ماذا لو انقطع الإنترنت عن العالم؟

64

رجاء الشجيري/
حياتنا المعاصرة وارتباطها الكلي بالثورة التكنولوجية، وتداعيات التحديث الذي حصل في برنامج شركة الأمن السيبراني CrowdStrike يوم الجمعة ١٩ من تموز الماضي، وتسببه بشل جميع أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام تشغيل ويندوز، ما قادنا إلى تساؤل ماذا لو انقطع الإنترنت تماماً مع كل تطبيقاته وأنظمته ووسائله؟ ترى كيف سيكون العالم وأعمالنا وحياتنا؟ الإجابة عن هذا التساؤل كانت عبر استطلاع أجرته مجلة “الشبكة العراقية” مع شخصيات اقتصادية وأكاديمية وأدبية وفنية عبر الآتي..
عطل مفاجئ
شركة crowdstrike وهي معنية بتنظيم الأمن قامت بتحديث على مختلف أنظمة التشغيل، ما أثر على نظام الويندوز، وظهر للمستخدمين ما يسمىBlue Screen of Death أو الشاشة الزرقاء التي تعني (تحطم نظام التشغيل)، هذا العطل لم يؤثر سوى على نظم تشغيل ويندوز ولم يؤثر على Macos أو Linux
في حين ذكرت شركة مايكروسوفت أن عطل (كراود سترايك) أثر على نحو 8.5 مليون جهاز، وأدى إلى توقف عمل مطارات العالم، وعدم قدرة المؤسسات المالية على الوصول إلى أنظمة الحوسبة، وشل العمليات في المستشفيات والمصارف ووسائل الإعلام والبث المباشر، وتعطيل البريد الإلكتروني.. وغيرها.
آراء اقتصادية
(د. أحمد نوح طه)، أستاذ القانون المالي المساعد، شرح وجهة نظره عما إذا انقطع الإنترنت قائلاً:
الإنترنت فتح لنا أبواب العالم، بدونه ستختلف الحياة وتغدو في منتهى الصعوبة، فعالم بلا إنترنت يعني عالماً بلا اتصالات ومعلومات ووسائل اختصرت الكثير في كل مجالات الحياة، وبلا شك سيتراجع ويرتبك التواصل الاقتصادي الدولي، وسنعود إلى عالم ما قبل الإنترنت مع خسائر هائلة، سنعود مع العالم والباحث الاقتصاديين سابقاً، وهما يجدان صعوبة في الحصول على المعلومة فبدون الإنترنت ستغدو الحياة صعبة جداً جداً..
فيما عدّه (د. أحمد الصفار)، مقرر اللجنة المالية النيابية – الدورة الرابعة، الذي يحمل دكتوراه مالية عامة، أنه من مستلزمات البنى التحتية الأساسية للكثير من القطاعات المالية والاقتصادية، جنباً إلى جنب مع الماء والكهرباء والتربية والتعليم والصحة، لذا فإن توقف الإنترنت يعني توقف ٥٠ بالمئة من الحياة المعاصرة، كما لاحظنا حين تعطل نظام واحدة من إحدى الشركات، ماذا فعل بالعالم.
“إن تعطل وتوقف نظام إحدى الشركات، وما خلفه من نتائج وخسائر وخيمة على العالم، إنما يؤشر أول تحد له في حال أي خلل أو غياب للإنترنت.” هكذا بدأ حديثه الباحث الاقتصادي (ياسر المتولي)، وهو يؤشر أيضاً ضرورة ألا يكون الاعتماد عليه كلياً في عمليات التحول الرقمي الذي يتسابق العالم المعاصر لانتهاجه.
مضيفاً: ما حدث من توقف ومخلفات اقتصادية وحياتية وخسائر ذكرت في وسائل عدة تجعلنا ننبه إلى أن العراق وهو يخوض تجربة جديدة في التحول الرقمي عليه أن يركز على برامج وتطبيقات وتقنية المعلومات والاتصالات التي تحميه في حال حدوث أي خرق أو توقف أو خلل في أنظمة الشركات، وذلك من خلال دعم الشباب والتدريب لتفادي ما حدث يوم ١٩ تموز في العالم.

الأدب والفنون

كما كانت للأكاديميين والأدباء والفنانين آراؤهم أيضاً حول التساؤل الذي أطلقته مجلة “الشبكة العراقية”، (د. صالح الصحن)، رئيس ملتقى الإذاعيين والتلفزيونيين في العراق، تحدث قائلاً:
نحن الآن نعيش في حياة متسارعة مع المتغير التقني والسلوكي والنفسي والمهني والعلمي في جميع حقول الحياة، وفق استمرارية التفاعل والتأقلم مع وسائل الحياة من اتصالات وبرامج وتقنيات حديثة في التعليم ونشر البحوث والمعارف، فضلاً عن تقنيات الطب والهندسة والفنون، وما جرى من تطورات تقنية فائقة الابتكار في التصميم والرسم والنحت والسينما والتلفزيون والمسرح والثقافة والإعلام والصحافة والنقل عبر الأقمار الصناعية، والثقافة الإلكترونية، وميادين انتعشت فيها الصناعة والزراعة، والتجارة وحركة المصارف، بأسلوب لا يمكن الرجوع إلى الوراء.. فلو توقفت كل هذه الوسائل التقنية لتوقف تطور عجلة الحياة، والتبشير بنمط آخر هو (البدائية) التي لا نحلم بها..
من جانبه قال المخرج أنس عبد الصمد: أرى أن الحياة ستكون أفضل إنسانياً، لكن أصعب وأبطأ تقنياً، إذ سيتأخر الفعل الثقافي أو الإنساني فترة، لكنه لن ينقطع عما كان ما قبل الثورة التكنولوجيا الحديثة.

إلا أن (د. ابتهال خاجيك تكلان)، المدير العام لدار الأزياء العراقية كان لها رأي آخر قائلة: إن جرى ذلك وتوقف الإنترنت عن العالم، فلابد من أن عمل سيناريوهات عدة قابلة للتنفيذ كبدائل مؤقتة، وصدقاً أرى أن العالم سيكون أجمل والحياة أروع، إذ ستعود الحياة إلى سابق عهدها من تواصل وحميمية وزيارات الأهل والأحبة، سنغادر شاشات الموبايل والحاسبة اللتين اصبحتا حائط سد لمشاعرنا الحقيقية، سنعيش في عالم واقعي حقيقي ملموس ونغادر عالماً افتراضياً أصبحت سلبياته أكثر من إيجابياته، كذلك قد يكون هناك شيء آخر يجيد إدارة حياتنا كبديل اضطراري.. لا نعلم.

الشعراء لهم حصتهم في رؤيتهم الحياة دون إنترنت
فالشاعرة (د. نوال الحوار) أعلنت عن حاجتها الماسة لهذا الانقطاع عقب غياب الخصوصية اذ تقول: لم تعد الروح تحلق في أسرارها الغامضة، استيقظ صباحاً، أشرب قهوتي على مهل مع الطبيعة البكر، إنه أجمل انعتاق للروح الصامتة، أتذكر من أحب على مهل، أستمتع بالأشواق التي يسببها البعد اللذيذ الذي نفتقده، إغماضة جفن على فكرة أسرع أسكبها على الورق قصيدة.
ماذا لو مشيت حافية القدمين إلى آخر الطريق ونقرت بحصاة شباك من أحب ولوحت له من بعيد دون مراسلات واتساب، إنها صور من الرومانسية والحميمية التي لم تعد موجودة.

أما الشاعر (عامر عاصي) فقد مزج ما بين الشاعرية والحياة العملية بقوله:
فيما يتعلق بالحياة العملية والعمل الإعلامي، فإن انقطاع الاتصالات والتواصل الرقمي، وإلغاء برامج التواصل سيكون كارثة على الحياة، بفعل تأقلمنا مع هذه الوسائل، حتى أصبحت جزءاً من مسلماتنا، نبني عليها كل خططنا وأفكارنا، ومقومات أدائنا.
أما بالنسبة للحياة الشخصية والكتابة الإبداعية، فإنني أرى أن وسائل التواصل قد فعلت فعلاً سلبياً في تسريع إيقاع الحياة، وسلب السكينة والسلام الداخلي، بما تنطوي عليه من استخدام سلبي موجه للقوى السياسية والاقتصادية العالمية، وما يتخلل استخدامها من سلبيات على الحياة الاجتماعية.
أسوأ ما فعلته مواقع التواصل محلياً في مجال الحرية الفكرية، هي ما أسميه دكتاتورية الفيسبوك التي تجعل من المختلف عرضة لهجمات كائن بملايين الأطراف، يمارس عليه ضغوطاً قاسية للحد من اختلافه مع التوجهات العامة.