عراقيّو السويد..يعودون الى مقاعد الدراسة

747

 سمير ناصر/

يعد التعليم في دولة السويد من أهم وأبرز القضايا التي تشغل بال الحكومة ووزارة التربية والتعليم هناك، فالدولة تعطي اهتماماً كبيراً وأموالاً طائلة لتعليم الصغار والكبار طوال فترة عمر المتلقي وفي المراحل الدراسية التمهيدية والابتدائية والثانوية كافة وحتى في الدراسات الجامعية، فضلاً عن توفير كل ما يحتاجه الطلبة من وسائل تعليمية وترفيهية وخلق أجواء مناسبة لهم لتحقيق النجاح والتفوق ونيل الشهادات العليا.
وتتوفر للطلبة فرصة تعلّم العديد من اللغات الأخرى كالإنكليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية إضافة إلى السويدية طبعاً.
فماذا عن المهاجرين إلى السويد، والعراقيون منهم بصورة خاصة؟

التعليم إجباري

أوّل ما يصطدم به المهاجر إلى السويد هو تعلّم اللغة السويدية إجبارياً، والدخول فوراً في مدارس تعليم الكبار ولمدة أربع سنوات متتاليات، وهذه المدارس تشمل الأعمار كافة والتي تبدأ من العشرين وحتى التسعين عاماً، يتلقون خلالها كافة وسائل التعليم التي تخص المهاجرين لتسهيل ماتتطلبه حياتهم اليومية، ومنها تعليم اللغة شفهياً وتحريرياً، والنطق السليم والكتابة الصحيحة.

اللغة أولأً

“الشبكة” كانت لها جولة في إحدى مدارس تعليم الكبار في السويد حيث التقت عدداً من العراقيين الدارسين فيها من مختلف الأعمار والذين هم الآن على مقاعد الدراسة.

محمد عبد الكريم ابراهيم ، عراقيّ تجاوز السبعين من عمره، يحمل حقيبته المدرسية المليئة بالكتب والقرطاسية، ويتجه إلى المدرسة مبكراً مع زملائه الطلبة العراقيين والعرب مشياً على الأقدام، ليتعلم اللغة السويدية بهمّة عالية واندفاع شديد ورغبة لا تصدَّق.
سألناه عن سبب هذه الحماس فأجاب: “مهما بلغ بي العمر فإنني أظل متعطشاً للدراسة والتعليم كوني كنت أعمل مهندساً في العراق وأحلت إلى التقاعد بعد بلوغي السن القانونية، أما هنا في السويد فإن النظام الدراسي يكون شاملاً وواسعاً ويصعب على المرء استيعابه بسهولة وبصورة كاملة، إلا إن من السهل للذين يحملون الشهادات الدراسية مواكبة جميع المراحل وبتفوق، ومع ذلك وبرغم كوني متخرجاً من كلية الهندسة بجامعة بغداد، إلا أنني أعاني من بعض الصعوبات في اللغة حيث لم أستمع أو أتحدث بها سابقاً كما أن ذاكرتي تخونني بعض الأحيان ويسيطر عليّ النسيان لكبر سنّي، وقد أستعين بالقاموس الذي يترجم لي اللغة السويدية إلى العربية ويكون هذا القاموس في جيبي على مدار الساعة ولا أستطيع الاستغناء عنه، ما يسهل عليّ تجاوز الصعوبات.

لا مفرّ من الدراسة

الطالبة علياء عبد الجبار رحيم التي كانت تعمل معلّمة في العراق قالت: “إن التعليم في السويد معقّد لصعوبة اللغة، وعلى المرء أن تتوفر لديه معلومات جيدة بالانجليزية في الأقل، من أجل أن يتمكن من مواصلة الدراسة في السويد. وأضافت “برغم كوني معلّمة إلا أني أجد بعض الصعوبات تواجهني وخصوصاً في التلفظ، ونادراً ما نجد أحداً من المهاجرين يجيد لفظ اللغة السويدية بشكل صحيح”.
هي أمّ لثلاثة أطفال ومن الصعب جداً السيطرة عليهم حيث تكون هي وزوجها في المدرسة لفترة طويلة، مع ذلك قالت علياء: “المدرسة هي الأهم لدى السويديين فلا مفرّ منها مهما كانت الأسباب”.

سلبيات وإيجابيات

الطالب سعد والي سوادي قال “إن الدراسة في السويد لها سلبياتها وإيجابياتها، ومن بين السلبيات أن الدراسة إجبارية للجميع، وساعات الدوام طويلة جداً، وإن الطالب الذي يتغيب عن الدوام ينقطع عنه راتبه ما يؤثر على الحياة المعيشية هنا”. أما الإيجابيات فمنها أن هناك نشاطات عديدة نتعرف عليها داخل المدرسة ومنها نشاطات ثقافية ورياضية وفنية وموسيقية ودورات بالكومبيوتر، ما يعطي المتلقي حافزاً للمشاركة في هذه الفعاليات لاسيما أن هذه الفعاليات تكون باللغة الأم أي بالعربية”.
السويدية سهلة!

الطالب عادل حسن علي الذي كان طبيباً في العراق أشار إلى أن التعليم في المدارس السويدية أمر ضروريّ، حيث يستطيع المغترب الاعتماد على نفسه في إنجاز أعماله وأن يقضي كل ما تتطلبه الحياة هنا بسهولة ويسر كونه يطّلع على كل شيء من خلال الانخراط والاندماج في المجتمع.

ويذكر: “لأني طبيب وجدت أن اللغة السويدية بسيطة فهي أقرب إلى الانكليزية، الأمر الذي جعلني أحصل على درجات متميزة خلال فترة التعليم في المدرسة، حيث أكملت دراستي في المراحل كافة وبتفوق”. أضاف: “سأنتقل قريباً إلى أحد المستشفيات في مدينتي لإكمال الدراسة والتطبيق العمليّ والنظري فيها ولأحصل على نفس تخصصي في الطب”.

عدتُ شاباً بعد الستين

من جانبه، أشار الطالب علي فالح رحيم الذي كان يعمل في وطنه الأمّ “ميكانيكي سيارات” إلى أنه دخل الستين من العمر، وهو يعاني من موضوع الدراسة: “أنا في هذا العمر لا أستطيع مواصلة الدراسة كوني مريضاً، لديّ آلام في الظهر والمفاصل، ولكنهم هنا يقولون عني أني شاب، وأن حياتك قد بدأت الآن وعليك أن تتكيّف معها لكي تعيش سعيداً مرتاح البال ، ويجب أن تمارس الرياضة لكي تبقي على حيويتك ونشاطك، يقولون أيضاً أن الزواج في السويد يبدأ بعمر الأربعين، فالمطلوب منك أن تنسى المرض وتواصل تعليمك”. يضيف: “حاولت هنا وبعد هذه النصيحة من قبل المعلمين والزملاء الطلبة أن أعيد نشاطي وأنسى مرضي وأخذت أمارس رياضة المشي يومياً واهتممت بدروسي من خلال الاعتماد على بعض الأصدقاء في موضوع الترجمة، اضافة إلى متابعة برامج التلفزيون السويدي الذي ساعدني كثيراً على إتقان التلفظ وإمكانية الحديث مع الآخرين بشكل سليم، وهذا كله جعلني أعود شاباً وأحقق النجاح في الدروس التي نتلقاها وفي الحياة العامة.

لغة وفنّ

بعد أن تعرفنا على آراء عدد من الطلبة العراقيين في مدارس تعليم الكبار في السويد ، شاركتنا الحديث ممثلة الهيئة التدريسية في المدرسة المعلمة (ماريا روبرت) اختصاص مادة فنّ الرسم قائلة: “بعد تدريسي مجموعة كبيرة من الطلبة العراقيين والعرب الوافدين إلى السويد تعرفت على مواهبهم وإمكانياتهم الذاتية في فن الرسم التلقائيّ، وقد اكتشفت العديد من المواهب الجميلة في الخط والرسم والنحت والأنواع الأخرى من الفنون، وان هؤلاء الطلبة سيتعلمون اللغة السويدية التي ستكون حافزاً لهم للانخراط والاندماج في المجتمع السويدي”، أضافت أننا “نخصص ساعة كاملة يومياً لتعليم الطلبة فن الرسم وكيفية خلط الألوان الزيتية بالفرشاة ورسم اللوحات، وللطلبة الحرية في اختيار المواضيع التي يرسمونها.