كــاتدرائية نوتــــــــردام دي لاغارد مرســــــيليا الجمال الإنساني اللامتناهي

254

فرنسا – ميساء فاضل

لا شعورياً، تأخذك روح المقرنصات الخلابة وقداسة البنيان الشاهق إلى عبق الماضي المؤلم وشواهده التاريخية المنحوتة بصمتٍ على صفحات رواية (أحدب نوتردام)، الذي كانت صياغته على أنَّه إنسان مضطهد في حالة إعاقة ظاهرة، ومن ثم ترميه الأقدار بمفارقة موجعة، ليس فقط في قصة الحب بينه وبين (إزميرالدا)، وإنما في توق البشر إلى دفء الانسانيّة الضائع، لذلك اقترن اسم نوتردام في فرنسا (ككل) على الدوام بقصص الجمال الإنساني المُعذب في دوامة العصور الغابرة.
مجلة “الشبكة العراقية” دخلت كاتدرائية (نوتردام دي لاغارد)، هذا الصرح المعماري الرائع وتجولت في أروقة الكاتدرائية للتعرف على تفاصيلها وأصل حكاية جمالها المعتق.

شموع وأعياد سنويّة
كاتدرائية نوتردام دي لاغارد هي أيقونة مرسيليا الساحرة، فأينما تسير في مرسيليا سوف تشاهد في الأعلى تمثالاً مطلياً بالذهب للسيدة العذراء وهي تحمل الطفل المسيح بتصميم معماري يذهل كل من يراه، بعد ذلك سوف تجبر مخطوفاً على الصعود إلى هذا المعلم الرائع لتستكشف الأسرار بزيارة تفاصيله المبطنة ومشاهدة جمال المدينة من الأعلى، إذ تُعد الكاتدرائية من المعالم السياحية المهمة في المدينة، ويحتضن موقعها الجغرافي مناسبة حج سنوي شعبي كل عام في عيد انتقال العذراء المقدس، حيث يقصدها السياح من كل أرجاء العالم مع السكان المحليين لإضاءة الشموع وتلاوة الصلوات، ومشاهدة هذا المعلم السياحي الرائع في ليالي القداسة.

عمران برؤية بانورامية
يفسر أصل هذه التحفة المعمارية، كما نقلته (الأراشيف)، بأنها كاتدرائية رومانية كاثوليكية، تلقب بـ “الأم الطيبة” أو “الأم الحارسة”، كما أنها تحظى بشعبية كبيرة لدى السكان المحليين، لكونها وجهة رائعة للسياح القادمين إلى فرنسا من جميع أرجاء المعمورة، ويعتبر التجوال داخلها والطواف حولها من المناسك الاكثر شهرة في مرسيليا، إذ يحمل عبقاً تاريخياً ودينياً، علماً بأنها تقع على أعلى تل يرتفع بأكثر من 150 متراً بالقرب من ميناء مرسيليا القديم، وتطل على المدينة بمنظر بانورامي يتيح إمكانية رؤية جميع أنحاء المدينة بشكل كامل من حيث الجزر والتلال والبحر.

الجرس.. برج الجاذبية
إن ما يميز الكاتدرائية هو أنها (معنونة) ببرج الجرس، وهو بارتفاع 41 متراً، معلق في نهايته جرس عملاق وزنه 8 أطنان، وفوق الجرس هنالك شرفة تحتوي على 4 تماثيل ملائكية تدعم قبة بارتفاع 12.5 متر، وتدعم كذلك تمثالاً ضخماً بطول 11.2 متر، تحتوي الكاتدرائية أيضاً على معلمين متميزين، هما كنيسة مقببة منخفضة بقبو مقنطر، وكنيسة عالية تضم الضريح المخصص للسيدة العذراء.
وقد بنيت الكاتدرائية في القرن السادس عشر على أسس قلعة وحصن قديم عام 1853 واستمر بناؤها لأكثر من 40 عاماً، إذ كانت بالأصل توسيعاً لمصلى من العصور الوسطى، لكن جرى تحويله إلى بناء جديد أقامه فرانسيس الأول ملك فرنسا، علماً بأن المنطقة تعرف بالتل الحارس، وكان يستخدم لمراقبة البحر والميناء وتنبيه المدينة من هجمات الأعداء، بعد ذلك جرت أعمال ترميم للأجزاء المتضررة منها بين الأعوام من 2001 إلى 2008 التي تآكلت بسبب التلوث ودخان الشموع.

رُخام بيزنطي نادر
والمدهش هو أن الطراز البيزنطي الفخم الذي يميز تصميمها الداخلي من الجدران والأسقف المزخرفة من الرخام الملون، يمثل لوحة فسيفساء لا حدود لأطرافها، وقد استخدم الحجر الجيري الأخضر الذي جلب من مدينة فلورنسا الإيطالية والقباب والحجارة المتعددة الألوان والجدران المذهبة بزخارف هندسية متنوعة، وبنيت على أيدي أمهر المهندسين والمعماريين في ذلك الوقت، كما نجد داخل الكاتدرائية العديد من الصور السابقة على الجدران، التي جرى الكشف عنها مؤخراً، وهي شهادة على المعتقدات الشعبية القديمة المتوارثة آنذاك.