في المناطق المحرّرة يحيون ذكرى الإمام الحسين

875

حيدر الجابر /

قبل عامين، انقشعت الغمامة السوداء التي غطّت مساحات واسعة من بلاد الرافدين، ونشرت قوانين جديدة خالفت الفطرة العراقية والعادات الأصيلة الناشئة عن ثقافة التسامح وقبول الآخر، ومنها منع إقامة العزاء الحسيني وتوزيع الطعام في ذكرى واقعة الطف، وهي العادة التي دأب عليها أهالي محافظات العراق كافة. وكانت من نتائج انتصار القوات الأمنية والحشد الشعبي على الإرهابيين الدواعش عودة العادات الشعبية العريقة التي تستذكر معركة كربلاء الخالدة واستشهاد الإمام الحسين (ع) وآل بيته وأصحابه.

فقد شهدت مدن وأقضية وقرى في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى والأنبار انتشار مراسم العزاء بشكل تدريجي، وزيادتها عاماً بعد آخر.
نينوى
وكانت أكثر محافظة عانت من سيطرة الإرهابيين الرعاع هي نينوى، التي شهدت عملية قمع وإبادة لم تشهدها طوال تاريخها. يقول الناشط والإعلامي شهاب آغا الصفار: إن مراسم الطبخ العاشورائي عادت شيئاً فشيئاً الى بعض مدن المحافظة وقراها، وإن هذه المظاهر كانت موجودة في مناطق محدودة قبل 2014، وذلك بسبب الخوف من الاستهداف الإرهابي المتطرف، ومن هذه المناطق: سهل نينوى، وبعض أجزاء الرشيدية، التي شهدت إقامة مواكب ومجالس عزاء متواضعة نسبياً، أو سرّية.
أضاف الصفار أن الوضع بدأ بالتغيّر بعد التحرير، فقد انتقل العزاء من السرّية الى العلنية، وبدأ بالانتشار تدريجياً، فقد أقيمت مراسم الطبخ والتوزيع في الأول من محرّم الحرام وما بعده داخل مدينة الموصل، وكذلك في حي النور بالجانب الأيسر من الموصل.
ديالى
وعلى الرغم من أن محافظة ديالى لم تسقط بأكملها بيد التنظيم الإرهابي، إلا أنها حصلت على نصيبها من القمع. وما إن تم تحرير المحافظة حتى عادت الى ارتداء ثوبها الحقيقي، وعادت مواكب العزاء وتقاليد عاشوراء سيرتها الأولى، وهي تجسد التعايش السلمي بأجمل صوره.
يقول الإعلامي أحمد العبيدي: إن أهالي محافظة ديالى مارسوا طقوسهم المعتادة بشكل طبيعي، وتم تسجيل زيادة في عدد مقيمي العزاء ومن يقدم الطعام طلباً للثواب. وأضاف أن معظم مناطق المحافظة شهد إقامة مواكب العزاء وتقديم الطعام، ومنها مناطق: الكاطون وسراجق وسوق بعقوبة وأبو صيدا وشهربان وزهيرات وخرنابات والخالص. يكمل العبيدي، وهو من أهالي غربي بعقوبة، أن من اضطلعوا بإقامة مراسم العزاء والطبخ هم عراقيون من كل المذاهب والأعراق، وفي جو من التسامي والارتقاء، وبشكل تصاعدي حتى ليلة العاشر من محرّم الحرام. ويوضح العبيدي أن الهريسة والفاصوليا والقيمة هي الأكثر شيوعاً بين الأطعمة الخاصة بالمناسبة.
الأنبار
لعل محافظة الأنبار كانت إحدى العقد الأمنية بعد 2003، إذ سجلت أقضيتها وقراها توتراً أمنياً دائماً، وتغلغلاً للعناصر الإرهابية. يقول الإعلامي عمر الدراجي، وهو من أهالي مدينة الرمادي، إن شهر محرم هو ذكرى خالدة للأمة الاسلامية عامة وللعراق خاصة، فقد استبيح فيه دم سبط الرسول العظيم وسقط شهيداً مدافعاً عن الحق. وأضاف أن كثيرين من محبّي النبي (ص) وآله الاطهار في الأنبار بادروا بإعداد الطعام وإطعامه للمسكين والفقير والغني وقراءة سورة الفاتحة، فيما قامت بعض العشائر العربية الأصيلة من أبناء محافظة الأنبار وأهلها الكرام بإعداد وليمة او مأدبة طعام للمشاركة مع أبناء وطنهم في إحياء هذه الذكرى الخالدة في الكثير من أقضية هذه المحافظة وبشكل عفوي وتصرف فردي لا يرتجى منه سوى الثواب والأجر. وتابع الدراجي أن هذه كانت وما تزال رسالة الأنبار الى العراق، لأن الحسين (ع) للعراقيين جميعاً، والعاشر من محرم له في الأنبار طعم ونكهة خاصة، ولا سيما في الفلوجة والرمادي ونواحيها ومناطق غربي الأنبار.
وختم الدراجي كلامه بالقول إن والدته قامت بطبخ الهريسة وتوزيعها، فيما وزعت خبز العباس (ع) يوم السابع من محرّم.
صلاح الدين
ولا تختلف محافظة صلاح الدين عن بقية المحافظات المحررة، فقد شهدت مدنها وقراها تواصل إقامة العزاء الحسيني وتقديم الطعام للمعزّين.
يقول الإعلامي فليح العبيدي إنه مع إطلالة شهر محرّم من كلّ عامٍ تنعقدُ المجالس الحسينيّة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله (ص)، ويقف أبناء العراق اليوم جميعاً من كل الطوائف ليستلهموا المعاني النبيلة من هذه الثورة العظيمة التي خلدت في أذهانهم. يضيف العبيدي أن محافظة صلاح الدين من المناطق المحررة المهمة، وبعد عودة الأمن فيها بدأ نصب مواكب التعازي والمواساة في ذكرى استشهاد سيد الأحرار أبي عبدالله الحسين (ع). ويؤكد العبيدي أن مناطق بيجي وتكريت والشرقاط والعلَم وبلد، فضلاً عن سامراء وغيرها، شهدت إقامة مواكب العزاء وتقديم الطعام طلباً للثواب. يتابع العبيدي أن الحسين (ع) كله خير وبركة، وأن حب أهالي صلاح الدين إياه ليس عاطفة فحسب، وإنما هو عقيدة ايضاً، ومن هذا المنطلق نجد الكثير من الأهالي يشاركون إخوانهم لإحياء الشعائر الدينية من تقديم الطعام والشراب في المواكب الحسينية.
وقال حامد السامرائي صاحب أحد المواكب في سامراء إن الحسين (ع) هو لكل البشرية وثورته أنموذج لمواجهة الظلم ورفضه وإرجاع الحق إلى نصابه، كما أن الحسين (ع) ليس لطائفة معينة، فقد ألهمت ثورته العظيمة الناس من الديانات كافة وكان وما زال وسيبقى هو قائد الفكر الثوري ضد الخضوع للاستبداد والإجرام السّياسي.
الحسين (ع) يوحد العراقيين
يمكن توصيف شعائر طقوس محرم بأنها بوصلة تتجه إليها قلوب العراقيين، وأن كل المحن والشدائد التي تمر عليهم لن تنسيهم أن الإمام الشهيد (ع) اختار العراق ليكون مثواه الأخير.
الإيزيديون
يقول الإعلامي الإيزيدي دلدار شنكالي إن العلاقة التاريخية بين أهالي قضاء سنجار لم تمُت، بل أصبحت أقوى بعد هجوم تنظيم داعش الإرهابي على المنطقة، وبيّن أن مشاركة الإيزيديين في إحياء ذكرى عاشوراء لم تكن المرة الأولى، فقد سبقتها السنوات الماضية في مرقد السيدة زينب في حي “سوكا سري” بمدينة سنجار، أما في القرى والمجمّعات السكنية فقد كان الإيزيديون والمسلمون يطبخون معا هريسة عاشوراء. وتابع شنكالي، وهو كاتب ومصور، أن هذه العلاقات التاريخية لا يمكن قطعها أو إنهاؤها، داعياً الى تقوية هذه العلاقات لإعادة الحياة وتقوية العلاقات التي تجمعنا. واستنكر التفجيرات التي تستهدف المزارت والحسينيات والمساجد والكنائس.
المسيحيون
يشعر الكاتب المسيحي جمال طوبيا بالفخر وهو يتحدث عن مشاركة الكثير من العوائل المسيحية في كل المحافظات في مراسم عاشوراء واستذكار يوم اسستشهاد إمام الحق والإنسانية الحسين بن علي (ع)، الذي ضحى بكل غالٍ وبنفسه من أجل الثورة على الباطل والظلم. وقال طوبيا إن الإمام الحسين (ع) إمام لكل الأمم، ومَثلٌ أعلى للثوار، ومن هذا المنطلق يشارك المسيحيون إخوانهم المسلمين، إذ يقومون بالطبخ وإقامة مواكب العزاء وتوزيع الثواب الى (المشّاية). أضاف طوبيا أن وفداً من الفاتيكان شارك في هذا الحدث الجليل تعبيراً عن الحب والاحترام لأهل البيت (ع).
المندائيون
الشيخ ستار جبار حلو، الزعيم الديني للمندائيين، يرى أن الحسين (ع) ليس خاصاً بالمسلمين، ولكنه للإنسانية جمعاء، لأن القضية الحسينية ذات أبعاد لا تنحصر بأفراد معينين، فقد ضحى الحسين (ع) بحياته لمحاربة الفساد.
وقال حلو: لقد ضحى الحسين (ع) لأجل قضية عامة وعلى الجميع احترام هذه الأيام الحزينة، وقد أصدرنا تعليمات لأبناء الطائفة بمنع مظاهر الفرح والسرور، والحث على إقامة الصلوات والمشاركة في المواكب الحسينية في بغداد وميسان والبصرة.
وتابع أن المندائيين واظبوا على حضور الخطب ومجالس العزاء، انطلاقاً من الشعور بالواجب، مذكراً بأن محبّي الحسين (ع) شاركوا المندائيين في مناسباتهم، مجسّدين معنى وفكرة الوطن الواحد.