“علوة فواكه وخضر” في منتصف الشارع

1٬042

ذوالفقار يوسف /

ما أن وقعت انظار تحسين الشمري (37 عاماً) على تقاطع شارع حيفا، وبالتحديد بعد تقاطع ساحة الطلائع، حتى غيّر وجهته صوب جسر باب المعظم، بعد أن كان متجهاً نحو منطقة العطيفية التي يسكنها، فقد غلب الزحام على هذا التقاطع وما بعده بسبب تجاوزات تعدّت الرصيف ووصلت الى منتصف الشارع الذي امتلأ بالخضراوات، وحرمه من إكمال طريقه الى منزله، بعد أن أكمل عمله الذي دام سبع ساعات.
يحاول كثيرٌ من سائقي العجلات الوصول الى مناطق سكناهم بعد نهاية وقت عملهم، إلا أنهم يواجهون ازدحاماً خانقاً، بسبب الخضراوات التي تغطي نصف فضاء الشارع بمقدار مسارين تقريباً، فضلاً عن العجلات المتوقفة للشراء من “علوة الخضرة” التي تتوسط “محرم الشارع” بكل أريحية، ما جعل الزحام يغلق التقاطع، وبهذا تغلق الشوارع المرتبطة به مؤدية الى انعدام حركة المرور، وكل هذا في ذروة خروج الموظفين من عملهم.
“مسيَّرغير مخيَّر”
هذا ما قاله تحسين الشمري بعد أن نالت حرارة الصيف منه وهو ينتظر انتهاء هذه “المصيبة”، على حد قوله، مضيفاً: “هذا حالي منذ بداية هذه الظاهرة، والمشكلة تتفاقم كثيراً مع خروج الموظفين من دوائرهم بين الساعة الثانية والثالثة ظهراً، وهكذا أمسى طريق عودتنا إلى منازلنا جحيماً لا ينتهي، ومعاناة يومية روتينية نضطر إلى معايشتها لمعرفتنا بتكرارها في اليوم التالي.”
يضيف الشمري: “على الرغم من أن الوقت الذي يستلزمه وصولي الى منزلي لا يتجاوز العشر دقائق، إلا أن هؤلاء الباعة بتجاوزاتهم، جعلوه يستغرق ساعة كاملة وأكثر أحياناً، تحت حرارة صيف العراق اللاهب، الغريب في الأمر أن هناك دورية شرطة قريبة جداً من المكان، والأغرب هو أنهم لم يحركوا ساكناً بهذا الصدد، رغم مشاهدتهم زحام العجلات وقد تجمعت في نفس المكان، محيلة الشوارع إلى عذابات لا تطاق، لهذا لابد أن تخصص الحكومة مكاناً خاصاً لبيع الخضراوات في تلك المناطق التي تخلو من الأسواق المخصصة لبيعها، إضافة الى مراعاة الجانب الصحي لهذا الأمر، فقد تتعرض الفواكه المعروضة في الشوارع الى دخان العجلات والأتربة والجراثيم، ما يهدد صحة من يشتريها.”
جنّة الطريق وجحيمه
للنساء عذاباتهن أيضاً في البحث عن الشوارع التي تخلو من الازدحامات، ولأن المرأة لديها واجبات منزلية أخرى عدا واجباتها الوظيفية، فإنها تجهد لتتحاشى التأخير الذي تفرضه عوائق نتجت عن ضعف سيطرة مؤسسات الدولة المعنية بحماية القانون وإنفاذه.
جنان حميد (36 عاماً) موظفة في أحد المصارف في منطقة السنك، تحدثنا بمرارة وتقول: “لم يكن مكان عملي سبب معاناتي أبداً، إلا أن ما أحمل همّه هو الخروج من ذلك المكان ومشوار العودة إلى المنزل، فثمة عشرات العربات المتوقفة في منتصف الشارع، بعضها يعرض فيها أصحابها موادّ منزلية، وبعضها يبيع الخضراوات، وهناك من يبيعون أكسسوارات الهواتف النقالة، وجميعهم قد تعاونوا على غلق الشارع ببضاعتهم، ما جعل طريق العودة بالنسبة لي كالجحيم، لا سيما أنني مجبرة على المرور من شوارع وساحات تغص بهم.”
وتؤكد جنان “أن هذه التجاوزات تؤثر على شكل عاصمتنا الحبيبة وهيئتها، وتسبغ عليها طابع الفوضى والجهل والتخلف، لهذا يجب تفعيل دور الحكومة في القضاء على البطالة وتوفير فرص العمل لعشرات آلاف العاطلين، وإيجاد أماكن أو أعمال بديلة لهؤلاء الباعة، حتى لا تقطع سبل عيشهم الوحيدة، كما يجب حل مشكلة تلكؤ مؤسسات إنفاذ القانون وحمايته في أداء دورها، إن هذه المشكلة أضافت همّاً آخر إلى هموم العراقيين.”
“تجاوز سافر”
لم تكن الخضراوات تخترق الشارع، بل وصل الأمر الى وضع عجلات الباعة المحمّلة بالخضراوات وسط الشارع، ما زاد بتأزيم القضية. حسن جبار(سائق سيارة أجرة – 29 عاماً) ، يحدثنا بحرقة قائلاً: “لا أخفيكم أن قطع مصدر رزق أي إنسان أمر مرفوض ولا يمكن القبول به تحت أي ظرف، إلا أن التجاوز على الشوارع بهذه الطريقة ظاهرة خاطئة وغير مرغوبة وتؤذي المجتمع، فالذي يريد أن يكسب رزقه عليه أن يفعل ذلك لكن بالطريقة الصحيحة التي لا تسبب خللاً أو تعطيلاً لمصالح الناس، وإن الشوارع وجدت لخدمة الجميع وليس للفرد، إلا أن هناك ما يجعل حياتنا مستحيلة وعيشتنا أصعب، بسبب من يتجاوزون على الشوارع العامة لا سيما الشوارع الرئيسة منها بهذا الشكل السافر.
ويؤكد حسن بأنه “تجب محاربة المتجاوزين والحد من تجاوزاتهم، وذلك باتحاذ إجراءات صارمة بحقهم، فلن نكون مثل الشعوب التي تحترم القانون ما لم نحارب تلك الظواهر السيئة في بغدادنا الحبيبة وفي عموم العراق، الغريب في الأمر هو أنك حين تواجههم وتتحدث معهم عن هذا التجاوز، يرد بعضهم أن الشارع ملك للدولة وليست لك سلطة علينا، وآخرون يقولون إنهم إنما يعرضون بضائعهم في وسط الشارع حتى تبرز للمارة، والرصيف لا يكفي لعرضها بشكل واضح، والبعض الآخر يصيح بصوت عالٍ متجاهلاً حديثي معه: طماطة، خيار، ركي عالسجين.
موقف الأمانة
بالرغم من معاناة العراقيين في الطرق المزدحمة، إلا أن “مايزيد الطين بلّة”، هو تفاقم مشكلة الازدحامات، من جراء التجاوزات التي لا يدرك مرتكبوها حجم الأضرار التي يتسببون بها حين يفتحون متاجر خضراواتهم على “محرم الشارع”، الأمر الذي يزيد من معاناة المواطنين لا سيما في درجات الحرارة القاسية هذه، وعلى الرغم من التحذيرات الموجهة إليهم، إلا أنهم يتذرعون دوماً بأن هذا هو مصدر رزقهم، حتى أن بعضهم قد طرد من مكان تجاوزه وعاد مرة أخرى بعد غياب الأمن من المكان، يحدثنا من هذا الجانب المتحدث الإعلامي باسم أمانة بغداد الأستاذ حكيم عبد الزهرة موضحاً “أن موقف أمانة بغداد بخصوص التجاوزات على الشوارع والأرصفة هو موقف واضح، وهذه التجاوزات مخالفة للنظام والضوابط، وللتصميم الأساسي لمدينة بغداد، اذ أن الأمانة تقوم دائماً برفع التجاوزات باستمرار، لكن بعض المتجاوزين من أصحاب عجلات الحمل يستغلون بعض الشوارع بعرض بضاعتهم من الخضراوات والفواكه لبيعها.”
يؤكد عبد الزهرة “أن الجهات المعنية تواصل عملها في محاربة هذه المظاهر، إلا أن أصحاب تلك العجلات يغيّرون مواقعهم فور رؤيتهم الجهات الرقابية تتوجه اليهم، ويغادرون المكان، إلا أن بعضهم صنع سقوفاً ومظلات لحماية بضاعته من الشمس، وعندئذ تعمد كوادر الأمانة إلى مصادرتها ومحاسبة هؤلاء المتجاوزين، ونؤكد: هذه الظاهرة مرفوضة تماماً.”
“كنان” وعدسة الموت
ومع محاولات توثيق هذه الحالة ونقلها بمصداقية وموثوقية الى الجهات المعنية من خلال مجلتنا، إلا أننا لم نكن نتوقع أن المهمة بهذه الصعوبة، إذ أن نقلها (تصويراً) من خلال عدسة الزميل كنان الحلفي جعله عرضة للتهديد من بعض الباعة المتجولين الذين رفضوا توثيق هذه الحالة بالصور، ولم يُبدوا أي احترام لحرية الصحافة، ولولا بعض عناصر الأمن الموجودون في المكان لتعرضوا له، ما اضطره إلى أن يلتقط الصور بجهازه النقال وهو في داخل سيارته.