في القرن الحادي والعشرين 365 مدرسة طينية و 687 كرفانية في عموم العراق

859

علي غني /

أعترف أني تألمت حد البكاء، وانا أكتب عن واقع المدارس في العراق، لست أبكي نفسي، وإنما أبكي الأجيال التي ستأتي من بعدنا، وأقول لأبناء جلدتي: انصبوا خيمة للعزاء، فنحن بلد النفط، في القرن الحادي والعشرين لدينا مدارس طينية وكرفانية، وأُخر آيلات للسقوط، والكارثة الكبرى هي الأرقام الصادمة عن أعداد التلاميذ مقارنة مع عدد المدارس، والآن هلموا معي إلى لغة (الارقام) التي نسميها أحياناً:
لغة الحقائق ؟!
المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أشار الى: أن عدد المدارس الطينية يبلغ 409 مدارس طينية في عموم العراق. وضمن ستراتيجية تخفيف الفقر، التي تضمنت فقرة من فقراتها تحسين مستوى التعليم في العراق، تمت إعادة تأهيل 144 مدرسة من هذه المدارس الطينية، التي يتركز معظمها في محافظات الجنوب والوسط وما تزال 365 مدرسة طينية قائمة!
لكن المصدر المسؤول في وزارة التربية أشار الى وجود 150 مدرسة طينية، و687 مدرسة كرفانية في عموم محافظات العراق، وأن عدد المدارس يبلغ 14977 مدرسة حكومية، و2321 مدرسة أهلية في عموم العراق، وأن عدد الطلبة والتلاميذ في المدارس الحكومية يبلغ 9033273 طالباً وتلميذاً، وأن عدد الطلبة والتلاميذ في المدارس الأهلية يبلغ 341742، وهذه الإحصائيات تعود للعام الدراسي 2017-2018، فماذا عن إحصاءات عام 2019.
تحليل الأرقام؟!
عندما نقسم عدد الطلبة في المدارس الحكومية نصل إلى نتيجة مفادها أن كل مدرسة تستوعب 603 من الطلاب والتلاميذ، وإذا استثنينا مدارس الريف والأطراف، التي تشتمل على أعداد قليلة عادةً، فإن ما تستوعبه كل مدرسة يقارب الألف طالب، وأن عدد الطلبة في الصف الواحد يكاد يتجاوز الـ60 طالباً أو تلميذاً، وتشهد كل فرصة مدرسية حوادث اصطدام الطلبة ببعضهم، ويتجاوز عددُ حوادث ساحات المدارس عددَ الحوادث المرورية في العراق، وأن معظم المدارس تخلو من درسي الرياضة والفنية، لاكتظاظ الصفوف بالطلبة، بحسب الأعداد الموجودة في كل مدرسة.
أكثـر من ألف مدرسة متضررة!
وبالعودة إلى المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي: إن 1336 مدرسة متضررة تعرضت للهدم الكلي أو الجزئي بسبب أعمال الإرهاب في المناطق المحررة، وسيتم تأهيلها في السنتين المقبلتين، وسيتم إنجاز 350 مدرسة في العام الجاري، وينقل عن السيد وزير التخطيط نوري صباح الدليمي أن الاتفاق بشأن حل مشكلة المدارس التي لم تنجز سيكون من خلال تخصيص المبالغ او سحب يد المقصرين في الملف. وأوضح أنه تم الاتفاق مع جميع الأطراف المعنية بملف بناء المدارس، على أن هناك مدارسَ تحتاج فقط أن تعطى مبالغ من أجل المباشرة بها، ومدارس تحتاج سحب يد منها، وهناك مدارس تحتاج الى إضافة ملاحق.
انحدار لا يصدق في التعليم..
إن نقص البنايات المدرسية، كما وصفه أحد المختصين بشؤون التربية، بأنه أبو المشكلات، لأنه يؤدي الى تسرب أعداد هائلة من التلاميذ والطلبة لعدم استيعابهم المحاضرات في الصف المزدحم. وتشهد لجودة التعليم (سابقاً) في العراق، أعرق المنظمات التربوية العالمية، ومنها منظمة اليونسكو التي شهدت للعراق في السبعينات بأن نظامه التربوي يحتل المراكز المتقدمة في الشرق الأوسط. وكانت الشهادة العراقية معترفاً بها في أرقى جامعات العالم. وعلى ذمة وزارة التخطيط فإن العراق كان سيخلو من الأمية عام 1979، فماذا جرى للعراق الآن؟ وماذا قدمت الحكومة العراقية من حلول في الوقت الحاضر، ونحن الآن في القرن الحادي العشرين؟
البرلمان يفتح ملف الأبنية (المتلكئة)..
في خطوة وصفت بأنها نقلة نوعية، خصص البرلمان جلسة خاصة برعاية النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن كريم الكعبي لبحث ملف الأبنية المدرسية (المتلكئة)، وتوصلت الأطراف المشاركة في الجلسة والمكونة من لجنة التربية في البرلمان والأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة التربية، والهجرة والمهجرين ووزارة التخطيط، الى محاسبة المقصرين بأسرع وقت، واستغلال كرفانات وزارة الهجرة والمهجرين، ونقلها الى المحافظات لتعويض النقص الحاصل في الأبنية، وإلغاء مديرية الأبنية المدرسية في وزارة التربية والدوائر المماثلة في بقية المحافظات، والتنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لتحقيق هدف واحد هو إكمال المدارس،على أن تقدم للحكومة موعداً بذلك.
تضارب الآراء في شأن حاجة العراق من المدارس
أكدت وزارة التخطيط أن العراق بحاجة الى بناء ما يقارب الـ 10 آلاف مدرسة، في حين ترى رئيسة لجنة التربية في مجلس النواب هدى الجار الله الجبوري في مداخلتها أمام مجلس النواب في اجتماعه لمناقشة ملف الأبنية المدرسية، أن العراق يحتاج الى بناء 12 ألف مدرسة في عموم المحافظات، لكي تكون هناك مدارس نموذجية يمكن أن تراعي الحالة النفسية للتلاميذ والطلبة وتمنح الساعات الدراسية الكافية لهم وفق النظام المعمول به عالمياً.
أنقذوا التعليم؟!
نحن كلنا مسؤولون عن إنقاذ التعليم، بدءاً من الرئاسات الثلاث حتى أصغر مواطن عراقي، الصحفي من واجبه أن ينبه الحكومة، ونسألهم جميعاً: أين الضمير الإنساني والتلميذ يرتعش من البرد في الشتاء، ويختنق من الحر في الصيف؟ العالم كله يشهد للمبدعين العراقيين في المجالات كافة، أفلا يستحق منا التلميذ العراقي، الذي سيضيف المزيد إلى رصيد الإبداع العراقي، أن نبني له مدرسة تليق به؟