غرامات خيالية على أصحاب البيوت ذات المساحات الصغيرة

382

علي غني/
لم يشهد العراق هذا العدد الكبير من تقطيع البيوت السكنية التي تبلغ مساحتها (200م2 فما فوق) الا بعد التغيير (2003)، هذه الفوضى في المدن العراقية امتدت من الاحياء الفقيرة الى الاحياء الغنية، ولم تسلم منها مدن المحافظات العراقية كافة،
لكن الذي يهمنا هو غياب القانون العادل في الضرائب والتخمين والتعقيب والمخالفات الكثيرة، والمشكلات بين البائع والمشتري والدلالين والدولة، فهل عجزت الدولة عن أن تضع الضوابط والقوانين لمثل هذه المساحات الصغيرة (30،50،70،80،90)، التي تواصل انتشارها لحد الآن؟
هرب بجلده!
بعت بيتي الذي مساحته (34 مترا مربعا) من ضمن قطعة مساحتها (250 مترا مربعا) لاشتري مساحة أكبر، وعندما تمّ فتح البيان بعد أن تكاتبنا دفعت مليون دينار دلالية، ووصلت المعاملة الى فتح البيان، فوجئت أنّ الامانة تطلب مني (مخالفة) مقدارها (6) ملايين و(750) الف دينار، وهذا العقار (250 متراً مربعاً) مشيّدة عليه خمسة بيوت فعليه يجب أن أدفع خمس مخالفات، فأصبت بالصدمة وألغيت البيع، وهربت بجلدي، لهذا الحد أترك بقية الاحداث لخيال (القارئ)، كما يقول المواطن محمد صالح.
مبالغ هائلة
أردت أن أعرف العديد من الحقائق، وهل أن ما قاله هذا المواطن فيه شيء من المبالغة؟، أم إن هناك خفايا أخرى في الموضوع، فقصدت مكاتب الدلالين المنتشرة في العاصمة بغداد، التي باتت تضاهي البيوت، وسألت أحدهم عن بيع وشراء المساحات الصغيرة، فأجابني الدلال سمير محمد نعمة، “نحن ليست لدينا معاناة مع المواطنين، لكن لدينا معاناة كبيرة مع البلدية، بسبب ارتفاع مبالغ المخالفات والروتين وتأخير المعاملات التي تصل لمدة (أكثر من شهرين)، فضلا عن أن المواطنين صاروا يتجنّبون شراء العقارات الصغيرة لارتفاع مبالغ (المخالفات) التي تصل الى نحو (10) ملايين دينار وهي تمثّل ربع العقار”.
قلت له وما الحل: فأجاب “أن تخفّض البلدية مبالغ المخالفات، او تجبي المخالفة لمرة واحدة، وليس كلما نبيع قطعة بمساحة صغيرة تتكرّر عليها الجباية ذاتها، ولو بيعت (100) مرة، وتلك كارثة كبرى، ونحن نعرف أن المخالفة تعني الإزالة، فأنا اعتقد أن البلدية تجبي أموالاً طائلة من هذه المخالفات، ومن دون قانون واضح ينصّ عليها”.
ويرى الدلال ياسين عبد ناصر: أنا أؤيد زميلي الدلال سمير، مشكلتنا الاساسية بالجباية وإيجاد قانون ينظم المساحات الصغيرة، فالذي يبيع عليه أن يدفع ما بين (8-10) ملايين دينار مخالفات، لذلك يلجأ صاحب العقار الى أن يرفع من قيمته، فيؤدي هذا الاجراء الى ارتفاع عام في الاسعار في عموم العراق.
بينما يقول الدلال صباح نوري: كل مطالبنا لم تجد نفعا، قمنا بمظاهرات وطالبنا الامين السابق، وكل المسؤولين في البلدية بإيجاد الحلول وتنظيم الجباية وفق القانون، لكن رجعنا (بخفي حنين)، لذلك على الدولة أن تفكّر بتنظيم المساحات الصغيرة قبل أن تحدث مشاكل عديدة في المستقبل.
ليست ضريبة مصيبة
حملت ما قاله بعض المواطنين والدلالين عن المخالفات التي يدفعها المواطنون للبلدية الى الاستاذ اسماعيل صبّار المتحدّث باسم أمانة بغداد ويشغل منصب معاون مدير عام العقارات في الامانة، والحق يقال إن الرجل لم يقصر معي وأجابني بالتفصيل: نحن بالامانة نحترم وجهة نظر المواطن، لكننا كموظفين نتعامل بموجب القوانين والانظمة، أما في ما يتعلق بتحديد مساحات الحدود الدنيا للافرازات السكنية اعتبارا من تاريخ صدور القرار 940 لسنة 1987 فهي (200م2) والتجارية (300م2) مع سماح بـ 10‎%‎ لهذه الحدود، وأقل من هذه المساحة يعد (مخالفة) وليست ضريبة كما يسميها البعض.
وتابع (صبّار): إن أي مساحة تقل عن (200م2) لا يمكن إصدار إجازة بناء لذلك يعد البناء مخالفة بنائية يتطلب معالجتها وفق القوانين والقرارات النافذة، وعندنا قانون المخالفات البنائية يفرض مبلغ (25) الف دينار للمخالفة البنائية، وفي حال عدم قيام المالك بإزالة المخالفة او معالجتها خلال(30) يوما يتم فرض غرامات تهديدية (25) الف دينار عن كل (30) يوما الى أن يصل مجموعها الى (180) يوما إضافة الى الغرامة الاصلية.
لجان عديدة
وأشار الى أن هذا القانون لحقه قرار من مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (296) لسنة 1996، وتم تعديله في الوقت الحاضر لتصبح قيمة الغرامة (2) مليون دينار فضلا عن تحميل مرتكب المخالفة تكاليف إزالة البناء والأضرار التي حدثت على خدمات البنية التحتية (الماء، المجاري، الاسفلت)، وهذه يتم حسابها من قبل ملاكات الامانة، فضلا عن أصل المخالفة.
وبيّن أنّ أمانة بغداد حرصت على معالجة الوحدات السكنية الصغيرة، وأنها شكّلت لجاناً عديدة، وتم رفع مقترحات هذه اللجان الى الامانة العامة لمجلس الوزراء لغرض تحديد الحدود الدنيا للافراز وجعلها (100م2)، الا أن جميع المقترحات لم تحصل الموافقة عليها لحد الان.
وأود أن أقول لك (والكلام لصبار): إنّه طالما المخالفة موجودة وبتغيير المالك يتم فرض هذه الغرامة عند ترويج أي معاملة، كنّا في مرحلة سابقة قبل عام (2003) ولحد عام (2005) لا نروج لأي معاملة بيع او شراء عقار أقل من (200م2)، وكانت هناك شبه محكمة او لجنة تسمّى اللجنة الاستشارية برئاسة قاض يتم تنسيبه من وزارة العدل سابقا ومجلس القضاء الاعلى حاليا وبمشاركة مديري القانونية والتصاميم في الامانة تقوم بدراسة التظلمات التي تقدم من المواطنين.
حرية التملك!
لكن هذه الهيئة ما زالت موجودة الا أنّها فقدت الكثير من أعمالها بسبب ورود رأي من مجلس شورى الدولة يبيّن أن الدستور العراقي كفل حرية التملّك والملكية الخاصة لا يمكن انتزاعها ولا يمكن وضع قيود عليها الا بالحدود التي وضعها القانون، وبالتالي عُدّ قيام أمانة بغداد بإجراء التصرفات العقارية للوحدات السكنية ذات المساحات الصغيرة التي لا تنطبق عليها شروط الإفراز تعسفا، والايجاز لها إيقاف مثل هذه المعاملات، وبإمكانها استيفاء الغرامات او فرض العقوبات المنصوص عليها بالقانون.