طريق التنمية يُزيل خريطة (النقمة الإسرائيلية)

126

زياد الهاشمي/

في خطابه أمام الأمم المتحدة، رفع رئيس وزراء الكيان الصهيوني (نتنياهو) أمام الشاشات خريطة سماها (خريطة النعمة)، تشير إلى دول مظللة باللون الأخضر، تشمل الهند وبعض دول الخليج والأردن والكيان المحتل، للتذكير بنفس المشروع الذي طرحه الرئيس الأميركي (جو بايدن) في قمة العشرين الأخيرة، التي عقدت في الهند قبل عام، وأُطلق عليه في حينها وصف (الممر الاقتصادي).

(خريطة النعمة) الصهيونية قد تتحول إلى نقمة اقتصادية على الكيان الاحتلالي، إذ يمثل هذا المشروع، الذي نادى به رئيس وزراء الكيان أمام العالم، مساراً للنقل متعدد الوسائط يشتمل على طريق للنقل البحري يربط الموانئ الهندية الرئيسة مع موانئ الإمارات العربية المتحدة، ومن هناك يجري الربط مع خطوط سكك برية تمتد من خلال الجغرافيا السعودية والأردن إلى موانئ الكيان الاحتلالي، ومنها بحراً باتجاه الموانئ الأوربية.
اهتمام الكيان الصهيوني بهذا المشروع له مدلولات عديدة، قد يكون أهمها الاستفادة من هذا المشروع لمد وتعبيد مسارات النقل أولاً بين دول الخليج وبين الأراضي المحتلة، ومن ثم الانفتاح تجارياً واقتصادياً عليها، وأخيراً استغلال ذلك المشروع للانتقال نحو التطبيع السياسي والدبلوماسي الكامل مع تلك الدول، إضافة إلى حاجة اقتصاد الكيان الصهيوني المنهك بعد الحرب الحالية إلى تعاون تجاري مشترك مع دول الإقليم يسهل الحركة التجارية ويساعد حكومة هذا الكيان في تجاوز محنة ما بعد الحرب.
عنق زجاجة
وعلى الرغم من أن إنشاء هذا الممر الاقتصادي ممكن نظرياً على الورق، لكن واقع التجارة الدولية ومحددات الاقتصاد والجغرافيا، يعيقان إنشاء ممر النقل هذا كما يشتهي بايدن ونتنياهو، إذ إن هذا الطريق يتطلب انتقالاً من واسطة نقل رخيصة، هي النقل البحري، إلى واسطة نقل أخرى برية عالية الكلفة ستسبب حالة عنق زجاجة نتيجة عمليات تفريغ وتحميل وانتظار في الموانئ والكمارك والنقاط الحدودية، ما يؤدي إلى أن يكون هذا الممر ذا كلفة نقل عالية وزمن وصول ضعيف الموثوقية والتنافسية، مقارنة مع خدمات النقل البحري التقليدية المباشرة بين الهند وأوربا. وما يضعف أكثر من جدوى وقيمة هذا الممر الاقتصادي المفترض، هو وجود الجغرافيا المحتلة المسماة (إسرائيل) ضمن المسار البري، التي تضيف عاملي الخطورة والتهديدات الأمنية إلى ضعف الجودة والتنافسية التي يعاني منها أصلاً هذا المسار.
هذه التحديات الأمنية وعوامل ارتفاع كلف النقل والتأخير وضعف الموثوقية، ستجعل من الصعب على المسار الاقتصادي عبر الخليج والكيان الصهيوني أن يجذب حصصاً سوقية وشحنات تجارية وحركة حاويات تكون كافية لتغطية كلفه التشغيلية وتحقيق أرباح مستدامة، فالسوق العالمية تعتمد حالياً في منظومتها الحديثة على مسارات النقل البحري المباشر سواء من الهند أو آسيا الى أوربا لتبادل السلع والبضائع، وبدرجه عالية من الموثوقية والانسيابية ورخص في الأسعار ولا توجد حاجة اقتصادية أصلاً ولا طلب في الأسواق على خدمات نقل من خلال ممرات بحرية / برية بديلة ذات كلف أعلى ودرجة موثوقية أقل، وفي ذلك رسالة واضحة وصريحة لزعماء الكيان والغرب، أن ضوابط الاقتصاد وقوى السوق هي من تحدد وتملي كيف يمكن أن يكون شكل مسارات النقل العالمي بممراته البحرية والبرية وليست رغبات الرؤساء وزعماء الدول.
كلف ومخاطر
لذلك، فإن من المستبعد أن ينجح هذا الممر اقتصادياً وسوقياً، بوجود هذا الكيان فيه، الذي سيجعل منه ممراً خطراً تحت تأثير عمليات المقاومة الفلسطينية وغيرها من القوى المسلحة، يتكبد بسببها زبائن هذا الممر الكثير من الكلف والمخاطر، وتحول هذا الممر الاقتصادي إلى مشكلة حقيقية على الكيان، تكبده الكثير من المسؤوليات والأعباء بدلاً من الأرباح، وهذا ما قد يدفع دول الخليج لاستبعاد الكيان من معادلة هذا الممر وإعادة صياغته ليشمل عمليات تصنيعية وخدمات لوجستية داخل مراكز اقتصادية جديدة يجري إنشاؤها داخل مناطق دول الخليج بالتعاون مع سلاسل إمداد هندية أو آسيوية، ومن ثم التصدير مباشرة من موانئ السعودية على البحر الأحمر فقناة السويس باتجاه أسواق الاستهلاك في أوربا، دون أن يكون للكيان أو موانئه أي ارتباط أو علاقة بها المسار الحيوي.
طريق التنمية
من المفيد في هذا السياق، التذكير بأهمية مشروع طريق التنمية، الذي يجب أن تبادر الحكومة العراقية بأسرع وقت بإعادة النظر بنموذجه الحالي الذي يحتاج إلى مراجعة، وصياغة نموذج تكاملي جديد يركز أولاً على الصناعات والخدمات اللوجستية العراقية والدخول في شراكات مع سلاسل إمداد صينية وآسيوية لغرض جذبها وتوطينها داخل العراق، والبحث عن شراكات استثمارية وتمويلية لهذا القطاع. حينها يمكن جذب استثمارات إضافية لتمويل المسار السككي والطريق، التي ستكون بمثابة عناصر داعمة ومرتبطة بشكل تكاملي مع عمليات ومخرجات تلك المراكز التصنيعية واللوجستية للتصدير شمالاً عبر تركيا نحو أوربا، وجنوباً عبر ميناء الفاو باتجاه موانئ الخليج وغيرها من الموانئ. وعند إطلاق مشروع طريق التنمية المتكامل سيجذب أيضاً دول الخليج الأخرى للبحث عن فرص تكاملية مع مسارات طريق التنمية لخلق منظومة نقل وإنتاج خليجية عراقية متكاملة تكون مركزاً لانطلاق المنتجات وتوفير الخدمات باتجاه الشرق والغرب، تدعم التنوع الاقتصادي الذي يبحث عنه العراق ودول الخليج على حد سواء، حينها ستصبح خريطة النعمة التي رفعها نتنياهو إلى (خريطة نقمة) حقيقية عليه وعلى اقتصاده وكيانه المستبعد من أي جهد وتعاون عربي إقليمي.