كيف يؤثر الرهاب الاجتماعي على حياة طفلك؟

501

ضحى مجيد سعيد/

تشكل عزلة الأطفال خطراً على طبيعة حياتهم وسلوكهم ومستقبلهم المهني، تظهر على شكل علامات وسلوكيات من بينها عدم الرغبة بالتحدث او لقاء الأشخاص سواء أكانوا أقارب أم غرباء. لهذا ينبغي على العائلة الانتباه الى حالة أطفالهم اذا ما تضررت وعدم إهمالها وعرضها على الأطباء والمختصين النفسانيين قبل تفاقمها.
ثمة العديد من الأسباب تقف وراء عزلة الأطفال، بعضها وراثي وأخرى تعود الى التربية وعدم اعتناء الأسرة بمعالجة الجوانب النفسية في حياة أطفالهم ومنعهم من اللقاء بأقرانهم، او قد تحدث نتيجة الصدمات والضغوط النفسية.
الفوبيا الاجتماعية
تقول الاستشارية النفسية رؤى أحمد شوكت: “يطلق على العزلة الاجتماعية في كتاب التصنيف الدولي للاضطرابات النفسية(الرهاب الاجتماعي) أو (الفوبيا الاجتماعية)، وهي تنتج بسبب الشعور بالخوف والقلق عند الأشخاص الذين يميلون الى العزلة، وهي بالتأكيد لها سلبياتها على حياتهم وتواصلهم مع الآخرين، لأن طبيعة الإنسان أنه كائن اجتماعي غير قادر على أن يعيش بمفرده، وإن حصل ذلك فإن هذا يعني أن هناك خللاً في تكوينه.”
وأوضحت شوكت أن “هذه العلامات تظهر عند بعض الأطفال على شكل أشخاص محرجين، غير مرتاحين بوجودهم مع الآخرين، وأحيانا معدومي الثقة بالنفس، ولاسيما عندما يكونون وسط مجموعة من الناس أو الأصدقاء أو المعارف، وعادة ما تتضح لديهم علامات الانطواء على أنفسهم.”
وأشارت الى “وجود مظاهر سلوكية تدل على أنهم يعانون من الرهاب الاجتماعي، كمحاولة الانشغال بعمل ما، مثل اللهو بالموبايل أو أي شيء قريب منهم، او يحملونه بأيديهم التي يحركونها بطريقة معينه كأن يضعوا إحداها على الأخرى ويبدأون بتحريكها حتى يشغلوا حالهم بها، لاسيما إذا كانوا وسط جمع من الأشخاص وأحيانا يعملون على هز أقدامهم أو اللعب بثيابهم، وتبدو عليهم علامات القلق والتوتر، ويكونون ملازمين وممسكين بأيدي آبائهم خشية الابتعاد عنهم.”
وبينت أن هذه الاضطرابات تكون بدرجات متفاوتة بين شخص وآخر، لكنها قابلة للتفاقم إذا لم تحل سريعاً.
ولفتت الى أن هناك علامات أخرى تدل على العزلة، كالخجل حين يزيد عن حده، وهنا ينبغي على العائلة أن تعرض طفلها على مستشار نفسي لمعالجته ببرامج سلوكية معرفية.
كما تؤكد شوكت أن “العزلة الاجتماعية لها تأثيراتها الكبيرة على مستقبل الأطفال وحياتهم بشكل عام، وما تتركه من آثار سلبيه على نفسية الطفل، ولاسيما إذا تفاقمت حدتها، ما يجعل الطفل غير قادر على الانسجام مع الاطفال وغير قادر على أن يحقق احتياجاته النفسية في التواصل مع الآخرين.”
ثلاثة أسباب
وحددت الاستشارية النفسية رؤى أحمد شوكت ثلاثة مسببات للعزلة الاجتماعية لدى الأطفال: أولها هو السبب البيولوجي أو الوراثي بمعنى أن هناك خللاً في تكوين الدماغ والنقاط المسؤولة عن فسيولوجيا التواصل والخلايا العصبية للتواصل بالدماغ مع الآخرين، او ربما نتيجة خلل جيني بحت متوارث عن آباء أو أجداد أو أقارب.
وهناك سبب آخر يعود الى التربية غير الصحيحة، مثل الإهمال الزائد، وأيضاً الدلال المفرط، إذ يكتفي الطفل بحب الوالدين فقط ويستغني عن بقية الناس من حوله، بالإضافة إلى ذلك حين يرون مشاهد عنيفة في المنزل مثل الضرب، أو الإهانة، أو الصراخ، كذلك العقاب الشديد من قبل الوالدين، فضلاً عن مشاهد قد تسبب لهم الصدمة من العائلة، مثلاً رؤية العلاقة الحميمة بين الأم والأب، أيضاً من مشاهدة علاقات جنسية على الموبايل من الإعلانات او غيرها، كلها عوامل تشكل صدمات نفسيه للطفل وتسبب له الرهاب الاجتماعي.”
وأشارت الى أن هناك نقاطاً ومعايير يضعها المجتمع من تصنيف الأبيض والأسود والسخرية من الآخرين، أي -بمعنى آخر- أن تكون نتيجة البيئة الدراسية او المحيطة بشكل عام، التي تشمل المدرسين، والبيئة، والمجتمع، والإعلام، والتوجهات الدينية، كلها من الممكن أن تسهم في بلورة مثل هذه الاضطرابات.
معالجة العزلة
توضح شوكت أن “علاج العزلة الاجتماعية لدى الأطفال، حسب التصنيف الدولي للأمراض النفسية والبروتوكول الدولي المتفق عليه كخطوة أولى، هو قياس نسبة الرهاب الاجتماعي عند هذا الطفل من خلال قياس (السايكو مترية) لنعرف مدى شدة الاضطراب، وكم نحتاج من الجلسات. أما الخطوة التي تليها فنقرر فيها مدى شدة العزلة وهل هي بحاجة الى علاج دوائي أم أن بإمكاننا الاكتفاء بالعلاجات السلوكية المعرفية في حالة قررنا معالجة هذه الحالة بدون دواء، وهذا دائماً ما يفضل لأن الأدوية فيها آثار جانبية.”
وأوضحت أن “علاج (سي بي تي)، أي العلاج المعرفي السلوكي، يتضمن جلسات لتنمية المهارات لمقاومة الرهاب، فضلاً عن ذلك هناك أيضا علاجات أخرى مثل التعلم باللعب والاندماج المجتمعي على الرغم من أنه لا يوجد أي مركز متخصص لعلاج العزلة الاجتماعية.”
تحذير
وحذرت الاستشارية رؤى من احتمالات تطور العزلة الى حالة التوحد على الرغم من أن أطياف التوحد عديدة ومختلفة، لكن بدايتها تتمثل بوجود علامات العزلة الاجتماعية، تتطور لاحقاً، او ربما تكون سبباً بوجود اضطرابات، وهذا أحد فروع العزلة .
اغتراب داخل العائلة
من ناحية أخرى، يقول أمجد قادر كرسو، وهو مدير إحدى المدارس الابتدائية في أربيل: إن “واقع الطفل اليوم مليء بالصراع والإحباط والحرمان، إذ یعیش الطفل والمراهق عزلة واغتراباً داخل العائلة لأسباب عديدة منها مشكلات الحضارة، واخرى تتعلق بمتطلبات الحياة المعقدة.”
ويوضح أن “الأطفال المنعزلين هم من الذين یعیشون في جو عائلي سيئ یسوده الإهمال والإرباك والمشكلات.”
وأشار الى أن “للمدرسة دوراً كبيراً في معالجة العزلة لدى الأطفال، إذ تسهم هي الأخرى في إعداد وتربیة أبنائها نفسياً واجتماعياً وأخلاقياً، بحیث تجعلهم قادرین علی تأدية دورهم الاجتماعی.”
زواج الاقارب
فيما يشرح علي أحمد ربيع، الذي يعمل طبيبا في أحد مستشفيات دهوك، حالة ابنته حسنى، التي تبلغ من العمر أربع سنوات، فعندما كانت في عمر السنة ونصف السنة أصيبت بنزلات معوية شديدة باستمرار، فضلاً عن انعزالها التام عن العائلة وتعاملها بعدوانية مع محيطها. وتابع “بعد الفحوصات اكتشفنا أنها مصابه بمرض عصبي من خلال ملاحظات والدي، وهو طبيب مختص بالجملة العصبية، ومراقبته لسلوكها وعزلتها في البيت، إذ شك بأنها مصابة بطيف التوحد، ومع هذا كان من الصعب الحكم على إصابتها، لأن اطياف التوحد متنوعة، لذا عرضنا حالتها على طبيب استشاري مختص بالأمراض النفسية، ومن ثم على لجنه من الأطباء المختصين مكونة من خمسة أطباء لغرض التأكد من أنها مصابة بطيف التوحد، وعزوا ذلك الى زواج الوالدين من الأقارب بالإضافة الى تطابق صنف الدم.”
يقول والد حسنى إن سلوكها في البيت يظهر على شكل انعزال تام إذ لا تنصاع لأية أوامر، وكثيراً ما تتمسك بشيء معين، مثل لعبة او جماد، وعادة ما يكون لونه أحمر أو أزرق، كما أنها ترغب في نوع واحد من الألعاب مع إهمال بقية الأشياء، وغالباً ما تكون في معزل عن العائلة، فضلاً عن اهتمامها بمواقع التواصل الاجتماعي وتعلقها بشخصيات كارتونية مشهورة.”
وبيّن أنهم يعملون جاهدين على تغيير سلوكها وعاداتها غير الصحيحة، وقد ألحقوها بمدرسة تدريب خاصة لتتلقى العلاج الخاص بأطياف التوحد، مشيراً الى أن نسبة التحسن في حالتها بلغت ٣٠٪ وربما يعود السبب الى أن مدارس التدريب الخاصة لا ترتقي في إمكانياتها ومستواها قياساً بالدول المتقدمة، او على الأقل مع دول الجوار.