في بالي.. ينبشون قبور موتاهم للترويح عنهم

120

ترجمة: آلاء فائق/

يقوم القرويون في مقاطعة بالي، وتحديداً في قرية (توراجان) الإندونيسية، التي تعد إحدى الوجهات السياحية الدولية، باحتفالية سنوية ضمن مهرجان الأموات المعروف بـ(مانيني)، الذي يستمر لأيام. إذ يُخرج الأهالي موتاهم المقربين من قبورهم ويلبسونهم أجمل الملابس والأكسسوارات، وذلك تخليداً لذكراهم بطقوس غريبة استمرت منذ عقود مضت.

سكان قرية توراجان الواقعة في مرتفعات جنوب (سولاويسي) في إندونيسيا، لهم علاقة وثيقة جداً مع الموتى، حتى أنهم أحيانا يحتفظون بالجثث المحنطة في منازلهم لأسابيع أو حتى لسنوات قبل دفنها، بل حتى عندما تكون جثامين الموتى مدفونة تحت الأرض فإنها لا تبقى هناك لفترة طويلة قبل أن يعاد إخراجها وتنظيفها وتعقيمها وتدليعها بتسريحة شعر جميلة، وإلباس الموتى ملابس جديدة، بل إن بعضهم يقدم لهم السجائر والغذاء ويلتقط معهم صور السيلفي للذكرى، والتفاعل معهم كما لو كانوا لا يزالون على قيد الحياة، بعد ذلك يجري اقتيادهم إلى مكان وفاتهم وسحبهم إلى قبورهم وكأنهم يمشون.
مهرجان (موكب الأموات)
خلال مهرجان (موكب الأموات) السنوي، يجري تجهيز الجثامين وعرضها في موكب مهيب يعبر جميع أنحاء القرية بنيّة تخليد ذكراهم والدعاء لتحقيق حصاد وفير خلال السنة. ولا أحد يعرف بالضبط متى أو كيف بدأت ثقافة قرية توراجان في الاحتفال بالموتى، إذ إن القبيلة طورت كتابة لغتها المحلية في العام 1900، وفقاً لناشيونال جيوغرافيك. لكن بصمة القبيلة الوراثية أظهرت مؤخراً أن هذه الممارسة الغريبة تعود إلى عام 800 بعد الميلاد.
طقوس غريبة
وقد أثارت طقوس الموت السنوية هذه اهتمام العالم على مدى أجيال عديدة، حيث تُقام طقوس الموت هذه والمعروفة محليا بـ (توراجا)، تيمناً باسم قبيلة توراجان الإندونيسية الأصلية، كل شهر آب. ويحرص أفراد الأسرة بعد إخراج جثامين أحبائهم الراحلين على تقويم وإصلاح الأضرار التي تعرضوا لها على مدى عام كامل. وتعد هذه الطقوس جزءاً لا يتجزأ من إيمان القبيلة بالحياة والموت، لكن هذه الطقوس الغريبة من نوعها أثارت اهتمام الناس وذهولهم على مدى عقود من الزمان، إذ تُنبش مئات القبور في هذه القرية حيث يتولى أقرباء الراحلين إلباس جثامين أحبابهم ثياباً، بهدف تكريم أرواحهم وتقديم القرابين لهم.
يوضح رئيس قرية توراجا (رحمن بادوس) أن “القرابين ترمز إلى امتنان الأبناء والأحفاد لأرواح آبائهم وأجدادهم المتوفين “.وأضاف أنهم يكرمون أرواح الموتى “ليبارك هؤلاء دائماً الأحياء من خلال توفير الأمان والسلام والسعادة لهم”.
وأعطت إحدى العائلات قريبها الميت، الذي أخرجته من القبر، قرباناً هو عبارة عن سيجارة، في حين وضعت عائلة أخرى نظارة شمسية على أنف المتوفى.
تعد طقوس الموت هذه أكبر احتفال بالحياة، إذ يعتقد القرويون أن الصلة بين الحياة والموت لا نهاية لها، ففي ثقافة توراجان، يعد الموت الجانب الأكثر أهمية في الحياة، ونتيجة لذلك قد تستغرق طقوس الدفن سنوات بعض الأحيان.
كما يحتفظ بجثمان المتوفين في منزل العائلة، ويكرم ذوو المتوفي محبوبهم الراحل في كل الأوقات، ففي السنوات الأخيرة أصبح التحنيط عرفاً شائعاً للحفاظ على أجساد أحبائهم الراحلين.
كهوف مجوفة
تقليدياً، يدفن المتوفى في كهوف مجوفة، حيث تقوم العائلة باسترجاعها (لتطهير الجثة) كل سنة، وغالباً ما يقوم أفراد القبيلة بإعادة دفن الجثة مع أشياء مثل المال والسجائر والملابس الجديدة.
يقول (إريك كريستال رانت ألو)، رئيس فرع توراجان، لصحيفة (سيدني مورنينك هيرالد)، إنه “على الرغم من أن الأمر قد يبدو غريباً بالنسبة للغرباء، إلا أنه جزء أساسي من الثقافة الإندونيسية.” مضيفاً: “يعتقد شعب توراجا أن أرواح الموتى تعيش بيننا نحن الأحياء، وتجلب لنا البركات.” ويحترم شعب توراجا موتاهم بشدة.
يبلغ عدد المنتمين إلى مجموعة توراجا العرقية في جزيرة سولاويسي نحو مليون شخص، لا يتورع هؤلاء السكان المحليون عن الحديث عن جسد محنط أو إلباسه أو تمشيط شعره او التقاط صور مع قريب محنط.
وتقام مراسم (مانيني) عادةً في شهري تموز أو آب، تبعاً للقرية، لكن قد لا يُحتفل بها بالضرورة كل عام.
يؤمن المنتمون إلى توراجا بأن أرواح الموتى تبقى على الأرض قبل مراسم الجنازة، وتبدأ رحلتها إلى أرض الأرواح بعد أن تصبح هذه الأرواح خالدة، كما تحافظ العائلات على جثامين أحبائها المتوفين إلى أن يتوفر لها ما يكفي من المال لإجراء جنازة كبيرة لهم.
يُحنَّط المتوفون بطريقة تُستخدم فيها مواد طبيعية كالخل الحمضي وأوراق الشاي، لكنّ عائلات كثيرة باتت تفضّل تبسيط الأمور عن طريق حقن محلول الميثانال في أجسام أحبائها.
ويشكّل استخراج الجثث مشهداً صادماً ومروعاً للسياح، أما السكان المحليون فيكونون، على العكس، في ذروة السعادة بتنظيف الجثث والتقاط الصور والصلاة من أجل أرواح الموتى.
آدم ماكليري، صحيفة الديلي ميل