عام دراسي جديد بمشكلات قديمة

908

 كريمة الربيعي /

توجه نحو سبعة ملايين طالب وطالبة الى مدارسهم مع بدء عام دراسي جديد تحيط به مشكلات جمّة، فالطلبة يعانون ظروفاً نفسية واجتماعية وأمنية واقتصادية معقدة، فيما تواجه البنية التحتية للمدارس تراجعاً خطيراً. وسط هذه الظروف الصعبة فإن الأمل لايزال كبيراً في أن تتظافر كل الجهود لإنجاح العملية التربوية ورسم أفق مستقبل البلاد وتطورها.

الكتب والقرطاسية

تشكل الكتب والقرطاسية زاد التعليم وزوّادته، بيد أن المشكلات تبدأ من هنا، فعلى الرغم من أن التعليم مجاني وأن الدولة ترصد ميزانية جيدة له، لكن الطلبة يلجأون في النهاية الى أسواق بيع الكتب والقرطاسية للحصول عليها بعد أن تعجز إدارات المدارس من الحصول على حصتها.
مستلزمات القرطاسية باتت تشكل عبئاً إضافياً على العائلة العراقية المنهكة أصلاً.

ويشكل الضعف في مخرجات كليات التربية في الجامعات العراقية، لاسيما في السنوات العشر الأخيرة، السمة البارزة في مسيرة التعليم. وإذا كان طلبة العوائل الميسورة يفرون نحو المدارس الأهلية الحريصة على رفع مستواها التعليمي، فإن طلبة العوائل محدودة الدخل تعاني سوء التعليم وتدفع ثمن مخرجات وزارة تخرج كل عام أفواجاً من المدرسين غير الأكفاء.

هيبة التعليم

تقول الصحفية عدوية الهلالي: مع قدوم العام الدراسي، تطفو ذات المشكلات على السطح إن لم تضَف إليها مشكلات أخرى وتسهم كلها في عملية تراجع التعليم في العراق التي بدأت تظهر جلية لدينا من خلال انخفاض نسب النجاح وتردّي مستوى التدريس في المدارس والجامعات.
وتعتقد الهلالي أن السبب يكمن في عدم وجود تخطيط او قواعد تستندعليها العملية التعليمية والتربوية في العراق وتركها عرضة لأمزجة المسؤولين وانتماءاتهم وولاءاتهم. وهكذا صارت القرارات آنية ولاتصب في مصلحة الطالب على الأغلب. وحفلت المناهج الدراسية بالكثير من التغيير القائم على نظريات سياسية وأسس طائفية أحياناً، او يجري إدخال مناهج لاتتواءم ومستوى الطالب العراقي وثقافته ومستواه العلمي ما أدى الى تعقيد المادة الدراسية بدلاً من تقديمها للطلبة بشكل سلس يسهل استيعابه ..من جهة أخرى، أدى انتشار المدارس والكليات الأهلية الى التقليل من هيبة التعليم الحكومي لرداءته، كما تحول التعليم من مادة للتحدي والطموح لدى الطالب الى وسيلة للحصول على شهادة بطرق يسيرة كالغش والرشوة والمحسوبيات. وهكذا افتقد التعليم الغاية منه وتحول الى مرحلة للعبور الى مستقبل مجهول بأدوات قاصرة ومستويات ثقافية هابطة. لذا ينبغي الاهتمام بالتعليم الحكومي الذي يعيش حالة منافسة مع التعليم الأهلي والتخطيط السليم للموازنة المالية لتسيير العملية التعليمية والتربوية بشكل صحيح من خلال الاهتمام بأجور الهيئات التدريسية وإدامة المؤسسات التعليمية والمحافظة على الكفاءات العلمية من التسرب الى الخارج.

نقص المباني

تشير التدريسية لمياء عبد الزهرة فالح، من إعدادية حطين للبنات،
الى زيادة أعداد الطلاب في الصف الواحد حتى بات عددهم يقترب من الخمسين طالباً، في أغلب الاحيان، لكي تتمكن الإدارات من توزيع المعلمين بين الصفوف مع وجود نقص واضح في مدرسي مادتي الرياضيات والإنكليزي في العديد من المدارس.

وتضيف: كما تعاني مدرستنا ومدارس أخرى قلّة الوسائل التعليمية الفاعلة في المدراس بل انعدامها، كذلك نفتقر الى الدورات التطويرية التي تساعد على رفع مستوى المعلمين والمدرسين، لاسيما الخريجين الجدد غير المؤهلين للتدريس، وهم بأمسّ الحاجة لزجّهم في دورات تطويرية.

ولفتت الى الإجراءات التي اتخذتها المدارس لإصلاح المباني والصفوف وصيانة المرافق الصحية والحدائق وشراء ماتحتاجه المدرسة من خلال جمع الأموال من الأهالي.

استعدادات

لكن حذام اسماعيل، مديرة مدرسة في الكرخ، تحدثت عن استعدادات جيدة لعام دراسي جديد يختلف عن السنوات السابقة. والسبب، كما تقول، هو أن وزراة التربية أخذت الحيطة وقامت بتجهيز المخازن بالكتب الدراسية لكل الصفوف.

وأشارت الى أن العام المنصرم شهد نقصاً في عدد الكتب المجهزة للطلبة بسبب تغيير المناهج لمواد العلوم والاجتماعيات والرياضيات. وأرجعت سبب التغيير الى أن الجيل الجديد “جيل الإلكترونيات” لايرضى بحكايات جدتي فالعقل في تطور لايحب الطريقة القديمة والقراءة الخلدونية.
وقالت: ليس أمام إدارات المدارس من حل في صيانة بنايات المدارس إلا من خلال جمع الأموال من الأهالي لصيانة المرافق الصحية والصفوف لأن الدولة في حالة تقشف بحيث تكون المدرسة مهيأة لاستقبال طلبتها.

من جهته، أكد عضو مجلس محافظة بغداد وعضو لجنة التربية والتعليم في المحافظة فرحان جاسم أن لجنته أجرت مسحاً سريعاً لمخرجات النظام التعليمي في العراق بعد 2003 لكي نثبت التداعي والانهيار اللذين تواجههما العملية التربوية.

وأشار الى أن الظاهرة ليست جديدة على النظام التعليمي في العراق لكنها أخذت مديات أوسع بعد 2003 وارتباطها بالفساد المالي المستشري في مختلف مفاصل العملية التعليمية وانعدام الرؤى الستراتيجية والوقوع في فخ التجريب من دون دراسة جدوى متأنية تأخذ الخصائص المختلفة للمجتمع والبيئة التربوية العراقية.

وأوضح أن الأبنية المدرسية تعاني الإهمال والنقص الشديدين في مختلف المدن والمحافظات.

فمن مجموع ( 10658 ) مدرسة، نجد أن ( 9165 ) مدرسة إما غير صالحة أو تحتاج الى ترميم، ولكي ننهي ظاهرة الازدواج الثنائي والثلاثي نحتاج الى ( 8000 ) مدرسة إضافية على الأقل. كما أن 30% من الأبنية المدرسية تعاني تدني كفاءة المرافق الصحية، و 28% منها تعاني تدني منظومة الماء الصالح للشرب، و41% منها بلا صرف صحي، و17% من المدارس بدون أسيجة.

الدروس الخصوصية

أصبح انتشار التدريس “الخصوصي” ظاهرة مجتمعية يصعب حلها من خلال الأوامر الإدارية او التعليمات الصادرة من دوائر التربية، وبسبب صعوبة معالجة هذه الظاهرة لجأت دوائر التربية الى قوننتها من خلال منح رخص وإجازات لـ “معاهد” تشرعن التدريس الخصوصي فيها. .

الأمية في العراق

وقال جاسم إن نسبة الأمية بلغت نحو 25% من سكان العراق اي نحو ( 10 ) ملايين أمي، وهو رقم مخجل ونكوص كبير تعرضت له العملية الاجتماعية، ففي وقت تقلصت الأمية في العراق الى 1% أواسط السبعينات عدنا القهقرى عام 2016 .
– لا توجد أرقام دقيقة عن نسب التسرب من التعليم، ولكنها إحدى مخرجات النظام التعليمي الخطيرة ويمكن الاستدلال على حجم التسرب من خلال تجميد قانون التعليم الإلزامي عملياً إذ لا تتعرض الأسر التي لا ترسل أطفالها لأي نوع من المتابعة او العقاب. اضافة الى وجود مئات الآلاف من المهمشين والعاطلين غير المتعلمين والأطفال المنتشرين في الشوارع والساحات. .

الهدر الكبير

وشدد على أن أخطر ما أنتجه النظام التعليمي بعد 2003 هو الهدر الكبير في الموارد البشرية. اذ تؤكد خطة التنمية الوطنية أن 50% من المسجلين في الدراسة الابتدائية يعبرون الى المتوسطة، و 50% من طلاب المتوسطة يعبرون الى الإعدادية، و50% من طلاب الإعدادية يعبرون الى الجامعة. وعلى ضوء ما أكدته خطة التنمية فإن من 100 طالب يدخلون الابتدائية يتخرج 13 طالباً فقط من الدراسة الإعدادية وبقية الطلبة، أي 87 طالباً، ما بين متسرب او راسب أو تخلف عن اللحاق بزملائه.