عبّارة الموصل توقِف أخواتها في بغداد عن العمل

963

ذوالفقار يوسف /

غرق العشرات من المواطنين في أسوأ حادثة شهدتها محافظة نينوى منذ نهاية أحداث داعش الإرهابي، أغلبهم من النساء والأطفال كانوا يحتفلون في جزيرة أم الربيعين بمناسبة أعياد نوروز، حين انقلبت بهم العبّارة التي كانت تحملهم في نهر دجلة، يعزى سبب غرقها الى العدد الكبير من الناس الذين كانت تحملهم العبّارة في ذلك الوقت والذي يفوق طاقة استيعابها.
بعد يوم واحد من الحادثة استُنفرت الجهات المتخصصة لكشف المتسبب، وأصدرت العديد من القرارات منها إيقاف العبّارات عن العمل كلياً لحين الكشف عن مدى صلاحيتها في الحفاظ على أرواح المواطنين، ومن ضمنها عبّارات بغداد التي مازالت متوقفة الى يومنا هذا.
عبّارات بغداد
اسماعيل عمر سعيد(43 عاماً)، صاحب عبّارة المتنبي، يوضح مميزات عبّارته ويقول: “يبلغ طول العبّارة 20 م وعرضها خمسة أمتار، وارتفاعها عن الماء متراً ونصف المتر. وحسب تقارير الكشف فإن العبّارة كاملة المواصفات، وحاصلة على شهادات تقديرية وشهادات كفاءة، وذات محركات حديثة، ولم يسجَّل فيها أي خلل منذ خمس سنوات، وتمت صناعتها ضمن مخططات ومواصفات وزارة النقل وبواسطة مهندسين محترفين، إذ تضم أطواق نجاة، ومطافئ للحريق، وسترات نجاة لأكثر من 100 شخص، كما أن العبّارة مقطّعة من الداخل بشكل طبقات، ما يجعلها منيعة ضد الغرق إذا ما ثقبت، بسبب عدم إمكانية نفاذ الماء الى طبقاتها الأخرى، أما حمولتها من الناس أثناء الكشف فيصل عددهم الى (150) شخصاً، إلا أننا نقوم بتحميلها بـ(80) شخصاً فقط، وذلك بسبب الموقع الجغرافي الذي لا يعد موقعاً يكتظ بالمارّة من السيّاح في أيام الأسبوع الأخرى، وكمنطقة تجارية متخصصة، إلا أن شارع المتنبي وما يحيط به من مناطق مهمة يعدّ المتنفس الوحيد للعائلات العراقية في يوم الجمعة. أما الزخم في باقي أيام الأسبوع فيكون من نصيب عبّارات الجادرية والأعظمية وأبي نواس والمتنزهات الأخرى، إذ يكون عملنا مقتصراً على يومين من أيام الأسبوع، هما الجمعة والسبت، وبالتحديد من الساعة 11 صباحاً الى الساعة الواحدة ظهراً، إلا أننا عانينا من توقف العبارة لأكثر من ثلاثة أشهر، وبالتحديد من يوم حادثة عبّارة الموصل، والذي عطل عمل جميع عبّارات بغداد جميعاً لحين إثبات صلاحية هذه العبّارات خشية تكرار الفاجعة.”
استثناء
لم تكن الحلول في إيجاد المتسبب بالحادث هي اولى القرارات، بل شملت تلك القرارات عبّارات بغداد التي تقلّ السيّاح والمواطنين بين شاطئي نهر دجلة، حيث لم يراعِ ذلك القرار أرزاق العوائل التي يعيلها عملها. اسماعيل عمر يحدثنا بحسرة أن ” العبّارة تعيل أكثر من 18 عائلة، منها عائلات العاملين عليها من غطاسين وغيرهم ممن يعملون لتهيئتها ونظافتها، إلا أن الشرطة النهرية نفذت قرار وزارة النقل بإيقاف عبّارات بغداد ماعدا شبيهاتها في المتنزهات الحكومية والاستثمارية، مثل عبّارة متنزه الزوراء والجزيرة السياحية ومدينة السندباد، ولا أعرف سبب هذا الاستثناء.” يضيف اسماعيل أنه “رغم مراجعتنا لوزارة النقل لمرات عديدة، اتضح أن الوزارة قررت الكشف عن جميع العبّارات التي تعمل، ويتم ذلك عن طريق لجنة كشف عن صلاحيتها وأمانها، ومع تقديمنا مخططات بنائها والتزكيات وحتى الكشف الأخير الذي لم تمر عليه سوى خمس سنوات، إلا أن الغريب في الأمر هو عدم وجود فرع لهذه اللجنة في بغداد، وأن وجودها يقتصر على محافظة البصرة، لهذا لابد أن تقوم الوزارة بمخاطبة قسم الكشف في محافظة البصرة وبدورهم يرسلون لجنة تكشف عن مدى جاهزيتها للعمل، وهذه العملية التي لا تأخذ من الوقت سوى أسبوع واحد، تخطت الأربعة أشهر لحد الآن، والأسباب غير معروفة.”

فاجعة الموصل
كصاحب دفّة وصاحب خبرة لأكثر من عشرين عاماً، يوضح لنا اساعيل عمر ويقول: “جعلت من العبارة مكاناً آمناً لكل من يستقلها من المواطنين، اذ جعلت من العاملين عليها أصحاب كفاءة وخبرة في أمور السباحة والغطس، والتصرف أثناء حدوث أي طارئ، ولمتابعتي مقطع حادث العبّارة الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن ما يزعجني هم المحلّلون للحادثة، وبالخصوص عند تسميتها بـ”العبّارة”، إذ أن هذه الوسيلة لم تكن عبّارة أبداً، وانما تسمى بـ”الطبكة” ولاتمتلك أية صفة من صفات العبّارة، إذ يكون ارتفاعها منخفضاً جداً عما نراه في العبّارات، وتكون مربعة الشكل، أما حمولتها فكانت أكثر من المعقول أثناء الحادثة، ولأن حمولتها كوسيلة نقل مربعة الشكل يجب أن تكون في وسطها وليس على أطرافها، وعند ملاحظتنا انتشار الضحايا على جوانب تلك “الطبكة” ما جعلها تنقلب وتغرق بمن فيها، والسبب الأخير هو أن محركاتها تختلف عما نراه في العبارة، فهي تسحب بواسطة أسلاك ممتدة الى الطرف الآخر من النهر بواسطة محركات، ومع عدم مراعاة جاهزية وصلاحية المكائن والأسلاك التي شاهدناها تتقطع أثناء الحادث، ولا ننس أن ذلك الجزء من النهر هو الأقرب لسد الموصل، حيث لم تقاوم الأسلاك قوة تيار الماء في ذلك الوقت، وعكس مانراها في العبّارات ومحركاتها التي تربط بالعبّارة نفسها، وتوجّه بواسطة دفّة يقودها سائق محترف، يستطيع أن يوقفها عند حدوث أي امر طارئ.
الشرطة النهرية
الكابتن وقائد الدفّة حمزة عبيد حسين(49 عاماً)، أحد العاملين على العبّارة يشكو الحال بعدم إدارته لعجلة الدفّة منذ أربعة اشهر ويقول”عند وصول القرار في يوم 22 من شهر آذار الماضي بإيقاف العبّارة من خلال الشرطة النهرية، توجهنا مباشرة لعمل الإجراءات اللازمة لإعادة تشغيل العبّارة، والمتمثلة بالكشف عنها من قبل الدفاع المدني والسلامة المهنية، وتم تسليمنا بعد الكشف شهادات وتزكيات بصلاحيتها وجاهزيتها للعمل، لكن الغريب في الأمر أن العاصمة بغداد لايوجد فيها قسم للكشف عن صلاحية عمل العبّارات، والأغرب من ذلك أن الكشف القديم لها، تم استحصاله من قسم الكشوفات لوزارة النقل الواقع في منطقة الأعظمية في سنة 2014، إلا أنه قد تم التأخير وبدون سبب، وعند مراجعتي لفرع الوزارة في الأعظمية جاء الرد بأن قسم الكشوفات في البصرة لم يبعث كتاب الكشف عن العبّارات الموجودة على نهر دجلة في بغداد لحد الآن!!.

عاطلون
محمد عبد المنعم (27 عاماً) يشكو توقف مصدر رزقه الوحيد ويقول: “عندما توقفت العبّارة انقلبت حياتي وحياة عائلتي الى جحيم، ولأنني معيل لعائلتي يجب أن أجد ما يسد حاجتي لحين اعادة تشغيلها مجدداً، ولكوني محباً لهذا العمل استطعت أن أعمل في الصباح عاملاً في تحميل المواد في سوق الشورجة، إلا أن حبّي للعبّارة وتمسّكي بالعمل فيها، جعلني أعمل على نظافتها بالمجان في أوقات العصر، عند اكمال عملي في الصباح، والترقب بأمل بأنها ستعمل مرة اخرى، ولأننا كعائلة والعبّارة هي الأم التي تضم هذه العائلة لم استطيع أن أترك العمل فيها، وكلي أمل بأننا سنجتمع مرة اخرى ونحن نستقلها في وسط نهر دجلة مجدداً”. يشير عبد المنعم الى أن “الفترة التي تسبق المناسبات الدينية، كزيارة استشهاد الإمام الكاظم (عليه السلام) وغيرها من المناسبات التي تستدعي المسير، يتم ايقافنا عن العمل لمدة 15 يوماً، وعند السؤال عن السبب، يكون الرد بأنه الخوف على الزائرين، بينما تقوم الزوارق والعبّارات بحماية المواطن عند الجسور واطراف النهر، وبمساعدة الشرطة النهرية في العمل على امان المواطن بشكل عام، إذاً فلماذا هذا الظلم بحق مصدر أرزاقنا؟