ماء الورد .. أيقونة النقاء والرائحة الزكية

65

طهران/ منى السراج

تشتهر إيران بالعديد من المنتجات، ومن أبرزها ماء الورد، الذي يعد ذا سمعة وشهرة عالميتين، وذلك نظراً لجودته، والطريقة التي يجري من خلالها استخلاصه، التي حافظت -الى حد كبير- على طابعها التقليدي. وفي بداية فصل الربيع حين تتفتح الأزهار يبدأ في البلاد موسم تقطير ماء الورد.

الورد الجوري (المحمدي)
لطالما اعتبر الإيرانيون الورد الجوري، (المحمدي) كما يطلقون عليه منذ القدم، أيقونة الجمال والنقاء والرائحة الزكية المنسوب لعطر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لما يحمله (الجوري) من بعد رمزي يظهر العاطفة والحب الصادق وما تحمله النفس من مشاعر نبيلة لخاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام.
يزداد نقاء الورد وطهره أثناء عملية تقطيره واستخلاص مائه، ويعد ماء الورد مقدساً في ثقافة الشعب الإيراني، إذ إنهم يستخدمونه في تنظيف المساجد، وفي الأعياد والاحتفالات والتعازي، وكذلك في المأكولات، ولاسيما في شهر رمضان.
وانطلاقا من هذا المفهوم توسعت زراعة الورد المحمدي في مختلف أنحاء البلد، وانتشرت صناعة ماء الورد ذي الجودة العالية، حتى أصبحت إيران من أكبر منتجي الورد المحمدي وماء الورد عالمياً، إذ تصدر منه آلاف الأطنان سنوياً الى دول العالم ومدنه، لعل أبرزها مكة المكرمة، اذ يرسل إليها كل عام لاستخدامه في تنظيف وتعطير بيت الله الحرام.
استعمالات متعددة
يعد ماء الورد خير هدية تتبادلها العائلات الإيرانية فيما بينها، ولاسيما في فصل الصيف، بسبب استخدامه في المشروبات الصيفية، لما له أهمية في تخفيف العطش، كذلك في صناعة الحلويات ومستحضرات التجميل، بالإضافة إلى فوائده الطبية الأخرى، منها معالجة أمراض الجلد، وتخفيف الأرق والصداع، والمساعدة في الهضم، وبسبب تأثيره الإيجابي على المزاج السيئ استخدمه الإيرانيون في التعازي لتخفيف الحزن.
تعطير الحرم
ترسل إيران سنوياً 160 لتراً من أجود أنواع ماء الورد إلى مكة المكرمة، لغسل بيت الله الحرام وحرم الكعبة المشرفة. وماء الورد الذي يرسل إلى مكة المكرمة لا يوجد له مثيل في السوق، إذ إنه يتميز بجودته العالية ورائحته العطرية الزكية، كما أنه يصنع من أجود أنواع الورود، “وهذا شرف يحصل عليه كل من قام بإعداده وتقديمه مجاناً لإرساله إلى بيت الله العتيق.”
زراعته وإنتاجه
والعجب أنك ترى أجمل وأزكى أنواع الورد المحمدي هذا ينمو في قلب مدينة تعد من المدن الصحراوية، مع أن إيران تتمتع بالفصول الأربعة في الموسم الواحد. ويصنع ماء الورد في جميع أنحاء إيران تقريباً، ولكن ماء ورد (قمصر) يمتاز عن غيره لأسباب مختلفة، أهمها الموقع الجغرافي للمدينة ومشاتلها التي تقع على ارتفاع ألفي متر عن سطح البحر، وكذلك درجة الحرارة المميزة وحركة الرياح اللتان أثرتا بشكل إيجابي على صناعة ماء الورد وإنتاج (المحمدي).
بالإضافة إلى جودة التراب المتكون من الحصى والرمل، وضرورة قطف الورود قبيل طلوع الشمس تسبقه الصلاة على النبي وآله أثناء إعداده. كذلك يسهم الموقع الجغرافي لـ (قمصر) وبعدها عن الحدود والحروب في تميز المدينة وماء الورد المصنوع فيها.
صناعته
يعود عمر زراعة الورد المحمدي الى ما يقارب السبعة آلاف سنة، ومراسم صناعة ماء الورد الى ما يقارب الألف سنة، لم تتخللها تغييرات تذكر سوى الشيء الطفيف. والورد الجوري أحد أنواع وردة الروز أو (الورد المحمدي)، الذي شاع استعماله في الدول العربية أيضاً، منه الورد الشامي والجزائري والطائفي. أما عملية تقطير ماء الورد فتكون بتهيئة قدور كبيرة خاصة وملئها بأوراد زهور المحمدي، وتهيئة حطب كثير لإشعال النار تحتها. ولكن قبل البدء تمرر القدور الملأى بالورد على النهر لتقرأ عليها أدعية خاصة.
أما عدد الزائرين الى المدينة لحضور مراسم صناعة الورد كل عام فيصل الى مليوني زائر تقريباً، وتستقبل جداول المياه الرقراقة قدوم الزائرين بعد قطعهم مسافات بين مناطق صحراوية وجبلية في أواسط شهر آذار ولمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، إذ إن منطقة قمصر تتمتع جغرافياً بطبيعة جميلة ذات تنوع، فهي تقع بين جبال ومناطق صحراوية، كما أن مناخها معتدل. وعلى الرغم من استخدام الإيرانيين ماء الورد منذ قرون بعيدة، فإن (المحمدي) لم يجد مكانته وقيمته إلا بعد أن حمل اسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وارتباطه بأطهر مياه الأرض (ماء زمزم).-