ظاهرة التسوّل الافتراضي بلوكَـوگرات يُخرّبـــن حيـــاة البنات!

231

آية منصور /

كوكبٌ افتراضي موهوم بشلَّةٍ من (چكذاذبة) سوق السوشيال ميديا، أو ما يُطلق عليهم بالمشاهيرِ السعداءِ داخل صفحاتهم (الطاگكة)، الغارقين في حياةِ الماركة والبراند العالميين، والمرفهين بإفراطٍ ربما -لوكان حياً- سوف يحسدهم عليه (أوناسيس)، ملياردير اليونان المدفون في جزيرةِ (سكوربيوس)، التي كان يملكها لمجردِ أن تكون قبراً له!
الكارثة لا تقف عند هذا الحدّ، بل إننا نجد البنات في الواقع والمواقع يتبادلن الوهم، مثلاً؛ اصبغي شعرك مثل المدونة الفلانية، ارتدي ثوباً لماعاً مثل أخرى، زوجي يريدني أن أكون نسخة من الفاشنستا الفلانية! علماً أن الحياة لا تبدو هكذا في الحقيقة، وليس علينا أن نكون مثاليين في العلاقات، وسعداء على طول الأربع والعشرين ساعة.
كذبة الحياة المثالية
توضح التربوية (آمال محمد) أن “عالم البلوكَرز المثالي في السوشال ميديا مصيره أن يبقى هناك فقط، ذلك أن الحياة الحقيقية مختلفة تماماً، ولا تشبه الصور المعدل عليها في برامج التعديل، وأن ما يجري الترويج له على أنه الحياة الحقيقية هو خادع، إذ أن الحياة الحقيقية لا يجري تعديلها بالفوتوشوب، وظاهرة نشر (الحياة المثالية) المسيطرة على مدونات الموضة والأزياء والمكياج، بدأت تزعج الكثيرين، الذين يؤكدون أن العوالم المترفة هذه لا توجد في الواقع العراقي الذي تعيش غالبيته في مستويات دخل محدودة للغاية.”
تضيف آمال: “المشكلة ليست في عرض الأزياء أو الثياب الغالية أو الماركات، إذ أن كل شخص حر يعيش حياته كما يريد وشراء ما يناسبه، لكن ما يزعجنا وما نشعر به حقاً أنه غير حقيقي، هو حديث بعض المدونات عن فكرة أن توفر الثياب الغالية أمر ممكن لجميع الأفراد، إنهن يشجعن متابعاتهن –عن طريق صنع إعلانات- على شراء قميص بألفي دولار! أو أحمر شفاه بمئتي دولار، لا ليس صحيحا أن يجري التسويق على أن الجميع قادرون على الشراء بهذه المبالغ، لكنهن يروجن للرأسمالية، ذلك أن العديد من المواطنين غير قادرين على شراء كيلو البصل، فيما تروج أخريات لعوالم من ذهب، وتصديرهن لفكرة أن الحياة الحقيقية هي حياة الترف وحده.”
الدراسة ما “توكل” خبز
فيما ترى الباحثة (حنان سعد) أن “الكثير من الطلبة صاروا يرغبون في أن يصبحوا (بلوكَرز) بعد تخرجهم، فقط لأن البلوكَرز النساء والرجال، قادرون على عمل إعلانات بمبالغ خيالية، وركوب أغلى السيارات، بعضهم نسي أحلامه وتخصصه وآماله بالعمل بعد التخرج، وجدوها فكرة أسهل أن يصبحوا معروفين في السوشيال ميديا، وأن يستغلوا عدد متابعيهم من أجل المال فقط، وهذا ما يفعله غالبية (البلوكَرز)، فهم يصنعون دعايات غير صادقة، عن المنحِّفات والمبيِّضات وغيرها من التفاصيل المضرة بالبشرة والأجسام البشرية، فقط من أجل المال. علماً بأن هنالك عدداً منهم يروجون لمنتجات غير صالحة مثل المنحِّفات، وهن أجسامهن منحوتة بعمليات الشد والنحت، ويروجن لمنحّفات الشاي في ذات الوقت، وللمشهيات والمنتجات الفاتحة للشهية، هذا الأمر غير معقول، فليس هنالك احترام لعقلية المتابع من خلال زج إعلانات عن منتجات متناقضة في ذات الوقت.”
غيبوبة الترف الجاهز
وتبين (إسراء فاضل)، وهي طالبة، أنها “كانت غالباً ما تكره ملامحها، أنفها، وفمها، وحتى الندوب الخفيفة وبقايا الحبوب على وجهها، فكلما كانت ترى الوجوه الصافية -بفعل الفلاتر- لمدونات الموضة والجمال وحديثهن المستمر عن صفاء بشرتهن بواسطة إعلانات مدفوعة الثمن إلى مراكز تجميل، تشعر أنهن لا يمتلكن شعوراً بالمسؤولية، وجل ما يفكرن به هو المال والشهرة. لم أر يوماً إحدى البلوكَرز وهي تتحدث عن طريقة حب الذات والوجه كما هو بعيوبه، وأننا يجب أن نحب أنفسنا عما نحن عليه، بل على العكس، نراهنّ يحثثن الفتيات على تغيير وجوههن وأجسادهن، والكثير من الفتيات يتأثرن، وأنا واحدة منهن، أردت في لحظة ما أن أعمل الفلر والبوتوكس وجميع العمليات، نعم، لا ضير أن يفعل الشخص ما يريده، لكن ليس تحت تأثير مشاهير الأنستغرام.” وتبين إسراء أنها عندما قررت إلغاء متابعة الفاشنيستات، باتت أكثر استرخاءً وتركيزاً على حياتها وأحلامها، بعيداً عن التأثر بقالب ونمط المظاهر وحدها، بالطبع جميعنا نحب أن نبدو بشكل جميل، لكن لا أن يكون محور حياتنا هو ما نرتديه فقط، وبكم نشتريه.
المال مقابل التخريب
من جانبها، أوضحت الدكتورة (ابتهال الموسوي)، اختصاصية سلوك نفسي، أن “البلوكَرز بصورة عامة، يعتمدن نظاماً حياتياً مليئاً بالبهرجة والألوان، والجمال الطاغي، إذ أنها عوامل تدفع الكثيرين للمتابعة والتأثر لخدمة مصالحهم المادية بتخريب الآخرين، إذ أن الفئات الأكثر استهدافاً هم المراهقون بالطبع، لأنهم أكثر وأول من يتأثر بهذه العوالم الخيالية الواهمة. وليس صحيحاً أن حياة البلوكَرز مثالية وخالية من التعقيدات. لذا يجب أن ندرك أن ما يجري نشره في الصور، يكون بناء على رغبتنا نحن، أي أننا ننشر ما نريد أن نظهره للآخرين، بالطبع لن نظهر للآخرين مشكلاتنا وهمومنا وعيوب أجسادنا، وعلاقاتنا مع شركائنا، وأن المثالية والحياة الكاملة الفارهة التي يعرضها البلوكَرز هي ظاهرة غير صحية وكذب وغش، لذا فإن من الطبيعي أن تظهر مشكلاتهم بعد فترة من الزمن، كما حدث مع كثيرين منهم، وهو الأفضل بالنسبة لجمهور المتابعين، ولاسيما أن أكثر الفئات عرضة للتأثر بتلك الحياة المزيفة هم الأطفال والمراهقون من عمر سبع سنوات وحتى العشرين.”