كردستان.. مواكب ومجالس وأحزان على مُصيبة كربلاء

146

أربيل – ضحى مجيد سعيد/
مع بداية كل عام هجري تتجدّد الأحزان في ذكرى فاجعة أليمة وحزينة على قلوب المسلمين جميعاً ألا وهي استشهاد ابن بنت رسول الله الإمام الحسين عليه السلام ومعه ثُلة خيّرة من أهل بيته من ذرية رسول الله والخُلّص من أصحابه، وسبي نسائه وعلى رأسهم أخته زينب التي سُميت أم المصائب لهول ما مرّ بها في واقعة الطف الأليمة التي حدثت في العاشر من شهر محرم الحرام،
إحياءً لهذه الذكرى الأليمة تُقام مجالس الذكر والعزاء في عموم البلدان المسلمة بل وحتى البلدان غير المسلمة والأجنبية التي توجد فيها جالية مسلمة، وكردستان العراق ليست بعيدة عن هذه الأجواء، فتُقام هذه المجالس ويحضرها جمعٌ غفيرٌ من المعزين والمواسين للنبى (ص) وآله الأطهار (ع ).
المجالس الحسينية
للوقوف على مزيد من التفاصيل عن عاشوراء في الإقليم وما هي التحضيرات التي أقدمت عليها الجهات المعنية والممثلون في أربيل؛ التقينا السيد عثمان المفتي مدير عام وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لحكومة الإقليم، فأوضح لنا كيفية إقامة المجالس الحسينية في المحافظات ذات الأغلبية السنية، قائلاً: بودي أن استخدم كلمة السنة والشيعة بأقل ما يمكن، ومن الطبيعي أن بعض المحافظات العراقية التي غالبيتها العظمى من السنة متأثرة بتراكم التلقي الذي لم يكن يؤلّف ولم يكن ليجمع، بل كان وعّاظ السلاطين يبنون جدارا سميكا بين المذهبين، لكن هذا الجدار بدأ يتهاوى بعد توسّع المعارف ورفع السقف المعرفي للمسلمين عامة.
المحافظات الكردية في الإقليم تنظر إلى مناسبة عاشوراء نظرة جلل، ممزوجة بحزن صامت تتخلله الخيرات وتوزيع الطعام للفقراء، ولأن لغة الأكراد هي لغتهم الأم، فالناس لم تكن تفهم كلام الخطباء في المجالس الحسينية ولا التباكي واللطم، لكنّهم كانوا يستمعون إلى الرواديد في ضحى يوم عاشوراء في إذاعة بغداد منذ عام ١٩٥٠ ولحين السقوط.
وأكمل: الان تُقام المجالس الحسينية في أربيل والمحافظات الكردية من قبل ممثلي الأحزاب والمرجعيات في النجف وكربلاء، ويحضرها الآلاف من الناس، وبدأ حضور العلماء والاشخاص يزداد يوماً بعد يوم، وذلك لزيادة الوعي في هذا الاتجاه، إذ ان المجالس الحسينية تكثر حيث يوجد مجتمع شيعي، والمجتمع الكردي مجتمع سني شافعي المذهب، فليست هنالك مجالس حسينية في أي مجتمع سني.
والمتوارث لدي هو أننا منذ الصغر كنّا نسمع الحكايات عن مظلومية الحسين بكربلاء وكيف أنّه استشهد، فكانت هذه الملحمة التراجيدية ضمن حكايات أمهاتنا، كذلك جُبلنا على حب الحسين وآل البيت النبوي الشريف، فضلاً عن أن أكبر الشوارع لم تكن لتخلو من الإشارة إلى هذه الحادثة، فالمتوارث هو الحزن الصامت الهادئ.
وأضاف: في هذا المصاب الجلل يجري معظم هذا اليوم في الخطب والكلمات وتوزيع الطعام والأدعية المناسبة، وأغلب نسبة المشاركة من النازحين المقيمين في الإقليم وبنسبة ٧٥ ٪ منهم يحضرون من رجال ونساء وأطفال، تشارك فيه بالاضافة الى النازحين .
هيئة المواكب الحسينية
أما أبو زينة مسؤول المواكب الحسينية في أربيل فأوضح لنا أن هيئة المواكب الحسينية في أربيل هي التي تأخذ على عاتقها تنظيم عملية فعاليات المجالس في أربيل بعد التنسيق مع العتبة الحسينية المباركة ووزارة أوقاف الإقليم.
وأضاف قائلاً: تأخذ إدارة هيئة المواكب الحسينية في أربيل بعملية الإشراف على انطلاق المجالس إلى كربلاء لزيارة أربعينية الإمام الحسين، التي تنطلق عادةً بعد العشرة الأولى من شهر صفر حسب علمي في أربيل والسليمانية لتواجد الأطراف التي ترعى هذه الفعاليات، وإن عدد المجالس الحسينية التي تقيمها العتبة الحسينية في أربيل عشرة مجالس، بدءاً من يوم الخميس الأول من محرم لغاية العاشر منه، ١٤٤٤هجري الموافق 20 / 7 إلى 29 / 7 وقياساً بالعام الماضي كان عدد المجالس خمسة.
وأكمل: بعد التنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في أربيل سيكون مكان إقامة مجالسنا لهذا العام في قاعة مسجد التون طريق بنصلاوة.
وتقتصر على قراءة مقتل الإمام الحسين عليه السلام ثم قصيدة لطم وتختم بإقامة صلاة الظهر ثم وجبة غداء، فيكون البرنامج نهاراً من الصبح للظهر.
إمام الهدى والإصلاح
بدوره قال السيد سعد أحمد الأعرجي ممثل المرجعية في إقليم كردستان: من حيث التأثير على الطوائف الأخرى فإن الحسين عليه السلام هو أمام الكل ولا تقتصر إمامته على طائفة الشيعة فقط، ومنهجه هو منهج الإصلاح والإصلاح لا يختص بدين أو مذهب أو عقيدة، إنما هو منهج إنساني عام، ولهذا فإن أثر النهضة الحسينية أثر عام على كل البشرية فثورته المباركة وحركته الإصلاحية التي نادى بها لا تنحصر في زمان معين أو مكان معين ولا ضمن حدود دين أو فئة معينة؛ فهو القائل: ((ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليهما السلام))، فهذا المنهج عام رسمه الحسين لعموم البشر، منهج الإصلاح في مقابل منهج الظلم والجور والفساد، فكيف إذاً لا يكون مؤثراً في الجميع؟
وبيّن قائلاً: إن المجالس الحسينية في إقليم كردستان العراق تقام كما في بقاع الأرض المعمورة، هناك مأتم يُقام كل ليلة من الليالي العشر الاولى من محرم، ولمدة ساعة تقريباً يتطرق فيها المحاضر (الخطيب) إلى الحديث عن النهضة الحسينية المباركة ومشروعها الإصلاحي، بعد ذلك يقوم الرادود بإلقاء قصائد تثير في قلوب الحاضرين مشاعر الحزن والأسى على الحسين ع وأهل بيته وأصحابه الذين قتلوا ظلما، كما يقوم أصحاب الموكب بتوزيع المأكل والمشرب بثواب الإمام الحسين وشهداء الطف على الحضور المتَّشحين بالسواد حزنا على أبي عبد الله عليه السلام.
تحت ظلال القرآن
الشيخ مــناف الكردي رئيس مؤسسة (التعايش السلمي تحت ظل القرآن) في أربيل كردستان العراق شاركنا الحديث قائلاً: إن واقعة عاشوراء من أشهر الحوادث المأساوية في التأريخ وأكثرها إثارة، وجرت فيها الانتهاكات وهتك الحرمات، فكانت لها انعكاسات وأصداء واسعة، وقد صوّر الفن كل ذلك على شكل لوحات فنية، وأفلام ومسلسلات، وخطتها أنامل الشعراء والأدباء وأرباب المقاتل شعراً ونثراً.
وأضاف: يجب علينا نحن النخبة من علماء الدين والمثقفين بلا استثناء أن نُفهم ونُعَلّم الجيل القادم وشباب الأمة من هذا الرجل العظيم الذي اهتز عرش الرحمن لاستشهاده، الذي بكت ملائكة السماء لاستشهاده، وعلیهم أن یُعَلِّموا شباب الأمة والأجيال القادمة أن الحسين دين وعقيدة ومنهج ومدرسة من تخرّج من هذه المدرسة العظيمة أخذ بحظ وافر.