لماذا سُوّرت كربلاء بخمسة أبواب حصينة؟

167

علي لفتة سعيد/
للمدن القديمة أسوار، حتى لا تكاد تكون هناك مدينة بلا أسوار أو على الأقل سور واحد يحيط بها من كل جوانبها من أجل حمايتها من الهجمات والغزوات والاعتداءات التي كانت تحصل في تلك الأزمان والتي تنوعت واختلفت أسبابها بسبب غياب القانون أو خوف من المجهول فيقوم الناس بحماية أنفسهم.
ومدينة كربلاء ربما تشبه المدن الأخرى وإن اختلفت عنها، فهي مدينة ليست ككل المدن المغلقة بل هي المدينة المنفتحة على كلّ العالم لمكانتها الدينية والروحية عند المسلمين، فهي تريد المحافظة على من يسكنها ومن يزورها في ظلّ ما يعتقد أنَّه غياب للأمن والاستقرار وضعف الحكومات أمام ما يحصل بين المدن، ما جعل المدينة عرضة لهجمات الأعراب والمخرّبين الذين يرومون نهب المدينة وإيقاع الأذى بساكنيها، وهو ما دعا المهتمين بسلامة المدينة وحماية أهلها الى الشروع بتشييد سور يحيط بها مع وضع أبواب حصينة في خمسة أماكن، تفتح وتغلق عند الحاجة .
ولأن السور هو ما (يُحيطُ بِالْمَدينَةِ مِنْ عَهْدٍ قَديمٍ: حائِطٌ مُرْتَفِعٌ يُحيطُ بالْمَدينَةِ، وَلَهُ أَبْوابٌ وَمَداخِلُ في بَعْضِ جَوانِبِهِ) فإن الأمر سيكون محكوما في أن السبب هو الحماية الكاملة لمن يكون في المساحة الداخلية التي يحيط بها السور.
أول الأمر
يقول الباحث المختص في الشأن الكربلائي حسين أحمد الخضير إن أوّل سور شُيِّد للمدينة تم على يد الوزير الحسن بن الفضل بن سهلان، وذلك في عام 412 هجري، وكانوا قد استعملوا في بناء السور اللِبّن المجفف (الآجر) بارتفاع يتراوح بين 20 – 30 قدماً، ووضع فيه أبراجاً للمراقبة مع خمسة أبواب. ويضيف أن قصبة كربلاء القديمة التي شيَّدها عضد الدولة البويهي في المائة الرابعة الهجرية تحتوي على ثلاثة أطراف وهي كما جاء في كتابي (مختصر تأريخ كربلاء / محمد حسن الكليدار ) و(كربلاء في الذاكرة / سلمان هادي الطعمة).
الطرف الأول / يقع على الجهة الشرقية من المدينة ويسمى طرف آل فائز.
الطرف الثاني / يقع على الجهة الشمالية منها ويسمى طرف آل زحيك.
الطرف الثالث / يقع على الجهة الغربية ويسمى طرف آل عيسى.
وكانت قد سمّيت بهذه الأسماء نسبة إلى الأقوام العلوية التي سكنت المدينة.
غارة الوهابية
لكنَّ السور لم يبق على حاله أيضا كما يقول الباحث، فمع مرور الزمن تهدم واضمحل جدار السور ما جعل المدينة عرضة لطمع الغازين. ويؤكد أن الأمر استمر حتى عام 1271 الهجري، وهو تاريخ غارة الوهابية على المدينة، وهو ما دعا علية القوم يتقدمهم السيد علي الطباطبائي الى طلب تشييد سور لها، على أن تكون له ستة أبواب عرفت باسم الطرف الواقع عندها، ثم استبدلت أسماء الأطراف القديمة بأسماء الأبواب الجديدة كما هو عليه في الوقت الحالي فأصبحت كما يلي :
الطرف الأول / يسمى باب النجف (باب المشهد) وذلك نسبة إلى الطريق الذي يسلكه الزائرون القادمون من النجف والحلة، موقع الباب عند مدخل شارع البلوش.
الطرف الثاني / يسمى المخيم، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى وجود المخيم الحسيني فيها، موقع الباب عند مدخل سوق الحسين المقابل لباب القبلة للصحن الحسيني .
الطرف الثالث / يسمى باب الطاق، وقد سمّي بهذا الاسم نسبة إلى وجود الطاق المشيّد في دار السيد إبراهيم الزعفراني أحد رجالات كربلاء المشاركين في واقعة المناخور، موقع الباب عند مدخل زقاق آل جار الله السعدي .
الطرف الرابع / باب السلالمة (الچاچين)، سميت المحلة بهذا الاسم بسبب سكن عشيرة السلاميين فيها، موقع الباب في نهاية عگد الوزون، عند مدخل سوق باب السلالمة .
الطرف الخامس / باب العلوة (باب بغداد) سمي بهذا الاسم بسبب وجود علاوي الحبوب والتمور والمخضرات، موقع الباب في نهاية سوق النجارين .
الطرف السادس / باب الخان، سمّي بهذا الاسم بسبب وجود خانات سكن الوالي العثماني وحاشيته، كذلك مقر الحكومة (السراي)، موقع الباب عند مدخل شارع العلقمي .
ويمضي بقوله إنه بعد مجيء الوالي العثماني مدحت باشا إلى كربلاء في عام 1868م في زيارة له أمر بتهديم قسم من سور المدينة الجنوبي من جهة باب النجف وأضاف طرفاً سابعاً للمدينة سمّي محلة العباسية التي قسّمت إلى قسمين (الشرقية والغربية).
وفي تقادم السنين تعرّض السور إلى التآكل والتهدّم ما شجّع بعض ساكني المحال على خلع ما تبقى من الطابوق واستعماله في بناء منازلهم أو تكملته لانتفاء الحاجه إليه، ولم يبق منه أثر إلّا في بعض الأماكن إذ عثر على بقايا أسس السور .