كلما ضاق متنفس الأطفال الواقعي

969

آية منصور/
“اضطررت للانتقال الى أربيل فقط من أجل أطفالي، إذ لا يعقل أني في العطلة الصيفية أقوم بسجنهم في البيت.” تبدو علياء أحمد، وهي موظفة في وزارة الصحة، ممتعضة من عدم وجود اي “متنفس” او فسحة للأطفال في البلاد لقضاء عطلهم الصيفية بعد سنة دراسية مجهدة، إذ تؤكد أن العطلة في العراق لا تعد سوى كونها أياماً فائضة للصغار ليس إلا!
يشكو العديد من الآباء انعدام سبل الترفيه أو النشاطات التعليمية للأطفال في أوقات العطل الصيفية، كما تفعل الدول الأخرى، الأمر الذي يجعل الطفل العراقي منغمساً في ألعاب الفيديو فقط، او اللعب بالهواتف المحمولة، التي لها تأثيرات سلبية على صحة الطفل النفسية وتفاعله مع محيطه.
الهروب هو الحل!
تبين علياء أنها، في كل عطلة صيفية، تأخذ صغارها الى أية مدينة من مدن كردستان للترفيه عنهم، وذلك لأسباب عديدة، منها اعتدال درجات الحرارة مقارنة ببغداد، كما أن العاصمة لا تملك -بالنسبة لعلياء- سوى بعض المولات والمطاعم! “أزج صغاري في دورات تثقيفية وترفيهية وتعليمية كثيرة، دورات لتعلم الرسم او الموسيقى، كما يستطيع أطفالي الثلاثة الاستمتاع والاستفادة من وقتهم والتعرف على اصدقاء جدد يمارسون معهم نشاطات ممتعة تصقل موهبتهم.”
لم ألعاب الفيديو فقط؟
من جهته، يشكو حارث السالم، وهو أب لولدين، من تعلق ولديه بعالم الفيديو والألعاب فقط، “فلا وجود -حسب تبريره- لعالم ممتع آخر غير هذا متاح أمامهم بأمان، ولا حل أمام عائلته سوى تركهم يمضون وقتهم بإدمان الألعاب.”
يقول السالم: “عندما كنت في عمرهم، كنت أشعر بالحيرة عند اختياري ما أريد من النشاطات، كنا نذهب الى التخييم، والنشاطات الصفية الصيفية، كذلك كنا نتسابق للانضمام الى فرق الكشافة والتوجه نحو الطبيعة واستكشاف الحياة، لكن كل شيء تغير اليوم.”
ويبين السالم أنه، وبرغم إصراره على تعليم ولديه في مدارس أهليه، يشعر بالخيبة، فلا وجود لفكرة “السفرات” حتى أثناء الدراسة، وكأن الطالب العراقي قد خلق لنظام التدريس وحسب، الذي يجري فيه إلغاء مواد الترفيه كالفنية او الرياضة لتعويضها بدروس علمية، علماً بأن هذه الطرق تجعل الطالب مشمئزاً من الدراسة ولا يطيق المدرسة. “أقصى ما أستطيع فعله هو السفر لأيام عدة الى تركيا او لبنان، ثم العودة الى الرتابة وألعاب الفيديو ولا شيء آخر، أشعر بالحزن إذ أن صغاري وصغار العراقيين جميعاً لا يملكون أدنى معرفة بأساليب الترفيه ولا يعلمون ما يعني (التخييم) او إجراء تجارب فنية او علمية، ثم يطلبون منهم أن يكونوا جيلاً بنّاءً، فكيف يتحقق هذا؟”
لا أماكن تعليمية ولا ترفيهية
فيما تؤكد نور الربيعي عدم توفر سبل الترفيه والتثقيف للطالب العراقي، الأمر الذي يسبب للموهوبين إحباطات ومتاعب حياتية في المستقبل، منها ان لا يكون ذهن الفرد منفتحاً على آفاق الحياة. تضيف: “التدريس في مدارسنا مجرد تلقين، إذ يجري تدريس أبنائنا مواد علمية وحفظية، دون الانتباه الى عقولهم وهواياتهم ومواهبهم، وهم لا يعرفون ما الذي يجري بغير الحفظ، بينما المدارس في العالم اتجهت الى طرق تدريسية جديدة من خلال تحفيز عقل الطفل بأنشطة تجعله يفكر خارج الصندوق، وذلك بتوفير summer school التي يمارس فيها الطالب مختلف النشاطات التي تجعله متحفزاً ومحباً ومتحمساً للفصل الدراسي المقبل.”
وتوضح الربيعي أن “من أهم الأنشطة التي يتوجب على الطالب الاعتياد عليها في العطلة هي السباحة وتعلم بعض البرمجيات المحركة لقدراته الذهنية، كذلك تعلم لغات جديدة غير المتاحة في المدرسة، أي أن الطالب يحتاج في العطلة الى أمور مختلفة عما درسه ليستوعب الحياة ويعتاد على التفكير الإيجابي.
بعض المدارس بدأت تحاول توفير بعض هذه التفاصيل بشكل مبسط وبدائي، يحتاج الى الكثير من الخبرة، كما أنها باهظة الثمن، أتمنى أن أرى هذه المدارس تقوم بفعاليات ونشاطات لطلبتهم في العطلة مثل الذهاب الى المتاحف او الأماكن العلمية او الأثرية وجعل الطالب أكثر عطاء من خلال مدرسته.” كما تدعو نور الى ضرورة استخدام الطرق الجديدة للتعليم والترفيه، التي تشتمل على توفير أماكن لعب تكون ممتعة للأطفال، توجد فيها مساحات وإمكانيات أن تترك الأم صغارها والعودة اليهم في وقت محدد، كذلك تتيح للطفل قضاء جزء من أوقات عطلته في أماكن وبيئة مناسبة كهذه.”
وتحاول نور -قدر الإمكان- تسجيل أولادها خلال العطلة في بعض النوادي الصيفية التي “توفر دروس الباليه والكاراتيه والحساب الذهني على نفقتها الخاصة، إذ لا وجود لأماكن حكومية كهذه بالطبع.”
الشاشة بديلا عن الاستكشاف
من جهتها، توضح المختصة المحللة في علم النفس الدكتورة ولاء الموسوي، أن عدم توفير سبل الترفيه او الاستكشاف لدى الأطفال سيجعلهم “غير آمنين” في حياتهم، وستكون ذواتهم مشبعة تدريجياً بالحرمان والحدّية وحتى المشاعر السلبية، ذلك أن الطفل بحاجة لأن يشعر بطفولته من خلال هذه الأمور. وتوضح أن “فوائد الرحلات الاستكشافية للطالب في العطلة الصيفية كثيرة، ومنها: تنمية القدرات الذهنية الاستكشافية للطفل، والتعرف على الحياة الحقيقية، مثل معرفة أنواع الزهور والأشجار والحشرات والحيوانات الأليفة، وغيرها، من خلال زيارة حدائق الحيوانات والسفرات الطبيعة وتشكيل العلاقات الاجتماعية من خلال التعارف واللعب مع الأطفال الآخرين في العالم الحقيقي، لا الافتراضي.”
وتوضح أن “لهذه التفاصيل أهمية أيضاً في تنمية قدرات التفكير والتخطيط من خلال اللعب والاختلاط مع الأطفال الآخرين، ما يؤدي الى تقليل الاضطراب والتشويش الذهني، والكآبة الناتجة عن انزواء الطفل وعزلته مع الشاشة.”