لا تخجل من التعبير عن مشاعرك العيادة النفسية تبعد عنك الأفكار الانتحارية
زياد جسام
الضغوط النفسية بصورة عامة، وفقدان الأمل بالحياة، والضيق والحزن، مشاعر تتراكم عند بعض الأشخاض، حتى يصبحوا تحت وطأة الاكتئاب الكامل، ويبدأ الشخص بالانعزال وعدم التواصل مع الآخرين، ما يمنحه الشعور بالوحدة تماماً، ويمكن لهذه الوحدة أن تصبح شديدة، لدرجة تجعل الانتحار يبدو المهرب الوحيد له.
حسب آراء بعض المتخصصين، فإن هناك شريحة من الناس تتورط وتلجأ للمخدرات، ربما عن طريق استغلال هذه الفجوة من قبل الأشخاص المروجين، وإقناع الشخص المضغوط نفسياً بأن التعاطي يخدر المشاعر والذكريات المؤلمة، إلا أنها تؤدي إلى كارثة أكبر، وهي دوامة غير صحية وتزيد حالة الحزن، حتى يصبح الاكتئاب أعمق بكثير، ويدخل المدمن في معركة صعبة جداً، هي معركة التفكير في التعافي من الإدمان، والشعور بالخسارة والهزيمة وتزايد مشاعر الفشل وجلد الذات والإحساس بالعار، بالإضافة إلى المشكلات الأخرى، مثل خسارة وظيفته، وتدهور وضعه المادي والصحي، كل هذا يتراكم فتتسلل الأفكار الانتحارية إلى داخله، فيقرر إنهاء حياته.
توازن الحياة
د. براءة محسن العاملي، اختصاصية الطب النفسي والعقلي، مسؤولة وحدة الأمراض النفسية في مستشفى الكرخ العام، وهي أمين سر جمعية الأطباء النفسانيين العراقية، تحدثت لنا عن التوعية النفسية، التي تعد أحد الأسس الرئيسة للحفاظ على الصحة النفسية وتحقيق التوازن في الحياة، قائلة: “من خلال التوعية النفسية، يمكن للأفراد، أولاً: فهم مشاعرهم وأفكارهم بشكل أفضل، ما يساعدهم في التعرف على أسباب القلق أو الاكتئاب وكيفية التعامل معها بفعالية.
ثانياً: تسهم التوعية النفسية في كسر الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية وتشجيع الناس على طلب المساعدة عند الحاجة. فالمرض النفسي ليس عيباً، انما هو مرض مثل باقي أمراض فروع الباطنية، ويجب الإسراع في علاجه، لأن جميع وظائف الجسم تتأثر بالحالة النفسية وممكن أن تتدهور صحة الانسان بسبب سوء حالته النفسية.”
وعن توعية الأشخاص الذين يتعرضون للضغط النفسي بصورة عامة، قالت “ننصحهم بتطوير مهارات إدارة الوقت، وممارسة التأمل أو الرياضة، والحرص على النوم الجيد.”
وأضافت “أما الأشخاص الذين يصلون إلى فكرة الانتحار، فطلب المساعدة يعد أمراً بالغ الأهمية، إذ يمكن أن يكون عاملاً حاسماً في إنقاذ حياتهم وتحسين حالتهم النفسية، فالضغوط النفسية الشديدة غالباً ما تؤدي إلى شعور بالعجز واليأس، ما يجعل الفرد يرى الانتحار حلاً نهائياً لمشكلاته.”
واكدت الدكتورة العاملي: أن التفكير بالانتحار ليس بالضرورة أن يكون تحت تأثير ضغوطات الحياة، بل يمكن أن يحدث فجأة للأشخاص المصابين بمرض نفسي، مثل الاكتئاب، ولهذا نؤكد على أهمية طلب المساعدة مبكراً، لكيلا يؤدي المرض النفسي إلى الموت.
وفي ختام كلامها، وجهت الدكتورة العاملي بمخاطبة أولئك الذين يمرون في أزمات نفسية كبيرة، نصيحتين: “إذا كنت تفكر في الانتحار، فأرجوك أن تتذكر أنك لست وحدك، وأن هناك أشخاصاً يهتمون بك ويريدون مساعدتك. قد تشعر الآن بأن الألم لا يُحتمل، ولكن هذه المشاعر ليست دائمة، ويمكن تجاوزها بالدعم المناسب. تحدث مع شخص تثق به، سواء كان صديقاً، أو أحد أفراد العائلة، أو مستشاراً نفسياً. لا تخجل من التعبير عن مشاعرك، فهذه أول خطوة نحو الشفاء.”
الجانب الخفي
أما د. علي الموسوي، اختصاص الطب النفسي بمستشفى الإمام الحسن المجتبى (ع ) في دائرة صحة كربلاء، فتحدث عن الجانب النفسي للمجتمع وكيفية مراعاته، وقال: “إن المجتمع العراقي أصبح محاطاً بظروف وتحديات كبيرة، منها انتشار المخدرات والإدمان وغيرهما. وهذه الأمور لها تأثيرات نفسية كبيرة، وهذا ما دفع المؤسسات المعنية إلى توعية المجتمع بالصحة النفسية ومراجعة المختصين فيها، وبالفعل أصبح هناك وعي جيد بهذه المسألة، لأن الصحة النفسية نعتبرها، في مفاهيمنا، هي الجانب الخفي للإنسان، فالكثير من الناس يمرون بأزمات نفسية بسبب مشكلات حياتية على المستوى الشخصي، مثل الطلاق أو العلاقات، كثير من الحالات النفسية جرت معالجتها وبعد فترة تنتهي فكرة الطلاق وتعود الشخصية إلى رشدها. أحياناً تجد أناساً لديهم اضطرابات نفسية أو حالات اكتئاب، وهم لا يعلمون بأنهم بحاجة إلى مراجعة طبيب مختص.”
وعن الأمثلة التي صادفها كطبيب نفسي قال: “نشرت سابقاً فديوات للتوعية الصحية على مواقع التواصل الاجتماعي، شرحت فيها أعراض حالة الاكتئاب، أو اضطرابات الأطفال وتأخر النطق، بعد فترة راجعني أشخاص قالوا نحن لم نكن نعلم بأن حالتنا ممكن علاجها نفسياً، أو لم نكن نعلم أن مشكلات النطق لدى ابننا أسبابها نفسية، إلى آخره من الأمور.”
وأضاف أن “الاضطراب النفسي له تأثير على العديد من أعضاء الجسم ويسبب خللاً بالوظيفة، والجانب الثاني نحن هدفنا توعية المجتمع عن كيفية العناية النفسية، وكيفية التفكير السليم، وكيفية التخلص من الضغوطات والتعامل معها، خصوصاً أننا نعيش في بلد مر بأزمات كبيرة مثل الحروب والتفجيرات والإرهاب والقتل والصراعات المذهبية والدينية.”