فقدان وثيقة رسمية يعني تعقيداً جديداً للحياة الحل أبسط مما تتصور..
إياد السعيد /
عام 1981 في ساحة التحرير، وعند تحسسي لجيبي اكتشفت أن هويتي الشخصية الصادرة من الكلية قد فقدت .. فتجهمت واختصرت طريقي مسرعاً إلى البيت تحاشياً للمفارز التي يجب أن تثبت لها أنك طالب ولست متخلفاً أو هارباً من الخدمة العسكرية.
بقيت على هذا الحال لمدة أسبوعين لا أغادر المنزل ولا أستخدم غير وسيلة النقل الخاصة بطلبة الكلية لأنها بعيدة عن الشبهات .. يئست وتقدمت بطلب هوية جديدة رغم إجراءاتها التحقيقية، لكن، وفي غمرة انشغالي فاجأني أحد الزملاء بإعطائي الهوية المفقودة!! كيف ومن أين حصلت عليها ؟ قال: (وصلتْ إلى الكلية عن طريق البريد)، نعم، لا تستغرب عزيزي القارئ، فقد كان العرف المتبع أن أية وثيقة تجدها في الشارع تضعها في أقرب صندوق بريد وستصل إلى صاحبها عن طريقه.
حالات فقدان
اليوم وفي خضم الانشغالات وعصر السرعة وفوضى المستمسكات وتعقيد الروتين، ثمة الآلاف من حالات فقدان المستمسكات الرسمية، ولاسيما لدى كبار السن، ما يعقّد حياتهم اليومية ويؤخر مراجعاتهم ويزيد معاناتهم لاستصدار (بدل ضائع). فما هو الحل لتخفيف المعاناة ؟ لكن دعونا بدءاً نتعرف على الجانب القانوني في القضية.
القاضي المتقاعد سالم روضان الموسوي أفاض في تفصيل لائحة القوانين التي بموجبها يستصدر المواطن البدل الضائع، انتقينا منها ما يهم تحقيقنا:
إصدار وثيقة
إن إصدار بدل ضائع عن فقدان الوثائق يكون بموجب آليات بعضها قانوني وآخر أعراف قضائية وإدارية، فالوثائق التعريفية للمواطن، مثل هوية الاحوال المدنية وشهادة الجنسية والبطاقة الموحدة والبطاقة التموينية وبطاقة السكن وهوية الدائرة وإجازة السوق، وغيرها من الوثائق (الباجات) التعريفية لا يوجد نص في القانون يعاقب على فقدانها، وإنما استقر العرف على تسجيل إخبار لدى محكمة التحقيق حيث تدون أقوال المخبر صاحب الوثيقة ويتم غلق التحقيق بعد ذلك وإخبار جهة إصدار الوثيقة فقط، وهذه العملية فيها جهد غير مبرر على المواطن لأنه يذهب إلى المحكمة، وبعد تقديم الطلب إما أن يحال إلى مركز الشرطة، أو إلى مكتب التحقيق القضائي لتدوين أقواله بصفة مخبر، ثم تعرض لاحقاً على القاضي المختص، وبعدها يقرر، وهذا يكلف جهداً ووقتاً ونفقات مالية على المواطن.
وثيقة مفقودة
كما وجد في قانون الجوازات رقم 32 لسنة 2015 نص خاص يعاقب على من فقد جوازه، إذ يحال إلى المحكمة، التي تصدر حكمها بالإدانة وتكون العقوبة غرامة لاتقل عن مئتين وخمسين ألف دينار ولا تزيد على مليون دينار، بعد ذلك يستوفى رسم الإصدار…
استنادا لما سبق، فهل تنجز معاملة الإصدار بتلك السهولة، أم أن تعقيدات الروتين والضوابط والزخم الحاصل كلها معرقلات تؤخر الحصول على الوثيقة كبدل عن الضائع؟
المواطن أحمد هاشم يصف معاناته وما شهده من عذاب ومرارة عند بحثه عن وثيقته المفقودة فيقول: “قبل سبعة أشهر فقدت البطاقة الموحدة في إحدى سيارات (الكيا) على الأغلب، ولحد اليوم لم أعثر عليها، علماً بأني راجعت الكراج وهيئة النقل، وسألت كل سائقي الخط وكتبت إعلاناً مع رقم هاتفي وثبتّه على عمود في مكان انطلاق سيارات الخط، لكن للأسف لم أحصل على نتيجة ونشرت الإعلان في الفيسبوك، وأيضاً لا نتيجة، والآن عليّ أن أخوض حرب الحصول على بطاقة بديلة عن المفقودة، والله يستر كم تكلفني وكيف سيستغلوني.”
إجراءات
قصة أخرى يرويها (أبو صادق) الذي التقيته بالقنصلية العراقية في أنقرة: “فقدت جوازي قبل أشهر عدة، علماً بأني مقيم في تركيا، ومازلت لحد الآن لم أعثر عليه ولم أحصل على بديل له، لأنه يتطلب مني إجراءات مرهقة جداً ومكلفة أيضاً، وهناك محكمة في العراق قد تعقّد الأمور أكثر، لذلك سأضحي بإقامتي هنا وأعود إلى العراق بجواز عبور فقط وستكون تراجيديا وهماً جديداً “.
قصة أخرى يرويها المسنّ حمزة الغراوي : “في دائرة التقاعد فقدت كل مستمسكاتي، بحثت عنها في كل مفاصل الدائرة ولم أعثر عليها، رغم أن من بينها بطاقة السكن وعنواني، ولو أن أحدهم أوصلها على عنواني لكنت أعطيته ما يطلب، لكن للأسف، هذه سنة كاملة قد مرت وأنا أنتظر “!!
فكرة
هذه قصص بسيطة من معاناة فقدان الوثيقة الرسمية، لكن يا ترى هل فكّر أحدنا بوسيلة تؤمن استعادة ما فقد؟ نعم، فقد نشر كاتب هذا التحقيق فكرة تتلخص بوضع ملصق صغير على كل مستمسك رسمي كجواز السفر أو البطاقة الموحدة أو الهوية …الخ، كما موضح في الصور المرافقة، مثبت عليه رقم هاتف صاحب الشأن.. بعد أسبوعين اتصل أحد أصدقاء الصفحة مستبشراً بأنه نجح في تدشين التجربة حيث دوّن رقم هاتفه على ملصق صغير بمساحة ٣ سم مربع وثبّته على هوية دائرته ووضع الهوية أمام باب محل صديقه وبدأ يراقب المارة لعل أحدهم يعثر عليها ليرى تصرفه إزاء ذلك، فحدث أن انحنى أحد المارة وحملها متجهاً بها إلى المحل الذي كان جالساً فيه لأنه من أبناء المنطقة ويعرف أهلها،
لذلك قرر صاحبنا أن يبعد الهوية عن المحل بخمسين متراً أخرى في وسط الشارع، وليس هناك محل قريب منها، وبدأ يراقب لمدة نصف ساعة فصادفها أحد المارة وقلّبها فعثر على الرقم المثبت ولم يتوان لحظة عن الاتصال بصاحبها مباشرة ليخبره أنه عثر عليها ..
سلّمها لصاحبها مسروراً بفعل الخير الذي عبّر عنه بأنه رزق من الله واختبار لأمانته.. من هذه التجربة يبدو أن فقدان أية وثيقة رسمية ليس آخر الدنيا، بل ثمة أمل في العثور عليها وتلافي معاناة المراجعة والمساءلة القانونية والخسائر المادية المكلفة باستخدام هذه الطريقة البسيطة والمجانية .. لاصق صغير برقم هاتفك ليتصل بك من يعثر عليها وبذلك نسهل من يومياتنا وتعقيداتها.