عيد النوروز .. فسحة ضوء وسط قيود كورونا

1٬086

ضحى مجيد سعيد  /

عيد النوروز، مناسبة لطالما كانت لها خصوصية لدى العراقيين كافة، والكرد منهم بنحو خاص، فهو عيد يحتفل فيه لا أكراد العراق حسب، بل إنه يعد مناسبة قومية لأكراد إيران وتركيا وسوريا. عيد نوروز أو كما يطلق عليه بالعربية (اليوم الجديد) يُعرف برأس السنة الفارسية والكردية، ويصادف يوم الحادي والعشرين من آذار/ مارس من كل عام.
تقول بعض الروايات إن هذا العيد يخص جميع الشعوب (الآرية) التي كانت تعيش منذ آلاف السنين في البقعة الجغرافية التي سميت بعد انتهاء عصر الإمبراطوريات، ببلاد فارس ثم تغير اسمها إلى إيران، أو بلاد الآريين.
الاحتفالات بهذه المناسبة جرت هذا العام في ظل جائحة كورونا والقيود الصحية الوقائية، مع ذلك شهدنا حركة لافتة للمواطنين العراقيين في شمال العراق سواء أكانوا من سكان محافظات الإقليم أو من سائر المحافظات العراقية، إذ اتخذت العائلات صبيحة عيد النوروز، أو بداية الربيع، من المناطق الخضر وسفوح الجبال في أربيل ودهوك والسليمانية أمكنة للاحتفال والتنزه. وكالعادة كانت الدبكات والرقصات الفلكلورية حاضرة، والأعم الأغلب من الأهالي ارتدوا الزي الكردي الفلكلوري، مستصحبين معهم وجبات الطعام التي جهزتها العائلات سلفاً. كل ذلك بدا كأنه كسرٌ للقيود الصحية التي فرضها انتشار الوباء، ومن البديهي أن يكون إشعال النيران واحتفالات الأهالي وتجمعاتهم على سفوح الجبال والمناطق الخضراء عناوين ليوم النوروز في بشمال العراق.
بهذه المناسبة الجميلة التقينا عدداً من العائلات المحتفلة بعيد النوروز للاطلاع عن كثب على إصرارهم بالاحتفال بهذه المناسبة: (أبو خديجة، كاسب، 55 عاماً) تحدث لـ”مجلة الشبكة” قائلاً: اعتدنا الاحتفال منذ الصغر بهذه المناسبة، لم نستطع الاحتفال في العام الماضي خوفاً من تفشي الوباء، لكن اليوم تبدو الظروف الصحية أفضل، لهذا قررنا الخروج والاحتفال بالنوروز للحفاظ على هذه الطقوس، واستدرك قائلاً: مللنا القيود الصحية وكنا بحاجة لمتنفس، اذ أن أغلب الأسر باتت وكأنها في سجن بسبب الوباء ونحن بحاجة للترويح عن النفس. وفي سؤال عن أصل عيد النوروز يقول أبو خديجة إن ثمة روايات كثيرة تتحدث عن طقوس المناسبة، بعضها فولكلور شعبي نسمعه من كبار السن، لكن أصل النوروز وما قرأته في كتب التاريخ أن الاحتفال بهذا اليوم يمثل احتفالاً بانتصار الخير على الشر.
وللاطلاع أكثر على مظاهر العيد التقينا (أم محمد، مواطنة من أربيل، ربة بيت، ٣٥ عاماً) وهي جالسة مع عائلتها في منطقة حرير، حدثتنا قائلة: جهزت للاحتفال بالعيد قبل أيام من حيث خياطة الملابس الكردية واختيار أكسسوارات تزين الملابس الكردية والألوان البراقة المستوحاة من ألوان الربيع لي وللعائلة، فضلاً عن تحضير الأكلات الكردية المخصصة للعيد. وأردفت: هذا العيد لا يختلف عن بقية الأعياد من حيث زيارة الأقارب والمعايدات والتبريكات.
أم محمد ذكرت أنها تنتظر العيد في كل سنة بنفس اللهفة لتبادل الزيارات مع الأقارب والقيام برحلات جماعية، تضيف قائلة: لكننا في هذا العام لم نستطيع زيارة الأقارب واكتفيت أنا وعائلتي المؤلفة من زوجي وأبنائي الثلاثة وابنتي بالخروج لوحدنا لنحيي هذا العيد الذي يشكل رمزاً وطنيا مايزال يحيي فينا المحبة والتلاحم والأخوة. وجواباً على سؤالنا بشأن الاحتفال هذا العام قياساً بالعام الماضي، قالت أم محمد: في العام الماضي لم نشعر بلذة العيد فقد حرمنا من الاحتفال بسبب كورونا وكان عاما سيئاً بشكل عام، أما هذا العيد، وعلى الرغم من الإجراءات الوقائية المتخذة من قبل الإقليم، فإننا احتفلنا ولم ننس الالتزام بالاحتياطات المتبعة لتجنب الإصابة بالمرض.
دعوات الأهالي كانت حاضرة من أجل رفع الوباء عن الناس وسط أمنيات بأن يعم الأمن والسلام والصحة على جميع الناس.
يذكر أن وزير الصحة كان قد أعلن قبل أيام من عيد النوروز ارتفاع عدد الإصابات بكورونا وسلالتها الجديدة وسط تحذيرات من التجمعات والاحتفالات وإهمال الاجراءات الوقائية، كما أعلنت سلطات الإقليم عطلة رسمية ابتداء من الحادي والعشرين وحتى الخامس والعشرين من آذار.
تختلف الروايات عند الشعوب عن أصل عيد نوروز أو (نيروز)، فتقول الرواية الكردية أن الشعوب الآرية (الفرس والكرد والبشتون والطاجيك وجزء من الأوزبكيين والبلوش وغيرهم) كانت تعيش في بقعة جغرافية توالت عليها الإمبراطوريات، وتشير الرواية إلى أن تلك الشعوب عانت من ظلم ملك كان يُدعى (أزدهاق أو الضحّاك)، الذي كان يفتك بالشباب ويقتلهم ظلماً، حتى ثار عليه أحد الشباب، وهو (كيخسرو) الملقب بـ (كاوا الحداد) الذي كان حفيداً لـ (دياكو)، مؤسس الإمبراطورية الميدية في 701 -648 قبل الميلاد.
وبحسب الرواية تمكن كاوا الحداد في النهاية من قتل الملك، وخرج إلى الجبل لإرسال إشارة إلى الناس، يقال إنها كانت عبارة عن شعلة من النار. ومنذ ذلك الوقت، أصبح تقليد إشعال النيران في ليلة نوروز رمزاً تاريخياً يدل على “اليوم الجديد والحرية والنصر”.
وبحسب منظمة اليونسكو، يعد يوم النوروز العيد الذي تحتفل به قوميات وأديان وشعوب مختلفة عبر القارات في مظاهر احتفالية كبيرة. وبحسب المنظمة نفسها يحتفل في نيروز قرابة 300 مليون إنسان حول العالم، كما أن منظمة اليونسكو أدرجت العيد في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية منذ عام 2009 وهو عطلة رسمية في كثير من بلدان العالم مثل إيران والعراق و قرغيزستان وأذربيجان وغيرها من الدول التي تعترف حكوماتها بهذا العيد.