في اليوم العالمي للقرآن الكريم القيم القرآنية منهج عمل ودستور مجتمع فاضل

358

استطلاع: فكرة الطائي /

لا أنكر أنَّي وجدت صعوبة بالغة في الكتابة عن هذا اليوم العظيم في حياة الشعوب الإسلامية والإنسانية جمعاء، وكيف نجعل من هذا اليوم فرصة للتذكير وإشاعة القيم الإسلامية بين أفراد الأسرة، واحترت لمن أتوجه بأسئلتي، هل أذهب إلى المؤسسات الدينية أم لذوي الاختصاص الاكاديمي في الجامعات أم لبعض الأسر التي أعرفها؟ استقر قراري في البداية أن تكون انطلاقتي مع ذوي الاختصاص الأكاديمي.
القرآن منهج رباني
أثناء انشغالي بالتفكير بهذا الموضوع المهم روحياً وفكرياً وإنسانياً، وقفت على مجموعة من الاسئلة التي وددت أن استشف إجاباتها من أهل الاختصاص، لذلك طرحت بعضا من هذه الأسئلة على “الدكتور عبد الهادي محمود الزيدي، التدريسي في كلية العلوم الإسلامية بجامعة بغداد” وكان مفتاح الحديث السؤال الآتي:
* ما دلالات الاحتفال باليوم العالمي للقرآن الكريم؟ وهل يكفي يوم واحد لذلك؟
– القرآن الكريم يستحق من العالم أجمع وليس من المسلمين فقط اهتماماً كبيراً، عبادة واعتماداً وعملاً، على مدى العام وليس يوماً واحداً، فهو المنهج الرباني الأخير الذي كلفت الإنسانية جمعاء باتباعه، وفي هذا اليوم المبارك نذكر ونحيي مناسبة الإسراء والمعراج التي توافق اختيار يومه المبارك هذا، وبهذا التذكير إنما ندعو المسلمين خاصة والعالم عامة إلى اتخاذ أحكام القرآن وتعاليمه منهجاً في حياتنا كلها، وهذا هو الاحتفال الحقيقي بالقرآن الكريم ومكانته.
*ما الدروس الإنسانية التي يشيعها القرآن الكريم بين البشر كافة؟
– نزل الكتاب الكريم على قلب النبي (عليه الصلاة والسلام) في شهر رمضان ليكون بشيراً ونذيراً ورحمة للعالمين وتحديداً في ليلة القدر، ونتعلم من هذا أن القرآن الكريم كان متابعاً ومواكباً للأحداث ولدعوة النبي الكريم، فكانت آيات تنزل لتوضح الموقف وأخرى لبيان موقف الإسلام من حدث ما، وأخرى تفضح أهل الكفر، وآيات أخرى تأتي مبشرة المسلمين بنصر ما.
* ما الذي يمكن أن نقف عليه من أخلاق وسلوكيات في القرآن الكريم لتصحيح مسار المجتمع ونحن نحتفل في يومه المجيد؟
– دعا القرآن الكريم الناس إلى انتهاج الخلق القويم والسلوك الحسن لتسيير حياتهم على نحو آمن وسليم ونافع، فقد شدّد القرآن على اتباع العدل وعلى الخلق الحسن مما أغفله كثير من التشريعات الحديثة، فهي دعوة لرعاية المحتاجين والفقراء وكفالتهم اجتماعياً، كما دعا الإنسان المسيء إلى التوبة والاستقامة، ووجّه بنبذ الخلافات ونشر السلام والصلح بين أبناء المجتمع، ولا نغفل عن حقيقة أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم للحكم به وليس لوضعه على الرفوف.
* ما الذي ينبغي أن نفعله في هذا اليوم؟
– ما ينبغي أن نفعله هو توقير القرآن وتنفيذ أحكامه وآياته الكريمة وعدم تحريفه بالتفسير أو بغير ما تعنيه كلماته وتلاوته بنحو مستمر، والعمل بما تقتضيه تعاليمه ولو على أنفسنا، أي بمعنى تطبيق ما يقوله القرآن في الأحكام والأخلاق حتى اذا كانت تخالف رغباتنا، فقد كان الجيل القرآني الأول (الصحابة رضي الله عنهم) يحفظون الآية ويطبقونها على أنفسهم قبل أن يحفظوا ما بعدها، ولهذا نحتاج اليوم إلى كثير من خلق القرآن الكريم في بيوتنا ومؤسساتنا وحياتنا اليومية، فنحارب بخلق القرآن الفساد المنتشر، ونرفض الرشوة والظلم والفوضى، وندعو للإصلاح والعدل وتوفير الأمن وفرص العمل واحترام حقوق الإنسان وحرية الرأي وآنذاك نكون قد احتفلنا صدقاً بكتاب الله تعالى في يومه وفي الأيام كلها.
أربّي أولادي على الخلق الكريم
تخرجت السيدة “سلمى الحمداني” في كلية التربية الجامعة المستنصرية، وعملت مدرسة للغة العربية والتربية الإسلامية في إحدى المدارس المتوسطة في محافظة الحلة، التقيت بها أثناء زيارتي لبيت من بيوت أقربائي وتحدّثت معها في هذا الموضوع، قالت لي: “منذ أن تزوجت، كنت أفكّر في تربية أولادي تربية صالحة على وفق التعاليم الإسلامية، حتى لا أكون في قلق دائم على مستقبلهم وكيف ستكون نشأتهم في المستقبل، فقد أخذت أغرس فيهم تلك القيم الأخلاقية ليكونوا قدوة صالحة في المجتمع”.
وتضيف: “لا تتوقعي أن هذا الأمر سهل جداً حتى وإن كانوا صغاراً، فما تغرسينه في سنوات يمكن أن يقلع في لحظات”، سألتها كيف يكون ذلك؟ فأجابت “ستكونين على الدوام في صراع مع خارج بيتك من أجل الحفاظ على تربية أولادك، ويبدأ الصراع مع أقرب الناس ثم مع الشارع والمدرسة وميدان العمل، فلكل منا فهمه وتصوره للقيم الإسلامية في تربية الأبناء، فمنهم من يَعدّه تزمتاً ومنهم من يعدّه زرعاً قبل أوانه وأنّ الأطفال لا بد أن يتركوا ليتعلّموا من التجربة، وثمة من يحسدونك على تربية أولادك بالطريقة الإسلامية الصحيحة على منهج القرآن، الذي سنّ النهج السليم للتربية الذي سينتج عنه بناء مجتمع سليم”.
الإسلام دين شامل
الدكتور “علاوي مزهر المسعودي التدريسي في كلية العلوم الإسلامية بجامعة كربلاء”، قال: عندما نتحدّث عن الدين الإسلامي وما يتعرّض له في الوقت الحاضر من حركات مضادة تحاول حرفه والاساءة اليه، علينا أن ننظر إليه على أنَّه دين شامل ومتكامل لكل نواحي الحياة كما أنَّه دين للبشرية جمعاء”.
سألت الدكتور علاوي: كيف يمكننا إشاعة القيم الإسلامية في الأسرة ونحن نستذكر هذا اليوم العظيم، اليوم العالمي للقرآن الكريم؟
أجابني: إن صلاح الأسرة يعني صلاح المجتمع وفسادها يعني فساد المجتمع وقوة الأسرة هي قوة للمجتمع، لذلك اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالأسرة وجعل لها شأناً عظيماً، الامر الآخر الذي يؤكده الإسلام بعد الاهتمام بالأسرة هو إشاعة روح التسامح والتفاؤل والتحاب بين أفراد المجتمع وإفشاء الكلمة الطيبة بين الناس وتغليب الحكمة والعقل في تعاملاتنا اليومية، كل ذلك يدعو الناس إلى العبادة والتمسك بدين الله، وجادلهم بالتي هي أحسن، القرار الصائب، الكلمة الصالحة الصحيحة، فهذا الدين الذي يشيع قيم العفو والمغفرة ونبذ العنف وإشاعة المساواة بين العباد هو دين الله، دين الحق.