فــــي درجــــــات حـــــرارة تحــت الصفـر آباء يتركون أطفالهم الرضع للنوم خارج المنزل !

15

 

ترجمة/ آلاء فائق

هل يطاوعك قلبك على ترك طفلك الرضيع ينام خارج المنزل تصفعه نسمات الهواء الباردة القارسة وقت القيلولة؟ صدق أو لا تصدق، هذا ما يفعله غالبية آباء دول الشمال الأوربي، وهو جزء من تقاليدهم وروتينهم اليومي.

تقليد مألوف
على مدى أعوام كانت درجات الحرارة تنخفض نهاراً في ستوكهولم وبانتظام لتصل لـ (-5) درجة مئوية، لكن لا يزال مألوفًا وشائعًا رؤية آباء يتركون أطفالهم الرضع خارج منازلهم للنوم في عربة الأطفال.
لو أخذ أي زائر لفنلندا جولة سريعة في المدينة الثلجية، سيلمح عربات الأطفال مصطفة خارج المقاهي بينما يحتسي الآباء القهوة متنعمين بدفء المقهى.
أما لو كان طفلك بحاجة لغفوة صغيرة، أثناء زيارتك لصديقك وقت القيلولة، فما عليك سوى وضع عربته في حديقة أو شرفة المنزل بدلاً من غرفة النوم.
تقول ليزا، أم لثلاثة أطفال، تعمل في شركة بستوكهولم: “أعتقد من الجيد للأطفال الاستمتاع بالهواء الطلق، لاسيما في الشتاء، إذ ينتشر الكثير من الأمراض المعدية في الأماكن المغلقة، لذا فإن بقاءهم خارجاً يجعلهم يتمتعون بصحة أفضل.” يبدو ان أطفالها قد اعتادوا على النوم خارجًا منذ ولادتهم.
تقول والدة ليزا، غونيلا، 61 عاماً: “هذه ليست موضة جديدة لدينا، بل عُرف فنلندي قديم، فقد فعلت ذلك أيضاً مع ليزا عندما كانت طفلة من باب حصولها على هواء نقي وتقوية جهازها المناعي”.
في خمسينيات القرن العشرين، وضعت والدة ليزا ابنها بيتر في عربة، ولم تدخله إلى المنزل حتى وصلت درجة الحرارة -10 مئوية.
حضانات السويد
في الوقت الذي باتت رؤية عربات الأطفال المصطفة بالثلوج وقت القيلولة، وبقية أفراد العائلة ينعمون بالدفء داخلًا، امرًا شائعًا، أمست أغلب حضانات الأطفال السويدية تتبع هذا العرف حتى وقتنا الحاضر، وبدرجة حرارة -10 مئوية. تقول إحدى مديريات دور الحضانات: “عندما تنخفض درجة الحرارة لـ-15 مئوية نغطي العربات بالبطانيات.” مضيفة: “في العام الماضي، كانت درجة الحرارة تصل لـ20 مئوية تحت الصفر، فنضطر لإدخال الأطفال، بينما في البرودة العادية ينامون خارجاً من الساعة 9 صباحاً وحتى 3 عصراً يومياً، ولا يدخلون سوى لتناول الوجبات الغذائية، أو بسبب الطقس البارد.”
محط نقاش
أخذ الموضوع صدىً واسعًا، وأصبح محط نقاش منتظم على منصات التواصل الاجتماعي، عندما نشر السائح الأسترالي (بومان) مقطع فيديو على منصة تيك توك، فلم يصدق حينها وجود كل هذه العربات المصطفة بثلوج النرويج. من حينها انتشر الفيديو بين الناس انتشار النار في الهشيم، وتراوحت تعليقات الناس بين منزعج، ومندهش وموافق. بعضهم علق “ظاهرة تكسر الخاطر”، البعض الآخر قال “لا أصدق ابداً”، البقية قالوا: “أفضل قيلولة”.
نظرية النوم خارجاً
الأطفال المعرضون للهواء النقي، سواء صيفًا أو في أعماق الشتاء، يكونون أقل عرضة للإصابة بالسعال ونزلات البرد، على عكس قضائهم يومًا كاملًا في غرفة واحدة مع 30 طفلًا سيجعلهم عرضة للعدوى.
يعتقد العديد من الآباء أن أطفالهم ينامون بشكل أفضل ولفترة أطول في الهواء الطلق، وتقول إحدى باحثات فنلندا: “حصلت على أدلة مسح للآباء، ممن يضعون أولادهم خارجاً لدعم هذا الرأي، فوجدت أن قيلولة الهواء الطلق تحظى بشعبية في جميع بلدان الشمال الأوربي، وأن درجة الحرارة -5 مئوية هي أفضل درجة حرارة قيلولة يحظى بها الأطفال خارجًا، برغم أن بعض الآباء لا يترددون في وضع أطفالهم خارجاً حتى في درجة حرارة -30 مئوية.
فحص الممارسة علمياً
خضعت هذه الممارسة للدراسة علمياً في العام 2011، حين ركّزت عالمة الصحة (تورولا) في جامعة أولو بفنلندا على إجراء بحوث لفوائد النوم خارجاً، فأكد غالبية الآباء المشاركين في الدراسة على تمتع أولادهم بأجهزة مناعية قوية، فضلًا عن النوم السريع الهانئ والطويل، لا بل أفادوا بأن قيلولة أطفالهم في الداخل استمرت عادة من ساعة لساعتين، بينما قيلولتهم في الخارج كانت من ساعة ونصف لثلاث ساعات.
تقميط الطفل
أحد العوامل المهمة بقيلولة النوم هو ملابس الطفل الدافئة، إذ أوضحت تورولا: “ربما يؤدي تقييد الحركة بالملابس إلى زيادة طول النوم. والتقميط في البيئة الباردة لا يرفع درجة حرارة الطفل، وهو تقنية لف مجربة ومختبرة، إذ يقمط الطفل باحكام بقطعة قماش تحدد حرية حركته، وهذا يذكرنا بوجود الطفل في رحم أمه.”
اختلافات ثقافية
حقيقة ترك الأطفال ليناموا خارجًا بمفردهم تسبب بضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، منذ نشر الباحثة (سورينسن) العام 1997 قضية أوضحت من خلالها مدى اختلاف العادات بين بلدان العالم.
فقد أودعت الشرطة الأميركية ممثلة دنماركية،30 عاماً، سجن نيويورك لتركها ابنتها البالغة من العمر عاماً واحداً نائمة خارج المطعم، بينما كانت هي جالسة تراقبها عبر النافذة، لكن النادل وضيوف المطعم أفادوا أن الطفلة كانت تبكي ورفضت أمها جلبها إلى الداخل. وبعد مضي 20 عاماً، جمعت سورينسن تلك الأحداث في كتاب، سلطت فيه الضوء على الاختلافات الثقافية بين البلدان. مبينة: أن الثقة العميقة هي جزء أساس من أسلوب الأبوة الدنماركي، على عكس الأسلوب الأميركي، المتمثل بخوف الآباء على أطفالهم.
عن موقع/ BBC News