ليس المسيحيون فقط.. جميع العراقيين يحتفلون بأعياد الميلاد

264

آية البهادلي – تصوير : حسين طالب /

“أجدها مناسبة مدهشة للتذكير بأن العراق بلد متنوع ومتسامح، يحتفي فيه الجميع بأعياد الآخرين كما لو أنهم أسرة واحدة، فلا فرق بين مسيحي ومسلم، فهم يحتفلون بعيدينا، ونحن نحتفل معهم بأعياد ولادة السيد المسيح(ع).”
تزين (نور أحمد) شجرة ميلاد، كانت قد اشترتها من سوق الشورجة، بحجم كبير ولون أخضر، مع لوازم التزيين والهدايا. وتبدو منهمكة كثيراً بترتيب أوراق وأغصان الشجرة البلاستيكية. تقول نور إن بغداد، حتى قبل سنوات سابقة، لم تكن عوائلها تحتفل بالأعياد المسيحية، إلا ما ندر، لكن اليوم تتوافد الجيرة كلها لإعلان تضامنها واحتفالها بهذه الأعياد كموروث اجتماعي جديد.
إقبال غير مسبوق..
قبل بضع سنوات، كان من الممكن مشاهدة زينة عيد الميلاد، من أشجار الكريسماس وغيرها، وهي تُباع في المحال التجارية في أحياء يقطنها المسيحيون فقط، مثل أحياء الكرادة أو الجادرية أو المنصور في بغداد، لكن الوضع تغير اليوم، إذ يمكنك أن ترى أشجار الميلاد وهي تباع في الأسواق الشعبية والأحياء ذات الغالبية المسلمة، فقد اصبحت المدينة متنوعة أكثر.
(محمد سجاد)، بائع في سوق الشورجة، يؤكد لمجلة “الشبكة العراقية” أن إقبال المواطنين على شراء أشجار الميلاد صار كبيراً جداً بمرور السنوات، ومن قبل الجميع. “سابقاً، كانت هذه الشجرات تبقى معنا، ونشعر بالحيرة، أين ومتى سنبيعها، ولاسيما بعد الفتاوى التي يطلقها بعض المتطرفين بضرورة عدم الاحتفال بأعياد غير المسلمين، لذا كنت آخذ تلك الشجيرات الى منزلي الذي يكون متخماً بها، لكن الوضع تغير اليوم، وصار المسلمون أكثر طلبا للشراء من المسيحيين، الذين هم في الحقيقة، قليلون في بغداد.” ويوضح محمد أن أحد عوامل ازدياد بيع لوازم الاحتفاء بالسنة الجديدة وأعياد الميلاد، هو تأثير السوشيال ميديا، وانفتاح العراقيين على تعامل الدول الأخرى مع هذه المناسبات.
السوشيال ميديا أم العراقيون؟
لكن هذا الأمر لم يتفق كثيراً مع رأي عباس، وهو بائع آخر يجاور محل محمد، يقول عباس لـ “مجلة الشبكة”:
“أعتقد أن العراقيين كانوا منفتحين بعضهم على بعض منذ سنوات، حتى أن لعائلتي صوراً في ثمانينيات القرن الماضي مع شجرة ميلاد، كما أن جارتنا المسيحية كانت تعمل الكليجة مع والدتي في منطقة بغداد الجديدة، قبل أن تقرر الهجرة عام 2006 إلى بلاد الغربة، لكن ما حدث هو أن الحروب أبعدت العراقيين عن حقيقة تآلفهم وحبهم لبعضهم، فنسوا أن بينهم الكثير من الروابط المشتركة، التي تعود اليوم ولو بشكل نسبي.”
ويبين عباس أن شراء زينة أعياد الميلاد يزداد كل سنة عما سبقتها، وأن الكثير من العائلات تجلب معها أطفالها لاختيار ما يريدون، وحسب قوله فإن معظمهم يسألون عن أشجار ميلاد شاهدوها في فيلم home alone.
“حب العراقيين للاحتفالات ليس بجديد، إذ أنهم يشاركون بعضهم بعضاً الأعياد الخاصة بالصابئة والإيزيدية والأكراد كذلك، إذ لم تعد محصورة بفئة معينة، وهذا أمر رائع.”
يشار إلى أنه في عام 2018، قررت الحكومة العراقية اعتبار عيد الميلاد الموافق 25 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام عطلة رسمية بمناسبة احتفالات الإخوة المسيحيين بالأعياد المجيدة، ليصبح ضمن الأعياد الوطنية في الدولة العراقية.
ظاهرة اجتماعية
من جهتها، ترى نور، وهي منشغلة بوضع الزينة على شجرة ميلاد قرب تلفازها، أن “الاحتفال بأعياد الميلاد أصبح ظاهرة اجتماعية اكثر من كونها دينية، يحتفي بها جميع البشر على المعمورة، وأنها بمثابة ظاهرة عالمية ينتظرها السكان لتبادل التهاني والبهجة والهدايا فيما بينهم. لربما يختلف الوضع في العراق قليلاً، إذ أجد أن العراقيين، إلى جانب مؤازرتهم أبناء الديانة المسيحية، ومشاركتهم أفراحهم واحتفالاتهم، فإنهم كذلك يرسلون، بصورة غير مباشرة، رسالة إلى العالم أجمع، عن تكاتفهم جميعاً ضد تنظيم داعش الإرهابي، الذي هجّر أعداداً ليست بالقليلة من العوائل المسيحية في الموصل، وهدم الكثير من كنائسهم، وأن ما نفعله اليوم هو أننا جميعنا نشارك في أعياد المسيحين، ونحتفل بذلك نكاية بما فعله داعش الإرهابي.”
العراقي الباحث عن الحياة
“لقد مر العراقيون بالكثير من اللحظات الصعبة، لذا فإنهم يبحثون عن أية فسحة أمل وفرح، حتى لو كانت لا تعنيهم، فتراهم يحتفلون بكأس العالم وكأن العراق مشارك فيه، ويرقصون عند فوز فريقهم المفضل، ويغنون لضيوفهم ويحتفون بالحياة. وأعياد الميلاد مناسبة مهمة ومساحة كبيرة لتفريغ همومهم ومحاربتهم اليأس، لأنهم يفتشون عن الحياة بأقصى سبل البحث، إذن فلنشترِ أشجار الميلاد، ونحتفل كلنا.”
بهذه الكلمات تصف الباحثة الاجتماعية (سناء النقيب) الوضع العام الذي يعيشه العراقيون على حد سواء، فهم يحلمون بحياة أفضل ويبحثون عنها ويحتفلون بها كلما تهيأت لهم ولو بالصدفة. وأضافت أن “التفاصيل الدينية لم تكن يوماً هاجس المواطنين، على الرغم من نشوب حروب طائفية دامية، إذ أن النظر يجب أن يكون إلى حقيقة الناس، بعيداً عن الخلافات بينهم، وكم أنهم تعايشوا لسنوات دون أن يسألوا جارهم، أية ديانة تتبع؟”
“أشعر بالأمل كلما كثرت تهاني المسلمين لأبناء الديانات الأخرى أو العكس، إذ أن تزايد احتفال العراقيين بأعياد بعضهم بعضاً، يعد أمراً إيجابياً سوف يسهم في تحسين وضع الأقليات الذين سيشعرون بفرح غامر عندما يحتفي الآخرون بهم.”