين والخروج بمواكب العزاء، بل كانت له مشاركة في جبهات القتال ضمن تشكيلات الحشد الشعبي قدم فيها عشرات الشهداء خلال معارك التحرير ضد عصابات داعش الإرهابية منذ العام 2014م وحتى اليوم ابتداءً من جرف الصخر وصلاح الدين والأنبار الى الموصل والحويجة حالياً.

أما الحاج أبو نورس، أحد كبار خدّام موكب طرف العباسية، فقد بيّن لـ “الشبكة” تأريخ الموكب قائلاً: بعد التأسيس في عام 1888م تجمع شيوخ وكبار الطرف لإقامة مأتم ومجالس حسينية في بيوتات محلة العباسية, وقرروا في عام 1921م أن يتجمع كل أبناء هذه المحلة (الطرف) للنزول بموكب موحد لمرقد أبي الفضل العباس ثم الى مرقد الإمام الحسين ليرتقي المنبر رادود حسيني هناك يُختَتم به نزول العزاء، وكان هذا مرة في كل عام الى سنة 1928م حين أصبح موكب جمهور طرف العباسية منظماً يخرج أفرادهُ بشكل يومي خلال العشرة الأولى من شهر محرم الحرام من (التكية) التي نُصبت في شارع العباس محل خان (البهرة) الان, قبل انتقالها الى موقعها الحالي مقابل مقهى الزوراء في شارع العباس ايضاً, مرددين هتافاتهم السياسية المطالبة بالحرية والتحرر وحقوق الشعب مروراً بصحن أبي الفضل العباس ثم الى صحن الإمام الحسين (عليهما السلام) .

مجابهة سلطة البعث

وقال إن الموكب كان، وما يزال، أكبر مواكب وأطراف كربلاء, وكان على تضاد مع السلطات والحكومات, ففي عام 1964م اعتقل عدد كبير من شباب الموكب وتم نفيهم وحبسهم في محافظة الموصل بهدف إبعادهم عن محافظة كربلاء, وفي زمن أحمد حسن البكر، وعندما كان محافظ كربلاء جابر حسن حداد, تم إيقاف والدي مع عدد من كبار الموكب آنذاك بعد نزوله في إحدى ليالي شهر محرم الحرام, ثم ذهب وجهاء وشيوخ محافظة كربلاء الى (المتصرفية) وتفاوضوا مع المحافظ لإخراجهم وتم ذلك بالفعل بعد تعذيبهم وإبعاد عدد منهم الى سوريا. واستمر هذا الوضع طوال فترة البعث التي ازداد فيها الظلم حيث تم إعدام العشرات من شباب الموكب, بعد العام 2003م ومع زوال نظام صدام, عاد جمهور طرف العباسية الى حيويتهم وفاعليتهم التي عرفوا بها وهم ينشدون قصائدهم وردّاتهم السياسية والوطنية ضد الطائفية والإرهاب وتقسيم البلاد.

منبر صادق

أهالي كربلاء، ممن ينتظرون نزول هذا الموكب بشكل يومي ليستمعوا الى ردات صفوفه التي تتغير كل يوم, وجدوا فيه منبراً صادقاً يعبرُ عما يجول في خواطرهم.

أبو احمد، من أهالي كربلاء، قال لـ “الشبكة”: إن موكب العباسية من المواكب العريقة جداً، وهو يحمل صدىً وصوتاً واسعاً في عموم العراق وما يحمله من هموم ومشاكل يعاني منها هذا الوطن الجريح ما هي إلا نقد بسيط واضح لما يشكو ويطالب به الناس قديماً وحاضراً.

الدكتور محمد الفيحان قال لـ “الشبكة” أيضاً: إن موكب العباسية يسير بهذا الاتجاه الوطني منذ أكثر من مئة وخمسة وعشرين عاماً, كما أن منطقة العباسية نفسها هي معقل من معاقل المناضلين السياسيين، فقد امتازت باحتضانها لكبار الأدباء والشعراء والمفكرين والناشطين الرافضين لقمع واستبداد الحكومات على مرّ عقود تأريخ العراق الحديث, فأغلب شعراء الموكب كانوا في زمن النظام السابق في السجون بسبب قصائدهم وردّاتهم المناهضة لسياسات البعث آنذاك, وكان الشعراء من داخل سجونهم يكتبون الردّات والهتافات للموكب سنوياً ويرسلونها برسائل خاصة مع من يزورهم من ذويهم وأهلهم ..