لقاح يكسر حدود الطب.. القضاء على السرطان قبل ظهوره بـ 20 عاماً

53

همسة وائل

السرطان هو أحد أبرز الأمراض التي تهدد حياة البشر حول العالم. إذ يعد السبب الرئيس للوفيات في العديد من البلدان، وعلى الرغم من التقدم الكبير في العلاجات، ما زالت الوقاية المبكرة من السرطان تشكل تحديًا. لكن في خطوة غير مسبوقة في مجال الطب، تم ابتكار لقاح يمكنه القضاء على السرطان قبل أن يظهر بـ 20 عامًا، ما يمثل تحولًا جوهريًا في طريقة تعاملنا مع هذا المرض.

فكرة الابتكار
تهدف شراكة جديدة بين جامعة أكسفورد وشركة (جلاكسو سميث كلاين) إلى تطوير لقاحات ضد السرطان قبل تطوره، حيث يعمل العلماء على ابتكار لقاح جديد للسرطان يمكنه “اكتشاف ما لا يمكن اكتشافه” وإيقاف المرض لمدة تصل إلى 20 عامًا قبل أن تتاح له فرصة التطور، حيث تعاونت شركة الأدوية العملاقة GSK وجامعة أكسفورد لإنتاج لقاح يستهدف الخلايا في مرحلة ما قبل السرطان.
تتمتع الجامعة بخبرة عالمية رائدة في دراسة بيولوجيا ما قبل السرطان، مثل تحديد وتسلسل المستضدات الجديدة، وهي بروتينات تتكون على الخلايا السرطانية ويمكن أن تكون هدفًا للأدوية، يستهدف هذا اللقاح الخلايا السرطانية في مراحل مبكرة جدًا من تطورها، قبل أن تبدأ الأورام في التكون أو حتى يمكن اكتشافها. ويعتمد اللقاح على التعرف على مؤشرات حيوية (Biomarkers) تظهر في الجسم قبل أن يتحول الورم السرطاني إلى كتلة قابلة للتشخيص. هذا الابتكار يعني أن الأشخاص يمكن أن يتلقوا اللقاح قبل أن يتعرضوا لأية أعراض، ما يجعل الوقاية من السرطان أكثر فعالية من أي وقت مضى. وتتضمن آلية عمل اللقاح تحفيز جهاز المناعة على التعرف على الخلايا التي قد تتحول إلى خلايا سرطانية. بدلاً من انتظار ظهور الورم، يعمل اللقاح على منع هذه الخلايا من التحول إلى ورم عبر تقوية استجابة جهاز المناعة، ما يمنح الجسم القدرة على مواجهة التغيرات الجينية التي قد تؤدي إلى السرطان.
مرحلة ما قبل السرطان
تقول البروفيسورة سارة بلاغدن، أستاذة جامعة أكسفورد، ومديرة الشراكة، لإذاعة بي بي سي4 إن “السرطان لا يأتي من العدم، إذ إنك تتخيل دائمًا أن الأمر يستغرق عامًا أو عامين ليتطور في جسمك، ولكن في الواقع، نحن نعلم الآن أن السرطان قد يستغرق ما يصل إلى 20 عامًا، وأحيانًا أكثر، ليتطور – حيث تتحول الخلية الطبيعية إلى خلية سرطانية. ونحن نعلم أنه في هذه المرحلة، تصبح معظم أنواع السرطان غير مرئية عندما تمر بهذه المرحلة، والتي نطلق عليها الآن مرحلة ما قبل السرطان. وبالتالي فإن الغرض من اللقاح ليس التطعيم ضد السرطان، بل التطعيم ضد مرحلة ما قبل السرطان.”
أضافت البروفيسورة بلاغدن أن برنامج الوقاية من السرطان المناعي لشركة (جلاكسو سميث كلاين وأكسفورد) تم إطلاقه على خلفية العديد من التطورات التكنولوجية والعلمية التي جعلت إمكانية تطوير لقاحات ضد الأورام السرطانية السابقة ممكنة.
وأضافت: “نحن محظوظون لأن هناك قدرًا هائلاً من الاختراقات التقنية التي تعني أننا نستطيع أن نبدأ في اكتشاف ما لا يمكن اكتشافه. ومن هذا، تمكنا من تحديد السمات التي تتمتع بها هذه الخلايا أثناء انتقالها نحو السرطان، وبالتالي يمكننا تصميم لقاح يستهدف ذلك بشكل خاص”.
وكجزء من الصفقة، ستستثمر شركة (جلاكسو سميث كلاين) ما يصل إلى 50 مليون جنيه إسترليني على مدى ثلاث سنوات في البرنامج، الذي سيبحث في كيفية تحديد نقاط الضعف في الخلايا السرطانية السابقة باستخدام اللقاحات أو الأدوية المستهدفة.
وقال توني وود، كبير مسؤولي العلوم في شركة جلاكسو سميث كلاين: “يسعدنا أن نعزز علاقتنا مع جامعة أكسفورد وأن نجمع بين المعرفة العميقة لعلماء أكسفورد وشركة جلاكسو سميث كلاين. ومن خلال استكشاف علم الأحياء قبل السرطاني والاستفادة من خبرة شركة جلاكسو سميث كلاين في علم الجهاز المناعي، نهدف إلى توليد رؤى رئيسية للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالسرطان.”
وقال وزير العلوم والتكنولوجيا (بيتر كايل) إن الحكومة ستدعم قطاع العلوم الحيوية لمساعدته على تقديم الأبحاث التي يمكن أن تحول صحة البلاد.
وأضاف: “السرطان مرض جلب الألم والأسى لكل عائلة في البلاد، بما في ذلك عائلتي. ولكن من خلال جامعاتنا وشركاتنا الرائدة عالميًا التي تعمل بتناغم، كما تفعل جامعة أكسفورد وشركة جلاكسو سميث كلاين هنا، يمكننا الاستفادة من العلم والابتكار لتحويل ما هو ممكن عندما يتعلق الأمر بتشخيص وعلاج هذا المرض.”
آمال مستقبلية
ويتوقع الخبراء أن هذا الابتكار سيغير بشكل جذري كيفية الوقاية من السرطان وعلاجه. إذا نجح اللقاح في منع الأورام السرطانية قبل ظهورها، فقد يسهم في تقليص معدلات الإصابة بالسرطان بشكل كبير في المستقبل. كما يُتوقع أن يؤدي إلى تقليل الحاجة للعلاج الكيميائي والإشعاعي، ما يخفف من الأعباء الصحية والنفسية على المرضى. ويمثل هذا اللقاح خطوة كبيرة نحو القضاء على السرطان قبل أن يصبح تهديدًا حقيقيًا. إنه ليس فقط تقدمًا في الوقاية من السرطان، بل أيضًا علامة على قدرة العلم على تحطيم الحدود وتقديم حلول مبتكرة لمشكلات صحية مزمنة. مع المزيد من الأبحاث والتطوير، قد نكون قريبين من عالم يمكن فيه الوقاية من السرطان بشكل فعال، ما يفتح آفاقًا جديدة في الطب الحديث.