كيف نحمي كنزنا البشري من الضياع ؟

910

باسم عبد الحميد حمودي/

الكنز البشري في التراث الشعبي المادي وغير المادي هو الانسان الحي الذي يكون على قدر عال من الخبرة والمعرفة في واحد من أبواب التراث الثقافي, وقد أسميناه في عام 1986 في ندوة بغداد الفولكلورية (حامل التراث الشعبي الحي) وعقدنا له مؤتمراً عراقياً لدراسة كيفية الحفاظ عليه , من دون أن ننجح في تحقيق ذلك !

الصانع الشعبي

حامل التراث غير المادي والمادي هو الصانع الشعبي (الحدّاد والنجّار والبنّاء للصناعات الشعبية وراوي السيرة وراوي الحكايات الشعبية والأمثال والمحافظ على التعابير الشفاهية المروية (القصخون) و(ابن المضيف أو الديوان) والمشارك في طقوس العرس الشعبي والممارس (الممارسة) لتقنيات الزينة والتجميل (الحلاق الشعبي والحفّافة والدلّاك ..الخ) إضافة الى الممارس لأية حرفة شعبية توشك على الانقراض, أو يخشى عليها من الاندثار بفعل التقنيا ت الحديثة.

الدكتور حسين علي محفوظ جمع في بحثه المنشور في كتاب(أبحاث في التراث الشعبي) تحت عنوان (الصنّاع والبيّاع والمحترفون في التراث) أكثر من ألف صنعة وصانع وراوٍ وحافظ للفولكلور في العصور السالفة, والكثير من مهن هؤلاء لاتزال موجودة بفعل الحاجة اليها والى منتجها ومن هؤلاء:

الأبّارون (حافرو البئر) -المبيضون – صيادو العصافير- الحاكة (الحائكون أو الحياك)-الشرابيون (صانعو وبائعو الشرابت أي العصائر المصنوعة يدوياً ) – السمانون- الكجّالون – المجبّرون – اللبّانون- المنشدون – القراء – الدلّالون بأنواعهم- الهرائسيون – صناع الحصران – السداريون – حاكة العمائم – صانعو الحلويات بأشكالها – وغيرهم كثير.

كيف نصون هذا الكنز؟

السؤال الرئيس هنا هو كيف نحمي هذا الكنز البشري ونصون عمله؟ إن الكنز البشري الموجود حالياً سيزول يوماً ولابد من الحفاظ على خبرته, بعد حصر أنواع التراث المادي وغير المادي وحصر (توثيق) أفراده وجماعاته الحاملة له والقيام بالتوثيق العلمي المتكامل لذلك وذلك عبر:

-إنشاء بنوك معلومات حول الكنز البشري وما يحمله من معارف وخبرات.

– القيام بأبحاث ميدانية لتوثيق الحِرف والهوايات والألعاب الشعبية التي توشك على الانقراض مثل لعبتي الحاح (بلبل حاح) والشجام (الصدام بين شابين يتحركان على رجل واحدة لكل منهما بعد أن يرفع الرجل الأخرى ويقيدها ومن يفوز بالصدام هو الذي يوقع غريمه) وسواهما.

-إنجاز صور ورسوم وأفلام وثائقية.

– تعزيزوسائل التعلم الخاصة بالأنواع التي توشك على الانقراض من المهن والهوايات مثل لاعبو الزورخانات وصانعو حياصات الخيل والبصوانية (تقاليدهم وعاداتهم) ونجارو ألعاب الأطفال الشعبية ورواة السيرة الشعبية عن عنترة وألف ليلة والسيرة الهلالية وسيرة المقداد …إلخ
إن الأهم والأكثر ضرورة في هذا المجال الحيوي لحفظ الكنوز البشرية هو التسجيل في قوائم اليونسكو وطلب المساعدة الدولية للصيانة ووضع نظام رسمي يحدد أنواع الكنوز البشرية وكيفية حمايتها صحياً وتكريمها مادياً لضمان استمرارها في عملها والحصول منها على الخبرة المتراكمة .

البداية من ينجن كوهيو

وضعت الكثير من الدول أنظمة وقوانين للحفاظ على الكنوز البشرية, وسبقت اليابان بقية الدول في تأسيس الاحتفالات الخاصة بالكنز البشري (حامل التراث الشعبي) وتكريمه, فقد سنّت عام 1950 قانوناً تحت اسم (ينجن كوهيو) كرّمت بموجبه أقدم صانعة للسجاد ومنحتها راتباً شهرياً مجزياً وشهادة تفوق ووساماً إمبراطورياً !

في عام 1964 أصدرت كوريا الجنوبية قانونها الخاص بالحفاظ على الكنز البشري ورعايته, ثم تبعتها الدول الأخرى المهتمة بهذا الأمر الحيوي في حياة الشعوب مثل فرنسا ورومانيا والفيليبين وتايلند.

نشاطات اليونسكو

قبل ذلك، وفي عام 1966، تبنّت منظمة اليونسكو مبادئ التعاون الثقافي الدولي, وهي صيغة عامة لم ترض الكثير من الدول الأعضاء حتى أصدرت عام 1972 (اتفاقية التراث العالمي والطبيعي) لتعبّر من خلالها عن أهمية الحفاظ على الجوانب غير المادية للتراث, وبعد عام اقترحت بوليفيا إضافة فقرة حول حماية حق المؤلف في الفولكلور, وهو أمر كان مثار جدل ونقاش حول (من يملك الحق في حقوق استخدام المادة الفولكلورية من غنائية الى راقصة الى مادة سردية الى صناعة ).

بعد سنوات، وفي عام1982 أنشأت اليونسكو لجنة خبراء لصيانة الفولكلور ووحدة إدارية للتراث غير المادي، وأطلقت عام1994 برنامج الكنوز البشرية الحيّة. وبعد ذلك أعلن عن برنامج (إعلان روائع التراث الشفهي غير المادي للانسانية)، وقدمت إعاناتها المادية والإدارية والفكرية للدول التي تطلب العون .

من قائمة التراث الإنساني

في عام 2003، وبعد مصادقة اليونسكو على اتفاقية صيانة التراث الثقافي دخلت الاتفاقية عام 2006 موضع التنفيذ, وأعد الخبراء الدوليون 730 موقعاً وظاهرة فولكلورية وقرروا اعتمادها وصيانتها ومنها :

(حديقة سوجي المعلقة في اليابان – جامع الفنا في المغرب- جبل أفرست- الاحتفال السنوي في كولومبيا للمساواة بين البيض والسود- تراث البدو في وادي رم في الاردن- الغناء الصنعاني

– المقام العراقي- الاكروبول في أثينا-الحكاية الشعبية في فلسطين- السيرة الهلالية في مصر- الإنشاد الجورجي المتعدد النغمات في جورجيا-أوبرا أكينكو في الصين- مدينة هراة في أفغانستان(مآذن جوامعها السيراميكية)-كرنفال اوروزو في بوليفيا- بحيرة بايكال في روسيا وغيرها كثير.

أهوار العراق

وضعت اليونسكو مؤخراً الأهوار العراقية ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي ودعت الدولة وأفراد المجتمع العراقي الى الحفاظ على الأهوار وحمايتها مادياً وتغذيتها والحفاظ على الكائنات الحية من طيور وحيوان واستخدام المادة الخاصة بالبناء فيها من الطبيعة التي فيها. وقد كان فرح العراقيين بهذا الإعلان كبيراً شرط استمرار الرعاية والاهتمام لإنجاح تجربة الرعاية العامية لها.