ماذا جنَت مدن النفط من ثروتها؟

1٬521

عدي فلاح الهاجري /

سبع سنوات مرت على مشروع خدمة التراخيص النفطية التي اشتملت على فقرة سمّيت بمشاريع المنافع الاجتماعية التي يجب أن تنفذها هذه الشركات في مناطق عملها بهدف تطوير المدن التي تعمل فيها تلك الشركات من مشاريع البنى التحتية او مشاريع تطوير الأداء.

وقد حظيت محافظة البصرة بالقسم الأكبر من تلك العقود، وباشرت عشرات الشركات النفطية العالمية ومن مختلف الجنسيات العمل منذ ذلك التاريخ، لكن ما الذي حصلت عليه مدن النفط من تحسن الإنتاج في آبارها؟

مجلة”الشبكة” تابعت الموضوع مع الجهات ذات العلاقة، حول ماهية هذه المشاريع وكيفية تنفيذها وكل خلفيات القضية.

مبالغ مستردة

يقول مدير الإعلام في شركة نفط البصرة علي الفارس: إن عقود التراخيص النفطية التي أبرمتها الحكومة العراقية مع الشركات النفطية العالمية، ألزمت الطرف الأجنبي تنفيذ مشاريع للمجتمع الذي تعمل فيه على أن لا تتجاوز الكلف المالية الخمسة ملايين دولار سنوياً، وتقيّد مالياً ضمن سجل المبالغ المستردة.

ويبين: إن المبالغ المستردة يقصد بها أن الحكومة العراقية ممثلة بوزارة النفط سوف تسدد هذه المبالغ بالكامل للجانب الأجنبي دون فوائد وحسب المادة 19 من العقود (الرسوم الإضافية ورسوم الخدمات).

وعن دور الشركة في متابعة هذه المشاريع يوضح الفارس: إن شركة نفط البصرة تتابع ما تطرحه الحكومات المحلية عبر ممثليها مع ديوان محافظة البصرة، ويتم الاتفاق على المشاريع المقدمة والمصادقة عليها وإعادتها للشركات النفطية لتنفيذها تحت إشراف كوادر شركتنا، منوهاً إلى أن مشاريع المنافع تشمل المناطق التي تتواجد فيها هذه الشركات النفطية.

قانون مبهم!!

قائممقام قضاء الزبير السابق، المهندس عباس الحيدري، ذكر أن مشاريع المنافع الاجتماعية مهما تكن فهي قليلة ولا تقدم مشاريع منظورة للمجتمع، رغم أن الغاية والهدف منها، هو تقديم منفعة اجتماعية للمنطقة التي تتواجد بها الشركة العاملة.

ويتابع الحيدري أنه، ومن خلال تواصله مع عدد من هذه الشركات، وجد أنها لا تمتلك جدّية حقيقية في صرف أموالها خارج مجال عمل شركتها، لأن القانون غير واضح المعالم، ومجهول لدى الكثير من مسؤولي الوحدات الإدارية في المحافظة، مشيراً إلى أن محافظ البصرة الأسبق محمد مصبح الوائلي نفّذ، وبمبالغ بسيطة، مشاريع خدمية اجتماعية مع شركة نفط الجنوب أكثر بكثير مما نفذته هذه الشركات، مضيفاَ أنه كان الأولى استغلال هذه المبالغ في صيانة المصانع والمعامل المتوقفة وتقليل نسبة التلوث وتشغيل أهالي البصرة، بدلاً من صرف هذه المبالغ في تنفيذ مشاريع بسيطة.

تفاهم غائب

رئيس المجلس البلدي في منطقة كرمة علي، نوري جليل، أوضح أن المشاريع التي تم تقديمها الى مناطق الكرمة في السابق كانت جيدة وبعيدة عن التلكؤ، مضيفاً أنهم عقدوا اجتماعات عديدة مع الجهات المعنية من شأنها تقديم مشاريع هامة تتضمن تحلية المياه وإكساء الشوارع، مؤكداً أن تلك المشاريع أسهمت في حل جميع المشاكل الخدمية في المنطقة.

بدوره، المستشار السابق لمحافظ البصرة الدكتور نبيل الأمير اوضح أنه قدّم مقترحاً مفصلاً لعمل مجلس استشاري يضم ممثلين عن الشركات النفطية وممثلين عن الحكومة المحلية بشقيها التنفيذي والتشريعي، لكنه أوضح أن هذا المقترح لم يرَ النور لأنه لم يرُق لبعض المسؤولين في البصرة.

إصلاح الخلل

رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس محافظة البصرة علي شدّاد الفارس أوضح أن ملفّ المنافع الاجتماعية خلال فترة الحكومة المحلية السابقة، شهد بعض المشاريع المنفذة دون الرجوع الى الحكومة المحلية، اذ اجتهدت بعض الشركات في تنفيذ تلك المشاريع، التي لم ترتقِ لتقديم منفعة اجتماعية.

وأضاف: استحصلنا الموافقات خلال هذه الدورة من الحكومة الاتحادية لرسم سياسة مشاريع المنافع الاجتماعية، وقد نجحنا في مجال التخطيط بالتنسيق مع ادارة شركة نفط البصرة، عبر لجنة المنافع الاجتماعية في الشركة، وبالتالي أصبحت لدينا لجنة مركزية برئاسة محافظ البصرة وإشراف مباشر من قبل لجنة النفط والغاز.

وتابع: كل هيئات تشغيل الحقول قد فعّلت ملف المنافع الاجتماعية فيها باستثناء شركة لوك أويل الروسية (حقل غرب القرنة الثاني) التي كانت تتحفظ على مبالغ المنافع الاجتماعية الخمسة ملايين دولار لأنها مذكورة بشكل واضح في العقد الرسمي معها، لذلك طالبوا وزارة النفط بإعادة التعاقد مرة أخرى، وهو أمر صعب تنفيذه، لكننا حصلنا على تطمينات من وزير النفط، على أن ادارة شركة لوك اويل ستنفذ مشاريع المنافع الاجتماعية.

خمسة قطاعات

وذكر أن حجم هذه المشاريع يختلف، فكل هيئة وكل حقل يختلف عن الآخر، فكل قضاء وناحية له خصوصية في طبيعة هذه المشاريع، لكننا، اللجنة المركزية في البصرة، حددنا المشاريع ضمن خمسة قطاعات هي التربية والصحة والكهرباء لأهميتها وقطاع البنى التحتية كتأهيل الشوارع والطرقات وإعادة اكسائها وتجهيز معامل خاصة بمديرية البلديات والقطاع الأخير هو قطاع الرياضة والشباب، فهناك نسبة بسيطة لهذا القطاع وتم إنجاز مجموعة من المشاريع كملاعب الخماسي في الرميلة وكرمة علي وشمال البصرة والنشوة وقضاء الزبير، لافتاً الى وجود تعاون من ادارة شركة كويت اينرجي (حقل السيبة الغازي) لتنفيذ مشاريع في ناحية السيبة وقضائي الفاو وأبي الخصيب، لأن الهدف الرئيس للّجنة المركزية هو اشراك كافة المناطق القريبة من الحقول وعدم استثناء أية منطقة.

مبالغ غير مستردة

وعن دور الشركات في الصرف من أرباحها، ذكر أن عقود التراخيص تتضمن فقرات تدعو هذه الشركات لتنفيذ مشاريع اجتماعية من الموازنة الخاصة بها، أي مبالغ غير مستردة، وهو ضمن ما يسمى “تحسين صورة المستثمر” وبالفعل هناك بعض المشاريع التي تم تنفيذها من قبل هذه الشركات في القطاعات الإنسانية وهي مشاريع توعوية تنموية بسيطة جدا.

تطوير القدرات

مدير شركة نفط البصرة المهندس إحسان عبد الجبار شدّد على أهمية مشاريع المنافع الاجتماعية وخصوصاً في مجال تطوير القدرات وتحسين الأداء، موضحاً أن الشركة تأمل أن يكون تأهيل وتطوير خبرات الكوادر الشبابية ضمن أهم أولويات صرف مبالغ المنافع الاجتماعية.

وأشار عبد الجبار الى “وجود برامج ولجان عمل مشتركة بين شركة نفط البصرة والحكومة المحلية تعمل بشكل منتظم من اطلاق ومتابعة مبالغ المنافع الاجتماعية”، مؤكداً على “ان الأعمال التي أنجزت شمال البصرة ليست بالمستوى المطلوب، مبيناً أن هناك مشاريع كثيرة أهمها مشروع لمستشفى السرطان”، مشدداً على ان “مبالغ المنافع الاجتماعية هي التزام قانوني واخلاقي مع شركات جولات التراخيص يجب تأديته .”

كاشفاً عن وجود خطة وبرنامج لدى شركة نفط البصرة حول رفع المستوى المحلي وأن يكون نصفه من أجل تطوير وتدريب ذلك المحتوى المحلي من خلال رفع مستوى الكفاءة والخبرة لدى الشباب.

وأوضح أن تقديم برامج كبيرة من أجل تطوير الشباب من أجل رفع مستواهم هو اكثر أهمية من الخدمات التي ستقدم، رغم أن تلك الخدمات الأخرى مطلوبة ومهمة أيضا.

وإذ نؤشر تناقضات في تصريحات المسؤولين في البصرة عن هذا الموضوع، فإن المواطن المشمول بالخدمة والقريب إلى مواقع استثمار الحقول النفطية ضمن ما يسمى عقود التراخيص النفطية، مازال يعاني امراضاً كثيرة، ولم يجد حلاً بسبب عدم معالجة الوضع البيئي، وذلك لسوء استثمار النفط وكثرة المحروقات، وواقع خدمي متردٍ، والعلّة الأساسية هي تفشي الفساد، ولهذا لم يتحقق اي تقدم في الجوانب الانسانية والخدمية رغم صرف مئات الملايين من الدولارات ضمن ما يسمى (مشاريع المنافع الاجتماعية).