فتوى الجهاد الكفائي شعاع الثورة الذي أنقذ العراق

145

ذوالفقار يوسف/

عندما كان السواد يغلّف قلوبنا، في ذلك الوقت الذي لفّ الظلام أجنحته على أرواحنا، وحينما قرر مستقبلنا اليأس، فالنهاية كانت قريبة جدا، قريبة للحد الذي يجعلنا نلمس عتبتها بأقدامنا المرتجفة، فهذه المرة لا مفر من الهاوية، إذ إن إعصار الشر دق باب العراق بقوة، وبينما تيقّنا بأن لا منقذاً ليخلصنا من هذا الكابوس، انبثق نورٌ، خلق في أنفسنا الامل فجلت أشعته هموم الصدور، فنادى الثائر بأن هذه أرضي وسمائي، كان ذلك ما إن حلت فتوى الجهاد الكفائي.
بزغ فجر الخلاص من فم مقدس، كان أول أهدافه الحفاظ على دماء أبنائه، فالارهاب شرس، وهذه المرة هو الشيطان بردائه الحقيقي، ولأن عهدنا لله أن نكافح كان لابد من الوقوف مجددا، كانت تلك الكلمات فقط ما نريد سماعه لنتوجه نحو الجهاد الحقيقي، أن لا نرضى بالذل، ففي النهاية نحن لم ولن نكون كذلك أبدا.
فقبل تسع سنوات استطاع الشر أن يأخذ نصيباً من بلدنا، ليخلف بمخالبه البائسة حقبة من الظلم والعدوان بحق شعبنا العزيز، ولكن هيهات، إذ قيلت كلمة بشفاه مرجعيتنا الدينية العليا لتكون الحافز القدسي لنقول للارهاب.. اخرج من ديارنا والى الأبد.
مقاتل وشهيد
وتحترق قلوب الثائرين شوقا ولهفة نحو الوصول لينصروا إخوتهم، فذاك النجار يبحث عما يرتديه ليلتحق بإخوته في جبهات القتال، وآخر قد أخبر تلاميذه ساترك القلم هذه المرة لأقاتل بسلاح الحرية، ومثلهم زين يوسف (38 عاما)، ذلك الشاب الذي اشترى بروحه صولات الفرسان، وبالرغم من عمله في إحدى المؤسسات الصحفية، الا أنه اختار أن يشارك المقاتلين بما يستطيع فعله، حاربه الجميع لا لشيء، بل لغيرتهم منه، إذ إنه فاز، فكيف يترك الهناء الذي يتمناه أي إنسان ليذهب نحو الصحارى والاتربة وأيام تمضي بنقص في الطعام والمشرب والنوم الهانئ والتهديد بإنهاء حياته، ورغم كل ذلك الانتصار الروحي الذي تمسك به، صار استشهاد رفاقه من المجاهدين يعيد فوران ثورته نحو القتال، ودك معاقل الارهاب بتنظيماته القذرة، ليستمر حتى التحرير، ليخط رسالته بان كونوا شاهدين على ذلك، واعلموا أن المجاهد زين يوسف استمر على هذا النهج حتى وهو في مقبرة وادي السلام يدفن شقيقه الجندي علي يوسف الذي استشهد في معاركه ضد الارهاب.
ولادة
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)، هذا ما بدأ به الدكتور حسنين جواد الموسوي ليحدث (مجلة الشبكة العراقية) عن تلك الملحمة، ويكمل بأن “فتوى الجهاد الكفائي التي أفتى بها مرجعنا المفدى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظلّه الوارف كانت بداية الولادة الحديثة لكثير من المؤمنين كما عبّر عنها أحد المجاهدين من كبار السن عندما سألوه عن عمره المبارك إذ كان جوابه “ولادتي عند صدور الفتوى”، ومن هذهِ الإجابة نستطيع أن نستلخص مدى إيمان المجاهدين الأبطال الذين تخرجوا في مجالس (سيد الشهداء الحُسين) عليه السَّلام، والعزم على بذل الدماء من أجل تحرير البلاد والعباد من دنس التكفيريين داعش، كون الفتوى المُباركة كانت وما زالت هي الحياة لجميع أتباع أهل البيت (عليهم السّلام)، وكما عبّر عن هذا الأمر القرآن الكريم حيث قال عز من قائل: بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة/179.
فمن هنا نستطيع القول إن من لبى نداء المرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظلّه الوارف قد فاز فوزًا عظيماً وقد نال الدرجات العليا بإذن الله تعالى.
بداية الجهاد
أما المجاهد السيد طه الموسوي فيقص مواقفه البطولية بحبر العشاق، ويقول: “ماذا عساي أن أصف من حديث ذي فرح وذي ترح وذي نصر وذي نصب، أن من العجب العجاب أن رأيت أن فتوى المرجعية كانت وكأنها للحياة وليس الموت، واللذة دون الالم – فتمثلت كلمات سيد الشهداء عندما وصف أبناء الدنيا وتكالبهم عليها – فأسرع الملبون لها كطيرة الدبا، وتزاحموا عليها تزاحم الليوث، شيء لا يصدق، إذ صار بعضهم يسرق نفسه خلسة من أمه وأبيه وزوجه وبنيه خشية أن يصدوه عن الموت.
مجاهدان بسلاح واحد
يكمل هذه الملاحم المجاهد سيف الدين آل حوز أبو العرابيد الحسني ليقص حكايته مع الحاج أبو حسن الخفاجي الشطري، وهذه هي المحطة الأولى إن صح التعبير في ذاكرتي الجهادية، قائلا: لدي مع الحاج المذكور عدة مواقف أذكر منها موقفا، ففي الليلة الاولى التي قضيناها في السرية كان العدد متوفرا الإ أن العدة تنقصنا من السلاح والعتاد، فقد تشاركت أنا وصديقي الشيخ سالم السعيدي “وفقه الله” ببندقية واحدة نستعين بها في المواجهة وفي نفس الليلة تسلل الينا العدو، وليتصور القارئ الكريم صعوبة الأمر عندما تواجه عدوا بسلاح صديقك متشاركا معه الرماية وبقية الشؤون الحربية.
يضيف الحسني “كان هذا الرجل الجهادي أنموذجا لي في مدرسة الجهاد الدفاعي الإلهي مما كان يصنعه معنا ويرفق بنا ويؤدي جميع شؤونه بنفسه بل كان يقوم ببعض شؤوننا من دون علمنا تواضعا منه وكرما، ففي يوم كانت ملابسي متسخة وأردت غسلها وإذا بي لم أجدها فبحثت عنها ولم أجدها وفي اليوم الآخر رأيتها مغسولة معلّقة في الهواء، سألت من غسلها فلم يجبني أحد حتى تعقّبت الأمر، فوجدت أن الآمر هو من غسلها، فاستحييت كثيرا منه وكبر في نفسي وكان هذا أول درس لي، أنا أحد تلامذة مدرسة الدفاع الكفائي المقدس، فعلمت أنني ما زلت أتتلمذ في مدرسة العظماء.