في سوق البالة.. بأسعارٍ بخسة.. تأنّقْ كالنجوم

608

آية منصور – تصوير:يوسف مهدي /

يبدو (علي) أنيقاً للغاية وهو يستعرض أمام زملائه ثيابه المبهجة والمليئة بالحياة، فيما هم يتساءلون عن مصدرها، فيجيبهم بحفاوة وثقة كبيرة: “من سوق البالة.” علي، الشاب الذي يرتاد، على نحو مستمر، أسواق البالة، القائمة في مدن ومناطق مختلفة من العاصمة، يؤكد عدم شعوره بالخجل أو الخوف من ذكر مصدر ثيابه المستعملة، ولاسيما أن أغلب الناس يرون في هذا الموضوع حقيقة مخجلة لا يستطيعون البوح بها.
أسواق البالة أو (اللنكة)، هي أسواق خاصة بالثياب المستعملة والمستوردة من بلدان عدة أوروبية وآسيوية، يكثر الطلب عليها من شتى طبقات المجتمع.

الثلاجة يمكن أن تكون بالة!
ترى (أم أحمد)، وهي ربة منزل، أن سوق البالة لم يعد حصراً بالطبقات الفقيرة أو المتعففة فحسب، إذ بدأت هذه الأسواق بتوفير بضائع غير مستخدمة، لكنها تصنف ضمن الـ(بالة)، وتباع أيضاً بأسعار ليست بالرخيصة نوعاً ما. كثيرون لديهم تصور خاطئ عن سوق البالة، إذ يتصورون أنه يقتصر على فئة محددة وبصنف وحيد من البضائع هو الثياب المستعملة والقديمة، لكن الحقيقة هي أن البالة ممكن أن تشمل أجهزة منزلية غير مستخدمة حتى، لكنها تباع بسعر أرخص. تضيف أم أحمد: أن جودة مواد البالة قد تكون أفضل بكثير من المواد الجديدة التي غالباً ما تكون رديئة المنشأ، أو أدوات من الدرجة العاشرة، حسبما ترى هي!

ثوب ماركة بسعر الساندويتش!
أما (سجاد)، القادم من الناصرية للعمل في مجال بيع الملابس المستخدمة، فقد استطاع الحصول على متجر في سوق الكاظمية، بعد أن عمل مدة طويلة فيه لإعانة عائلته، يقول سجاد:
– عالم الثياب المستعملة مربح ومريح ومفيد للجميع، البائع والمشتري، وحتى التاجر، إذ يمكنهم أن يشعروا بالرضا من قطعة ثوب صغيرة، ولا أجمل من هذا! ويحدثنا عن رغبات زبائن المحل واحتياجاتهم، مبيناً أن وجود النساء الدائم داخل هذه المحال هو بسبب بحثهن المستمر عن كل ما هو جيد وبأسعار رخيصة، والمخبأ السري يكمن هنا في البالة فقط، يضيف:
– أنت لا يمكنك شراء ثوب (شانيل) أو أحمر شفاه (ديور) بسعر 2000 دينار عراقي إلا حينما تكون في سوق البالة، إنه يبدو كالحلم لدى النساء أن يرتدين ثوبَ ماركة بسعر ساندويتش فلافل! وسنشاهد داخل متجر سجاد، المخصص لبيع الملابس المستعملة، كثيراً من الأكسوارات النسائية والمكياج، (البالة) أيضاً، مرمية بنحو عشوائي، ويبرر ترتيبهن بهذا الشكل بالقول:
-إن البضاعة متغيرة تغيراً مستمراً، والسبب هو كثرة الطلبات من النساء، ومن مختلف طبقاتهن الاجتماعية وعلى اختلاف وظائفهن، إذ تجد الطالبة وربّة المنزل هنا، الموظفة والعاملة، وليس صحيحاً أن البالة حكر على فئة وحيدة باستثناء الطبقة الحاكمة، (يضحك)، يذكر أنه حتى بعد ارتفاع القدرة الشرائية لدى الفرد، ما زالت فئات كبيرة تتسابق للحصول على بضاعة البالة كأنها كنز، على تنوعها من ملابس أو أجهزة إلكترونية أو ألعاب أطفال. وتقع أبرز أسواق البالة اليوم في الكاظمية والباب الشرقي وبغداد الجديدة، فضلاً عن سوقي باب المعظم ومريدي، ويزورها الناس من المدن والمحافظات كافة.

من الأفضل؟
يحدثنا (اسماعيل محمد)، صاحب محال لبيع الملابس الجديدة والمستوردة من تركيا والصين، أن ملابس البالة أصبحت تنافس البضاعة الجديدة، ولربما تتفوق عليها، ولاسيما من قبل الطالبات الباحثات عن التميز بمظهرهن، يقول:
– أرى تغيراً كبيراً في الذوق الشبابي، ولاسيما لدى النساء، إذ لم يعد شغلهن الشاغل هو الثوب (الغوتشي) أو (الجينز الزارا)، فأغلبهن صرن يبحثن عن القطع المتميزة والنادرة، وهذه غير موجودة في البضائع الجديدة. في ختام حديثه يؤكد اسماعيل نيته ترك البضاعة التركية واللجوء إلى المستعملة لأنها، حسب قوله، ستعود عليه بنفع أكبر.

الأسئلة لا تنتهي
أما (سهى)، الطالبة في كلية الآداب/ جامعة بغداد، التي تعتمد كلياً على ذاتها في توفير نفقات الدراسة والملازم، فضلاً عن أجور النقل والثياب، إذ أنها تعمل بعد الدراسة بأجر زهيد لكنه يمكّنها من ترتيب حياتها، فتؤكد بالقول:
– المال القليل الذي أجنيه من عملي لا يسمح لي بشراء الثياب الباهظة الثمن والجديدة، نصحتني صديقة لي بالذهاب إلى سوق الكاظمية، لقد انبهرت، وجدت ثياباً وقمصاناً لم أرها سوى في ثياب الممثلين في المسلسلات، حتى أصبحت صديقاتي بعد ذلك يسألنني على نحو مستمر عن مصدر أناقتي!