لغة القرآن والبلاغة والشعر.. “العربية” تحلق بأجنحة اليونسكو في سماء الحضارة

411

علي غني /

نجح العراق في قيادة جهد عربي لضم اللغة العربية الى لائحة التراث العالمي غير المادي، خلال اجتماع عقد مؤخرا في منظمة اليونسكو. ويعد هذا الإنجاز إقراراً عالمياً بأهمية اللغة العربية وحمايتها والحفاظ عليها كواحدة من أهم اللغات الحية في العالم.
تمثل اللغة العربية رمزاً لاعتزاز العرب، وحتى المسلمين، بدينهم وحضارتهم، فهي اللغة التي تكفل القرآن بحمياتها قبل كل منظمة.
وهي أحد عناصر مقومات العرب وحافظة تاريخهم الشفهي والمؤرشف، وتعد من أقدم اللغات الحضارية في العالم، اذ يتحدث بها أكثر من 400 مليون إنسان في مختلف انحاء المعمورة.
تتميز اللغة العربية بقدرتها على التعبير عن المشاعر الحسية التي تختلج في قلب الإنسان، فكانت أداة الشعراء والكتاب والروائيين للتعبير عن أفكارهم وخلجاتهم..
ومع كل هذه الأهمية الحضارية للغة، لكنها تعاني من المتربصين بها، فعناوين الشوارع ولافتات المتاجر تسمى بأسماء اجنبية، لابل إن العديد من المدارس تحمل أسماء أجنبية، وتضع تعليمها في أدنى اهتمامها، وهي بلا شك محاولة للنيل من لغتنا ومحاصرتها وتقليل شأنها.
سلامة اللغة
محافظة بغداد احتفلت بيوم اللغة العربية بحضور خبراء اللغة وأساتذة النحو، وبمساعدة مستشار محافظ بغداد فؤاد الزوبعي، وقد حضرت “الشبكة العراقية” الندوة الخاصة بيوم الضاد.
شرح الزوبعي ما تقوم به محافظة بغداد من خطوات للحفاظ على سلامة اللغة العربية، فهي في مقدمة المشجعين، ومحافظها المهندس محمد جابر العطا يتابع عن كثب عملية الاهتمام باللغة ويؤكد حرصه على أن تخلو الكتب الرسمية من الأخطاء.

لغة متطورة
يقول الأستاذ الدكتور كريم حسين ناصح، رئيس جمعية اللسانيين العراقيين، إن أجمل ما يميز اللغة العربية عن لغات العالم، هو أنها أقدم لغة منطوقة، وهي لغة متطورة، استطاعت نقل حضارة الأمة الإسلامية الى أرجاء المعمورة، بكل مصطلحاتها وألفاظها وعلومها ومعارفها، فضلاً عن ذلك فإنها لغة القران الكريم التي شرفها الله بنزوله بها، يكفينا فخرا -نحن العرب- أن لغتنا اصبحت لغة الأمم الإسلامية الأخرى في العالم.
وعندما كنت أصغي له: أسمع مني هذه الحقيقة، (والكلام لشيخ اللسانيين العراقيين الأستاذ الدكتور كريم حسين) أن اللغة العربية من أرقى اللغات في العالم في نظمها وقدرتها على استيعاب المعاني والمعارف ونقلها بجدارة، لكونها لغة اشتقاقية، ولغة ذات قدرات عالية في التعبير عن المعاني، وقد أثرت هذه اللغة في اللغات العالمية جميعا، بأن نقلت الكثير من الألفاظ العربية الى اللغات: الإسبانية والفرنسية والإيطالية والفارسية والإنجليزية والهندية والتركية، وغيرها من اللغات، فضلاً عن ذلك فإنها تحتل مرتبة متقدمة بين اللغات العالمية.
جماليات خاصة
وعن أسباب اختيار اليونسكو الخط العربي ضمن موروث التراث العالمي، أجيبك بوضوح، أن الخط العربي يعد من الخطوط المعبرة ذات الصور الإبداعية الجميلة التي تجذب الناس للتأمل فيها، ولمعرفة أشكال هذه الخطوط التي تعددت وكثرت في حين أننا نجد في كل لغات العالم خطاً واحداً، لكن اللغة العربية لها خطوط عديدة ومتنوعة ويمتاز كل خط بجماليات خاصة يندر وجودها في كل الخطوط العالمية، ومن الإنصاف أن يحتفى بالخطوط العربية كونها غير معروفة في اللغات الأخرى.
“تريدني أن أقول لك حقيقة بالغة الأهمية” (الكلام للدكتور كريم)، إن السبب الأساسي في تعدد الخطوط هو اعتزاز المسلمين بالقرآن الكريم ورغبتهم في خدمة الألفاظ القدسية بإيجاد الخطوط المعبرة عن هذه القدسية، لذلك تفنن مسلمو العالم في العراق وتركيا وايران، وفي اكثر دول العالم، في إقامة المعارض الفنية للخط العربي لأن لكل خط لوحة جمالية تشكيلية.
يهجرون لغتهم..
وعلى الرغم من المكانة التي تتمتع بها اللغة العربية، إلا أننا نجد أبناء الأمة يهجرون لغتهم ويتفاخرون بنطق الألفاظ والمصطلحات الأعجمية، ويحاولون -بقدر او بآخر- النطق باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، متجاهلين لغتهم الام التي كرمها الله وكرمها المسلمون، والأدهى من ذلك أن العلوم الطبية والهندسية والعلوم الصرفة تدرس في جامعاتنا بلغات اجنبية، على الرغم من أن كل أمم العالم تدرس باللغة الوطنية (الأم) في كل بلدان العالم، وهذا يدل على أن المثقفين يحاولون أن ينسلخوا من هويتهم العربية والإسلامية، وينقادوا الى الدعايات المغرضة التي تريد قطع التواصل بين العرب وتراثهم المجيد.
اللغة المعجزة..
وعزا الدكتور محمد عبد الرضا العتابي، التدريسي في كلية الإمام الكاظم (ع)، تميز اللغة العربية وخطها الى أسباب دينية واجتماعية واقتصادية، فأما من الناحية الدينية، فلكونها أصبحت وعاء للقرآن الكريم، والجميل في ذلك (والكلام للعتابي) أن كل المعجزات التي ذكرت في القرآن هي معجزات ظاهرية وشكلية: كفلق البحر، أو إحياء الموتى، هذه المعجزات تنتهي بانتهاء نبيها التي تعد له معجزة، اما أن تكون اللغة معجزة فهذا محل حديث، فهل يمكن أن تتصور أن تكون الكلمة إعجازاً لنبي، هل كون القرآن قص علينا أخبار الأمم السابقة، لماذا كانت اللغة مصدر إعجاز في رواية ما في الأمم السابقة، لسببين: الأول هو الإيجاز في المعلومة، والثاني هو الصدق في نقلها بما يبعدها عن التحريف الاجتماعي.
وتمثل اللغة -بألفاظها وتراكيبها السهلة والجزلة- حركية الحديث بين ابناء المجتمع، فيستطيع الواحد فيهم أن يعبّر عما يريد بطرائق مختلفة، وهذا يجعل المجتمع اكثر تفاهما لما يريد أن يقوله المتكلم، وما يريد أن يحصل عليه.
أكثر من الف سنة..
تعال معي لفهم اكثر للغة، ففي العلاقات القبلية تجد أن دماً لمقتول يسقط بكلمة، وعندما نأتي الى الجانب العاطفي الذي يعبّر به المرء عن حبه لأبيه او أمه او زوجته او حبيبته، ففي اللغة العربية يمكن ان تتعد الألفاظ ( هيام، شوق، حب)، لكن الذي حطم اللغة هو الجانب الاقتصادي، فالناس تريد المعيشة، وسوق المعيشة بغير اللغة العربية، لأن البضائع التي تأتي الينا أغلبها من الخارج، وعليها اسماء غير عربية، فيضطر المتكلم باللغة العربية أن يحفظ المفردات ويسوقها في لسانه، بينما كانت العربية سابقا، كمثال على ذلك العصر العباسي، فقد كان الأعجمي وغيره يطمحون بتعلم اللغة العربية ليقصدوا بغداد للمعيشة فيها.
وعن اختيار الخط العربي ضمن موروث التراث العالمي، ذلك لأن اللغة العربية تمتاز برسم الحرف، وهذا الرسم مضى عليه اكثر من (١٣٠٠) سنة ولم يتغير(لأنه أصبح إرثا تاريخيا، والسبب الرئيس هو الإرث القرآني لأنه كتب فيه القرآن)، أما اشكال الخطوط فهي فن رسم الحرف، وهناك فرق بين الخط وفن رسم الخط .
لغة حية..
وبيّن الأستاذ المساعد الدكتور زاهر العاشقي، استاذ اللغة العربية في جامعة الإمام الكاظم (ع)، أن اللغة العربية فرضت وجودها قبل وجود اللغات الأخرى، فهي لغة حية تستوعب كل مستحدثات العصر، لم تقصر هذه اللغة في رفد الثقافات الأخرى بمنظومة اسماء ومعلومات، فتداخلت ورفدت اللغات التركية والفارسية والإسبانية والإنجليزية، حتى أنهم نقلوا واستخدموا مفردات اللغة العربية، اذ لا يوجد بديل لهذه المفردات، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى نراها انموذجاً طيباً كريماً لمنهج ديني متمثلاً بالإسلام الذي زادها أهمية بازدياد المسلمين، وتعد اللغة العربية صاحبة شأن وتكاد تأخذ المكانة الثانية او الثالثة في العالم من ناحية الناطقين بها، ومن ناحية العلوم التي نقلتها وترجمت الى اللغات الأخرى.
وأعترف، بكل ثقة، بأن اللغة العربية من اللغات الشفافة التي تنقل لنا العواطف والمحبة بصورة دقيقة، لربما هي أدق اللغات الأخرى لما تحمله من حركية وبعد في المعنى، وليس من باب المجاملة، لان اللغة العربية هي لغة المتحدث، إلا أننا عند قياس سعة اللغة العربية ومساحتها التعبيرية سنجد انها اكثر من اللغات الأخرى التي تقف عند حدود المعنى المقصود، اذ نستطيع ان نسمها بسمة الإعجاب.
خطوط جميلة..
ماذا عن اختيار الخط العربي ضمن الموروث العالمي..
لاشك في أن اللغة تتمثل بالخط، وأن أية لغة تترجم عن طريق الخطوط، ولاشك في أن الخط والرسم بهذه اللغة هو ميزة اللغة العربية عن غيرها من اللغات، اذ يمكن أن يكون في رسم الخط لغة تعبيرية غير ما تقصده اللفظة من الناحية الجمالية، ومن ناحية المعنى، لذلك اهتمت اليونسكو بالخط العربي كونه معبّراً عن المعنى الذي يطلقه المتكلم، فاللغة العربية تحتوي خطوطاً جميلة شكلت أثراً بالغاً عبر العصور، حتى أن أغلب الخطاطين يعبرون بشكل الخط رسماً، كأن يرسم شكلاً معيناً لشجرة او لشيء ملموس بخط عربي ليعبر عما يريده قبل القراءة.
” إن اختيار الخط العربي من قبل منظمة اليونسكو ضمن الموروث العالمي، ما هو إلا لمكانة اللغة العربية ودورها الكبير بين لغات العالم،” هذا ما قالته الدكتورة زينة كاظم، لكنني أدعو المعنيين باللغة وسلامتها لوضع قواعد وأسس مستقبلية لمعالجة الثغرات التي نلاحظها الان، ولابد لي من ان أنقل اقتراح الاستاذ سيد مصطفى الحسني، مسؤول وحدة سلامة اللغة العربية في محافظة بغداد، الذي يتمنى استحداث وحدة سلامة اللغة العربية في جميع دوائر ومؤسسات الدولة اسوة بمحافظة بغداد، وعدها تجربة ناجحة للمحافظة على قواعد لغتنا العربية الجميلة، لغة القرآن الكريم.
إنصاف لفن الحرف..
فيما رأى الخطاط المبدع، المدرس في (إعدادية قمر بني هاشم) بتربية الكرخ الثانية، باقر البياتي، الذي يعمل على أضخم مشروع مستقبلي، هو إنجاز(خط القرآن باليد)، على الرغم من إصابته (بالسرطان)، أن إدراج الخط العربي في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي هو أول إنصاف لفن الحرف العربي، الذي يتفنن في إظهار جماله العديد من فناني الدول غير العربية، مثل تركيا وايران والهند وغيرها، لكونه الخط الوحيد من خطوط الدنيا الذي يحتل مكانة متميزة في مجال الفنون التشكيلية، وذلك لكثرة أنواعه وقابليته على التشكيل، فمرة يكون بمفرده لوحة تشكيلية كاملة، ومرة يكون مفردة تدخل في أغلب الفنون التشكيلية.
لغة نابضة بالحياة..
وربما يكون ختام المسك ما قاله رئيس الجمهورية د. برهم صالح في اليوم العالمي للغة العربية في تغريدة على ” تويتر”,”إِنَّ الَّـذي مَلَأَ اللّـغاتِ مَحـاسِناً.. جَعَلَ الجَمالَ وَسرَّهُ في الضّادِ.”
وأضاف: “في اليوم العالمي للغة العربية، اللغة النابضة بالحياة، نُطقاً وسماعاً وكتابة، حيث تتجلى البلاغة والفصاحة والصور البديعة والمنطق السليم، لغة القرآن الكريم، وجزء أساسي مُساهم في الحضارة الإنسانية.”